|
زاهر الزبيدي ملايين الأطنان من الأسمنت ومثلها من حديد التسليح مزجت لتشكل علامة فارقة في حياة العراقيين في فترة ما بعد التغيير في 2003 ، أنها الكتل الكونكريتية والتي عرفت عامياً بـ "الصبّات" .. التي شغلت الأعلام العراقي بكافة أنواعه لفترة ليست بالقصيرة فمنهم من وصمها بوصمة العار ومنهم من شبهها بالجدار العازل على أرضنا في فلسطين وأنها ، الصبّات ، قد جزئت الوطن وقطعت أوصاله وفرّقت بين ساكني مدينة بغداد التي كانت محلاتها تتقاتل فيما بينها وتعيش أتعس عصورها عندما كانت الطائفية المقيتة تنهش في لحم أبناءها والمفخخات تطير برؤوسهم ورؤس فلذات أكبادهم .المهم في موضوعنا اليوم أن قيادة عمليات بغداد قد باشرت بتنفيذ أمر السيد رئيس الوزراء برفع الكتل من أغلب مناطق بغداد .. والمهم أكثر أن أغلب الأسواق المهمة والمكتظة بالمتسوقين قد أصبحت مكشوفة أمام العجلات المفخخة والعبوات التي تزرع على قارعة الطرق مما يضيف مسؤولية كبيرة أمام القوات الأمنية سيطراتها في توخي الدقة والحذر من عبور إحداها لتنفجر في أحد تلك السواق وتتطاير منها القطع المعدنية الحادة أو المسامير أو الكرات المعدنية التي دأبت المجاميع الإرهابية على حشوها في عبواتهم بغية الإيقاع بأكبر عدد من الضحايا لتلك التفجيرات والتي طالما فتكت بأبناء الشعب في كافة الأوقات ولم يسلم منها شارع أو سوق أو حتى دور عبادة .. وبالنظر لما كلفته تلك "الصبات" من أموال طائلة قد تصل في بعض الأحيان الى مليارات الدولارات لأن أسعارها وصلت في بعض الأحيان الى أكثر ألف دولار وهذا يبين مدى غلائها وكم أستهلكت وتسببت في رفع أسعار بعض مواد البناء في وقت توقف الصناعات الأنشائية في العراق بفعل أحداث 2003 والذي أستدعى بروز ظاهرة إستيراد المواد الأنشائية من دول الجوار بعد أن كان العراق من أوائل المصادرين لها .. أقول علينا أن لا نفرط بالجهد والمال التي تكبده العراق في الأعداد لتلك الكتل والبحث عن أنجع الأساليب للأستفادة منها فقد ضحى آلاف العراقيين من أجلها حينما حرموا من بناء دور لهم وأستهلاك تلك "الصبات" للكثير من مبالغ المساعدات الدولية والموازنات العراقية حيث أدت تلك الكتل دوراً مهماً جداً في حياتنا وآن الأوان لها أن تؤدي دوراً أهم آخر في حياتنا من خلال تشكيل لجان فنية حكومية على مستوى عال لبيان إمكانية الاستفادة منها في الكثير من المشاريع التي تتناسب وأحجامها .. فمثلاً من الممكن الاستفادة من الكتل القصير في فصل الشوارع الخطرة التي لا تحتوي على جزرات وسطية بعد أن يتم طلائها بالطلاء المناسب لتكون فواصل أمينة في شوارعنا ذات المسارين في الشارع الواحد كذلك بالإمكان الاستفادة من الطويلة منها في تقطيع قواعدها والاستفادة منها في البناء الجاهز للجسور الصغير وكذلك في أسيجة البنايات بعد تحوير واجهاتها حسب الحاجة . علينا أن لا نفرط بتلك الكتل الكونكريتية التي فرقت بين مناطقنا ولكنها ما فرقت بين قلوبنا فقلوبنا لا يمكن أن يفرقها أحد لكونها مجبولة على حب بعضها ، لقد كانت الكتل في يوم ما الدرع الواقي من آلاف التفجيرات لآلاف الأطنان من المواد المتفجرة والمعادن القاتلة التي كانت ستنام في صدورنا لولا تلك الكتل لذلك علينا أن نبقي منها شيئاً للذكرى نستذكر فيها بعض مآسينا عسى أن يكون ذلك عزاءاً لنا في زمن الموت .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |