((لولا الحسين وثورته لما حقّ لمسلم ان يثور على طغاته !))
حميد الشاكر
alshakerr@yahoo.com
لو تأملنابما ارساه سيد شباب اهل الجنة وإمام احرارالعالم ومتقوه الحسين بن علي ابن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من دعائم لثورة ضد الطغاة والدكتاتوريين والفسّاق من الحكام والظلمة المسلمين لاكتشفنا حقيقة لالبس فيها هي : ان ثورة الامام الحسين عليه السلام ، هي اوّل مَن شرّع ( عمليا ) في المشروع الاسلامي ، وجوب الخروج على طاعة الحاكم الطاغي والفاسد الظالم في الاطروحة الاسلامية عمليا وتطبيقيا والاطاحة به وبحكمه الفاسد والمنحرف عن العدالة الاسلامية لتجسيد معنى الثورة الداخلية في الاسلام وشرعيتها التي لاتحتاج بعد مهر الحسين لفاعليتها الى اي مصدر اخر في الاسلام !!.
ونعم قبل ثورة الامام الحسين عليه السلام على طغاة حكم بني امية في عصره كانت تعامل كلّ ثورة اوانتفاضة اوتمرد شعبي او جماهيري اسلامي على الحكم القائم وطاعته على اساس اللاشرعية الدينية والاسلامية حتى وان كان الحاكم طاغيةً وفاسدا ومنحرفا عن الاسلام كيزيد ابن معاوية ، وفي عصر مابعد الرسول محمد ص تَعامل حكام المسلمين مع مطالبات الثوار حتى وان كانت عادلة ومنصفة على اساس انها ارتداد على الاسلام وامتناع عن طاعة الحاكم بأمر الله سبحانه وفي افضل الاحوال بعد ذالك أُطلق على كل من يتمرد على الحاكم في الاسلام حقا اوباطلا أسم (الخوارج) عن الاسلام باعتبار ان هناك فئة طامعة بالسلطةارادت اتخاذ الدين ذريعة للحكم والوصول الى السلطة ارتأت ان ترفع شعارات حكومة الله امام الحاكم المسلم لاخراجه من ملة الاسلام قبل الانقضاض عليه وعلى سلطته ، لكنّ ماهي الا ان توافق المسلمون وأئمتهم على ان حركة (ان الحكم الا لله) ماهي الا حركة خارجة على الاسلام وجاهلة بشرعه ومسيئة لدينه وهكذا اصبح كل خارج على الحاكم تحت شعار (الحكم الالهي ) يطلق عليه اسلاميا اسم الخارجي وان نهضته لاشرعية ولادينية ولااسلامية من جهة واصبح كل حاكم طاغية يريد ان يبيدالمطالبين بالعدالة والمساواة والحرية من شعبه في داخل الاسلام ماعليه الا ان يصفهم بالخوارج في التاريخ الاسلامي ليحلّ ابادتهم بدون وخز ضمير او قانون يحاسبه ويقيد من شهوة الانتقام بداخله !!. أما ما اختطه الامام الحسين عليه السلام من ثورة على الحاكم الطاغي والفاسد والظالم فهو مشروع مختلف تماما ونابع من عمق المشروعية الاسلامية التي كان يمثلها سيد شباب اهل الجنة على هذه الارض ، بالاضافة طبعا الى ان الثورة التي قادها الامام الحسين عليه السلام استمدت شرعيتها من الحسين عليه السلام نفسه ، كأمام وصاحب الشريعة الاسلامية وممثل لكل حيثياتها المحمدية السامية ، ولم يكن الحسين ع يستمد شرعيته الثورية من نفس الثورة ومبادئها لتكون هي من تسبغ عليه الشرعية كما حصل للخوارج مثلا عندما ارادوا ان يكون شعار ( ان الحكم الا لله ) مصدر شرعية نهضتهم ، لا بل ان الثورة التي قدح زنادها الامام الحسين ضد طغاة عصره كانت هي مَن تنقلب فيها المعادلة ليكون الحسين مصدر شرعيتها الاسلامية وطريقها وبوابتها التي بالحسين وحده تفتح ، كمشرّع يتمكن من اعطاء الاسلام معناه وحركة بوصلته وكيف ينبغي ان يفهم ويطبق داخليا مع الحكام الظلمة والفاسدين من المسلمين !!.
وبهذا اصبح للثورة الحسينية هذه الاهمية الاسلامية والشرعية داخل العالم الاسلامي وفي رحاب المسلمين اينماوجدوا وكيفما كانوا والا بغير الحسين ومداميك ثورته الاسلامية والشرعية ، وبغض النظر عن الانسانية والكونية يمكننا تصور كيف يكون حال العالم الاسلامي وبوصلةعقيدته الفكرية اذا لم تكن المعادلة الحسينية حاضرة في المشهدالاسلامي بالنسبةلعبث الفاسدين من حكام المسلمين بلا رادع ولا رقيب من قبل الامة والأئمة ، ونعم كانت هناك ثورات قبل ثورة الامام الحسين ع وكان هناك تمردات وعصيانات جماهيري كالذي حصل بالعصيان الجماهيري بعدوفات الرسول والذي سرعان ما اطلق عليه صفة الارتداد عن الاسلام لشنّ حرب سياسية لتفتيت الاحتقان الداخلي في الخلافة بعد حادثة السقيفة التي صنعت الانقلاب على الامامة في الاسلام مع ان القارئ للتاريخ بوعي سيكتشف ان ليس هناك اي عملية ارتداد على الاسلام ، وفكره بالحقيقة وانما كل ما كان هو مجرد لبس فكري وقع فيه بعض المسلمين خارج مدينة الرسول بعد وفات محمد العظيم ص ، كانت معالجته ممكنة فكريا لاصلاح ما اشكل على المسلمين انذاك ولكن ولمصالح سياسية بحتة ارتأت حكومة المسلمين بقيادة الخليفة ابو بكر ان تصدر الازمة الداخلية على الخلافة للخارج فكانت مايسمى بحروب الردّة ، وكانت هذه اول تعامل بعد الرسول مع عصيان جماهيري داخل الاسلام كان يحاول ان يفهم الاسلام بصورة حقيقية فقمع بقوة السلطة تحت مسمى الارتداد !!.
وهكذا استمر الحكم في الاسلام يتعامل بفوقية مع جماهير المسلمين والشعب الاسلامي الفاقد عمليالرؤية التعامل مابين الحاكم والمحكوم ، وحتى بعد ان انفجر المجتمع الاسلامي من ضغوطات الظلم والفساد والانحراف عن جادة العدالة في عهد الخليفة الضعيف عثمان بن عفان وقادت الجماهير انتفاضتها المسلحة وثورتها الكبيرة ضد قصر الطاغية الحاكم باسم الاسلام وقتلته في بيته لم يكتب لتلك الثورة المباركة اي شرعية اسلامية ولاحتى انسانية اخلاقية ، بل وصمت هذه الثورة والهبة الاسلامية الجماهيرية المباركة المطالبة بالعدالة بانها مجرد تمرد واغتيال لخليفة صالح لاغير !!.
وبهذا فقد تحركين جماهيريين اسلاميين ، اي غطاء شرعي لهما في تثبيت رؤية معينة في التعامل بين الجمهور والشعب من جهة والحكم وطغيانه وانحرافه من جانب اخر !!.
بعد ذالك جاءت حركة الخوارج ، وما ذكرناه لها من شعارات وآليات للانتفاض على الحاكم والحكم القائم ، ولكنّ بدلا من ان تضيف حركة الخوارج اي رصيد لحكم الشعب الاسلامي ومطالبه العادلة ضد الحكم الظالم القائم ، وجدنا كيف ان هذه الحركة من الانحراف بحيث انها عزلت تماما من قبل الجمهور الاسلامي والحكم الاسلامي على السواء لتموت هذه الحركة لانحرافها ولتفقد اي شرعية اسلامية لحركتها حتى وان رفعت شعار ( ان الحكم الا لله ) ككلمة حق يراد بها باطل !!.
ثم وبعد ان ثبتت دولة الظلم الاموية اركانها في التاريخ الاسلامي وحاولت جاهدة اللعب بالاحكام الاسلامية وتزييف تقريبا كل الشرع المحمدي وسنته الطاهرة صلى الله عليه واله وسلم ، انتدب الامام الحسين بثورة مختلفة تماما لكل ماتقدم وتأخر من هذه الثورة الحسينية ، وليؤسس بشكل عملي وشرعي واسلامي لتصور يشرح للمجتمع الاسلامي ماهية العلاقة وحدودها بين الحاكم والمحكوم في الاسلام !!.
صحيح بعد الحسين ثارالكثير من الثوار المسلمين على الحكم والحاكم الفاسد والظالم القائم كثورة ابن الزبير في مكة بعد 61 للهجرة ولكنها ثورة لم تحمل اي مبادئ تذكر غير انتهاز الفرصة للوصول الى الحكم والسلطة انذاك ، وعلى هذا سرعان ما اندثرت هذه الثورة بعد قمعها من قبل حكم ال مروان الاموي ايضا لتموت فعليا من الوجود ومن التاريخ ومن الحاضرلانها لم تكن تحمل اي هدف اسلامي سامي اومبدأ انساني ذا قيمة بامكانه ان يصب في خدمة المسلمين والاسلام ، او يفتح لهم نافذة التحرر من الطغيان باسم الاسلام نفسه ، فضلا عن ان ابن الزبير لاتملك شخصيته اي صفة اسلامية مقدسة تقدمها كقدوة له حرارة الاتصال برسول الاسلام ورسالته !!.
وهذا بعكس الشخصية الحسينية ومعرفة اخلاصها للرسالة الاسلامية من قبل جميع المسلمين ، مضافا لادراك العالم الاسلامي كله للمنزلة الحسينية التي قررها رسول الاسلام العظيم محمد ص للحسين بن علي عندما شهد للحسين ع بالطهارة والامامة وسيادة الجنة ....الخ وغير ذالك الكثير الذي يرشّح من الحسين وحده في العالم الاسلامي ، بعد محمد الرسول وعلي بن ابي طالب الامام ان يكون الحسين هوصاحب الشريعة الاسلامية ، وحامي حماها بعد الرسول وعلي والحسن عليهم السلام جميعا وهوالقادرعلى التشريع بداخلها ، لثورة تصنع الحق للشعب الاسلامي على حاكمه وان ينتفض على حاكمه عندما ينحرف هذا الحاكم عن الاسلام وعدله وصيانته للكرامة الانسانية بداخله !!.
إن مايميزالثورة الحسينية تاريخياوحتى اليوم انها جاءت في التاريخ في مرحلة كان الحكم القائم فيها(حكم بني امية) يمارس عملية هدم ومسح منظمة للشريعة المحمدية الاسلامية ، حتى انه يمكننا القول ، ان حكم الامويين الذي كان قائما في التاريخ استطاع ان يلغي ويمسح ويدمر مايقارب التسعين بالمئة من شريعة الاسلام وسنة محمد رسول الاسلام ، بحيث ان المشروع الاموي نجح بالفعل ان يلغي ظاهريا ، ولعموم المسلمين جوهر الرسالة الاسلامية من امام المسلمين ، وذاكرتهم ، وعقيدتهم وشريعتهم ايضا ، ويستبدلها من خلال الخداع والتزوير والارهاب والبطش ، والدكتاتورية بدين شيطاني سياسي ما انزل الله به سبحانه من سلطان ، وعلى اثر ذالك وداخل ظروفه لم يكن من الحسين بن علي ع الا ان يقاوم ويثور وينتفض بوجه هذا التدمير الكامل والمنظم والمدروس ، لرسالة محمد الرسول قبل ان يتم الحكم الاموي مشروعه بارجاع الجاهلية العربية ولكن تحت مسمى الاسلام !!.وللمسلم ان يتصور لو لم يكن الحسين بن علي ثائرا ، وفاضحا وموقفا لهذا الهدم الاموي للرسالة الاسلامية فهل كان سيبقى من الاسلام شيئ ، لولا وثبت وثورة الامام الحسين ع ، وهومن هو سيد شباب اهل الجنة الالهية بوجه هذا المشروع الاموي الجاهلي الكبير ؟.
طبعا لهذا اليوم نحن المسلمون ، وبصورة عامة نعاني من بقايا المشروع الاموي الجاهلي الذي زرع جاهلية باسم الاسلام لم يكد معظم المسلمين يدركون حتى اليوم : هل ان مابين ايديهم هو الاسلام حقا ؟.
ام انه ليس اسلاما ولاشريعة رسالية الاهية ؟.
بل ان كل اعتقاد المسلمين بعقيدة كعقيدة طاعة ولي الامر الحاكم فاسدا كان او ظالما (مثلا) مع الاسف ولهذه اللحظة يعتقد الكثير من المسلمين انها من صميم الاسلام وجوهره ، ومثل هذه العقائد هي ، التي دفعت بالحسين لصناعة ثورته الرسالية الاسلامية على الاسلام الاموي للاعلان لجميع المسلمين ان هذا ليس هو الاسلام المحمدي صلى الله عليه واله وسلم وان هذا دين الشياطين من ال امية الذين استطاعوا تزييف كل فكر الاسلام وتصوراته واحكامه ومن هنا كانت ثورة الحسين بن علي الرسالية الاسلامية محاولة لحظية تاريخية قاطعة للاطاحة بكل هذا المشروع الاموي الشيطاني الخبيث الذي حاول جادا قتل الاسلام من الداخل وعلى ايدي المسلمين انفسهم ، وهذه هي كانت الوجهة التاريخية لثورة الامام الحسين الواقعية !!.اما الوجهة الحضارية المتجددة والانسانية المعاصرة لهذه الثورة الحسينية ،فهي وجهة ثورة الجماهير على طغاتها وكيف ان الحسين بن علي ع هو من فتح هذا الباب من الجهاد الاسلامي العظيم والمثمر الذي جعل من طلب العدالة والحرية والمساواة عناوين اسلامية ينتزعها الشعب الاسلامي من حكامه كحقوق اوجبها الله سبحانه لخلقه من المسلمين ، وفرضها على ائمتهم من الحكام والسلاطين !!.
وبهذا فرض الحسين عليه السلام معادلةالاسلام الثورية الداخلية الكبيرةبين الحاكم والمحكوم عندماربط شرعية الحكم بالعدالة وشرعية الثورة بطلبها مع المساواة والحرية باعتباران هذه المفاهيم لو لم تكن مرتبطة بالحسين لما كانت لها اي قيمة تذكر دينيا وشرعيا واخلاقيا واسلاميا في فكر الاسلام المتبقى بلا حسين ،وللقارئ ان يتصور كيف انه ومع شرعية الحسين للثورة والعدالة والحرية ومع ذالك استطاع التراث الاموي ان يخدع الاجتماع الاسلامي بطاغوتية عبادة الحاكم وفساده من دون الله سبحانه ، فكيف لو لم يكن لدينا نحن المسلمون شرعية الحسين وثورته الاسلامية المباركة ضد الطغاة من الحكام القتلة فهل كان ليجرئ اي احد من العالمين في الاسلام ليقول للطاغية ياظالم او يثور عليه او ان يذكره بسوء ، وهو يتمترس باسم الله وخلافته ووجوب طاعته لحكم رقاب العبيد من المسلمين ؟.
أم ان كل كلمة ستقال ضد طاغية مستبد دكتاتور مسلم سيتعامل معها على اساس انها ردّة على الاسلام ، وخروج عن الملة والدين وكفر برب العالمين والاسلام والرسول ورسالته ؟.
لولا الحسين وثورته لتحول الاسلام والمسلمين لعبيد تسوقهم الطغاة كيفما رات باسم الشرعية الاسلامية وطاعة الحاكمين !.
العودة الى الصفحة الرئيسية