|
دلال محمود ومعاناة الرحيل عن الوطن خالد محمد الجنابي الفراق ، الرحيل ، الوداع ، كلمات قاسية ومرًة جدا ، لها وقع أليم على ألاحساس ، لايمكن لشخص ما أن يتصور المعاناة التي تعيش في نفس من بعاني الغربة نتيجة رحيله عن وطنه ، الغربة لايشعر بمرراتها سوى من يكتوي بنار لوعتها التي لاتنفك تلتهب على مر ألأيام بل مع كل لحظة زمن يعيشها المغترب ، رابطة الحنين الى الوطن تأخذ منحىً يتجه بشكل تصاعدي نحو الشوق للعودة الى احضان الوطن الحبيب ، رابطة تقترن بالدموع التي تصبح مع مرور الوقت الرفيق الاول لمن يعشق وطنه ويذوب بلاعج الاشتياق له حين لايكون له الخيار في العودة نتيجة ظرف ما أو ارتباط عائلي أو أي أمر آخر خارج عن الارادة . تقول كاتبة العراق الواعدة دلال محمود في قصيدتها يأبهى ألأوطان : أي انها بدأت قصيدتها بكلمة رحلتُ ، هنا أعتراف بالرحيل ، ثم تؤكد الاعتراف وتقول أنا ، الشموخ يبدو واضحا في القصيدة منذ بدايتها ، حيث لن تُلقي سبب الرحيل على أي شيء وبكل جرأة قالت رحلتُ أنا ، شموخ يتخلله ألألم والعبرات التي قطعا كانت مصحوبة بسيل من الدموع سالت مع كتابة كلمة رحلتُ ، تتابع وتستفسر بنبرة من الرجاء ، هل تعذرُ ........... ؟ تناجي الوطن وتشكي له حالة الضعف التي مرًت بها حين الرحيل ومارافقها من هوان نتيجة ذلك ، تسأله أن ينتشلها من معاناتها ، تخاطبه ياكعبة أشجاني ، أي أنه رمز مقدس لأحزانها وأشجانها لأنه الحزن الذي لايعلوه حزن والشجن الذي لايدنوه شجن مهما كانت مرارته ، تتأمل أن يطبع وطنها قبلة الترحيب على جبينها حين تعود لأحضانه ، في ذات الوقت تخشى أن لاتحظى بتلك القبلة لأحتمال أن الوطن يأبى حبها ، حالة فريدة من الحديث والاسترسال من الحوار الشجي الممتع بينها وبين حبيبها العراق ، الذي نادته بعبارة : ياكُلً جنوني . تستمر دلال محمود في مناجاتها للعراق الغالي وبث شكواها له وماتعانيه في غربتها نتيجة الابتعاد عنه ، مناجاة تأخذ شكل الحوار بين الحبيب والحبيبة في أرقى معانيه السامية التي تتألق في حالة نادرة من الزهو ، حين تقول : أحتاجك ، جرح ............. ، الجميع يعلم بأن الجرح يبقى يؤلم صاحبه لحين الشفاء ، هنا تريد دلال محمود أن تبقى معاناتها قائمة لحين أن تعود الى الوطن ، شعور كبير بالذنب تشعر به تجاه العراق الغالي وهي بعيدة عنه في محنته وألمه ، تريد أن يبقى جرح الفراق نازفا على الدوام ، علًها ترٌد جزءا من الحنين والوفاء والشوق الى وطنها ، ليس بأمكانها فعل شيء فالخيار صعب في وقت أصبحت فيه أسيرة لمتطلبات تفرض عليها الاغتراب لفترة لايمكن لها تحديدها بمفردها ، فترة تلقي بظلالها وتداعيتها على مشاعرها واحاسيسها طوال الوقت الذي يمضي بمرارة تتجرعها حين يكون الوطن حاضرا في مخيلتها مع كل نسمة هواء تستنشقها وكل نبضة قلب ودمعة عين تذرفها ، ويبدوا ذلك واضحا من خلال قولها : ماعدتُ أقاوم ............ ، أي أن الحزن أصبح يفوق حد ألأحتمال ، بحيث وصفته باللعين ، ثم تصف الوقت أيضا باللعين ، لأنه يمر بشكل رتيب وقاسي وتكون ساعاته بطيئة الزوال ، علاوة على انه رهين بوقت مملْ مرً سابقا وتمتد آلامه وترتبط بشكل متسلسل مع الوقت الحالي بل ورهينا به ختام القصيدة كان مسكاً بكل ماتحمله الكلمة من معنى ، سرد موجز ذو معانٍ عميقة ، تجلًت بوضوح وزهد لكل ملذات الحياة ومتاعها الزائل مقابل العودة الى الوطن من خلال ابيات أقل مايقال عنها انها رائعة بحق ، حين قالت : لاتريد شيء سوى ألأرتماء في أحضان الوطن والشعور بدفء حنينه الذي أفتقدته في بلاد الغربة ، نداء مباشر تتجه من خلالها الى العراق الغالي حين تقول تلزمني ياأنت ............... ، أي أنت ياوطني ماأحتاج اليه ، شعور عميق نابع من خلجات متناحرة عاشتها في لحظات عصيبة حين كانت تكتب قصيدتها ياأبهى ألأوطان ، ولن تجد وصفا تصف به وطنها أسمى من أن تصفه بأنه ألألق الذي يمثل الضوء في عيونها ، وهذا بحد ذاته وصف في غاية الروعة حيث أن العين هي الدليل الذي يمكن لكل أنسان أن يمييز من خلاله مايوجد من حوله من ضار ونافع وعدو وصديق ، ثم تصف رؤية عينها للوطن بأنها أحتفال تعيشه العين لحظة اللقاء ، هل منا يمكن له أن يتصور كم هو جمال الصورة الشعرية التي تمثلت بكلمات ، عيوني ، تحتفل فرحا ؟ يسمو النداء لأن المنادى أسمى من كل شيء ، يسمو النداء حين تقول : ياأغلى مافي التكوين ، حالة من الجزم الفريد ، أطلقت لها العنان دون تردد غير آبهة بشيء سوى الوطن الذي لايمكن لأحد أن ينافس حبها له كونه أغلى مايعيش في قلبها دون منازع ، ثم تؤكد ذلك بقولها : تكوين الدنيا ، أجمعها لايكفي ، بعد ذلك تقول ياضي جفوني ، هنا في هذه العبارة بالذات تعبير مجازي رائع جدا ، تعبير يكاد يكون حالة من حالات التجديد الشعري ، حيث أن من المتعارف القول عليه هو ياضي عيوني ، هنا في القصيدة تقول دلال محمود ياضي جفوني ، أي أن الوطن لايمثل نورا لعينيها فقط بل انها ترى ذلك النور يتخلل الجفون ويجعلها تضيء ، ومثل ماذكرت تعبير مجازي رائع بل أكثر من ذلك بكثير ، وألأروع من ذلك أن تكون الجفون غارقة ، لكن بماذا غارقة ؟ غارقة بالخجل ، الخجل الذي يساورها من جراء الرحيل عن الوطن الى بلاد غريبة لاتساوي بمجلها ذرة من تراب العراق الغالي ، حين تمر لحظات الذكرى التي أمتزجت بدموع ألألم في وقت كانت تكتب فيه تلك القصيدة دلال .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |