شرعنة الفساد
ليث الربيعي
لا أعلم بالضبط من أين تأتي الحكومات العراقية المتعاقبة بقراراتها الغريبة والمثيرة للجدل وعلامات الاستفهام، ومن يا ترى يملك سلطة إقناع كيان يفترض أن يكون عالما وفاهما وقريبا من حاجات ومشاكل الناس بالكثير من مآربه الشخصية وطموحاته ومشاكله الخارجة عن القانون، وكيف تستطيع الحكومة أن تغير أولوياتها بين ليلة وضحاها وتصبح الأمور الأكثر أهمية مهمة فقط، وبذلك تعفو عن مجرمين وتجرم الأبرياء بل وتسلط عليهم اسواط العذاب.
قبل أيام أصدرت الحكومة العراقية الموقرة مشروع قرار يقضي برفع العقوبات الصادرة بحق مزوري الشهادات الدراسية، ومن دون دراسة أو تمحيص شكلت الحكومة لجنة للبت بهذه القضايا، وتم رفع هذا المشروع إلى البرلمان العراقي لينال ثقة النواب الكرام ويصادق عليه، وإذا ما مر هذا القرار –وهو الأقرب- فإن حكومتنا الموقرة ستخطو باتجاه شرعنة التزوير وهو النوع الأكثر ضراوة من أنواع الفساد المستشري في قطاعات الدولة المختلفة.
مثل هكذا قرارات لا شك أنها ترفع الحيف والظلم عن شريحة كبيرة من الفاسدين الذين تحكموا بمقدرات عباد الله المساكين من دون وجه حق، بل اضطهدوا الكثيرين ممن يفوقوهم علما وعملا وأذاقوهم مرارة الندم والخسران لفنيهم زهرة شبابهم في الدراسة والبحث للحصول على شهادة أكاديمية في حقول اختصاصاتهم، وبالتالي وبعد اللاتي واللتيا يركن صاحب الشهادة على جنب وشهادته يأكلها غبار الزمن على رفوف النسيان، ليتحكم بمصائرهم من يملكون شهادات دراسية صادرة من بعض دول الجوار بشكل غير رسمي.
المعلومات التي رشحت إلينا عن كمية عمليات تزوير الشهادات الدراسية في العراق تشير إلى أن هناك أكثر من (٧٠٠٠ سبعة آلاف) شهادة دراسية مزورة صدرت لنواب ووزراء ومستشارون ووكلاء ومدراء عامون يمارسون أدوارا مختلفة في الحكومة العراقية ويتقاضون أعلى الاستحقاقات الوظيفية ويتمتعون بكافة الصلاحيات المترتبة على مناصبهم، وقد أصدرت هيئة النزاهة مؤخرا قائمة تضم أكثر ٣٠٠ اسم من هؤلاء المزورين الذين تحققت من شهاداتهم المزورة من جامعات ومعاهد الدول العربية والأجنبية، فضلا عن نشر وزارة التعليم العالي إحصاءات بالأرقام عن أعداد الشهادات المزورة الصادرة من الجامعات العراقية، وان رفع الحكومة العراقية العقوبات عن هذه الأرقام الكبيرة من المزورين لا شك يفتح أبواب السؤال والاستفسار عن جدوى ذلك، وهل أن الحكومة تسعى لمنع الفساد أم أنها تبحث عن شرعية قانونية ودستورية له، وإذا ما كان بعض رجالات الدولة الكرام يتعاملون بشهادات مزورة فما ذنب الآخرين الذين اجتهدوا وسهروا الليالي طلبا للنجاح وتحقيق ما يصبون إليه.
الفرصة لا زالت سانحة أمام الحكومة في التريث وعدم تنفيذ هذا القرار أو على الأقل إيجاد سبيل لرفع الحيف والظلم عن حملة الشهادات الرسمية ولا زالوا عاطلين عن العمل، فضلا عن بعض الذين وقعوا ضحية للعمليات الغير شرعية، كذلك لابد أن يعامل الجميع بنفس المواد إن كانت قانونية وشرعية ولا يستثني كبار المزورين الذين أنهكوا موارد الدولة على الشكليات الفارهة ويتم تطبيق القرار على الموظفين البسطاء الذين دفعتهم الحاجة والعوز إلى اتخاذ طرق غير رسمية في تحسين واقعهم المعاشي، مع العلم أن الجميع أمام الله والقانون مزورين مع سبق الإصرار والترصد.. وهنا اذكر الجميع بقول سيد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): "أَقِيلُوا ذَوِي الْمُرُوءَاتِ عَثَرَاتِهِمْ، فَمَا يَعْثُرُ مِنْهُمْ عَاثِرٌ إِلاَّ وَيَدُ اللهِ بِيَدِهِ"
العودة الى الصفحة الرئيسية