أبو عهد الشطري :السومريون يتساقطون تباعا ..أبو ريام وعبد الأمير حنيش أنموذجا



عدنان طعمة الشطري

Adnan.tumma@yahoo.com
 

أدركت منذ أن أدركت شهرزادي السومرية يقظة الوعي والتبصر نحو الآخر وملامح المشهد المجتمعي وخفايا الأمور وظواهرها , أن في مدينتي الشطرية الصغيرة ثمة أسماء وأسماء لم ولن تتكرر وكأنها ولدت وعشبة كلكامش من رحم سومري واحد .. أسماء جنوبية هم أعضاء في جماعة شطرية فوق العادة , قادرة أن تبوح بأوجاع المدن جهارا نهارا , وتؤمن إن لها يوميات أوجاع معلنة على مشاجب وطن الحرمس والبراغيث , وان لها تاريخ في العزلة والارتداد نحو الذات والانزواء في حلقات دوامة التفكير المفرغة, استشعارا بالنكوص وفقدان الذخيرة الحية لمواجهة المليشيات البوليسية للنظام البائد, أو إطلاق ساقهم للريح من مقاصل الأعراف والتقاليد والعادات الاجتماعية ,والاستغراق أحيانا في الخمرة حتى يدب دبيبها هربا من الحياة , أو نصب خيمة للبكاء وأخرى لتراجيديا العزاء على رموز ونصب وتماثيل وطن شطري صغير قذفتها سلاطين البعث وعصابات الفاشست إلى مأوى النفايات ومزبلة الزوال كتمثال "مشعل الحرية " الذي قلعته جنازير الفاشست إيذانا لعصر يغرق في الظلام , الظلام الشطري العتيد .
ولان السيد الوديع كاظم جبار أو "أبو عهد الشطري" يختزل كل أوجاع والآم هذه المدينة التي ولدت وهي مبدعة , واتفق ومنظومة الثنائيات المتمردة على واقع يشبه الحلم أحيانا أو الموت طورا ,القي بضالتي عليه , شاكيا وباكيا ,نادبا وساخطا , صارخا ومتهسترا ,مهموما ومكلوما و"مدموعا " ومحروقا ومسعورا لللاسى والاحزان التي صبت علي مصائبا لو إنها صبت على الأيام صرن لياليا حسب البيت الشعري المشهور للسيدة الزهراء " عليها السلام "... ولان "الشطري ابوعهد " , ينتج من سمرته الجنوبية حكاياتنا الشطرية وحكايات نهر البدعة وأسماكه التي كانت تداعب الهواء والماء في حركتها المائية المثيرة , ويعكس الوجه الآخر " لبحة داخل حسن " وألوان صوت " حضيري أبو عزيز " الغنائية وذكريات خيط الطيارة ومكتبة الشطرة القديمة واجتماع الأهالي على مرقد " الإمام العباس " في منطقة الحاوي القديم في أوقات الأعياد والمناسبات الدينية .. ولان سمرة "أبو عهد الشطري " هي خارطة الجنوب المفجوع بكوارث الطغاة والدكتاتوريات والساسة الذين ماانفكوا يقبضون على روحه الهاربة إلى الله ويذوقوها بؤسا وفقرا وعذابا .. ولأنه عقلية لعلمانية معتدلة ,وذهنية تعكس الأخلاقيات السامية ,وطريق مضاد ومناوىء لجميع أشكال القيل والقال والترهات والشعوذات وووووووو .

يا أبو عهد الشطري ، نزولا إلى الفجيعة , وهبوطا إلى عالم سومر السفلي , وإيذانا لإقلاع الدهر جميع حسناته بلحظة يتقد فيها زيت الفناء , أعلن "حسين هاشم " نهاية هذه الحياة التعيسة والانتقال إلى دار الوحشة فغادر الذي يسمونه "وطنا" وهو يحمل سر المدينة الأعظم , سرها السومري الذي دفن و " مشعل الحرية " , هذا التمثال الشطري الذي قررت عجلات أزلام الزيتوني وطواغيته الصغار قلعه ثم حمله وقذفه مع جثث موتى الحيوانات على تخوم المدينة .. أعلن أن يهجر قبيلته الرمادية إلى منفى العزاء الأخروي , ليلتقي ابنته وصغيرته وفلذة كبده وقلبه ,التي هجرت عالمنا , عالم " الأنا " المفرطة ,إلى شواطئ البراءة في ملكوت الرب .

ابنته التي أعلنت من على سريرها في مستشفى الشطرة عن فشل العلاقة مع " عراق ممزق " و " عراق مصطنع " و " عراق تافه " وخانع لأسياده القدماء من " مافيا الزيتوني " و" مافيا الطراطير " من حكومة القردة البعثية وجرذان المجتمع الانتهازية , وخانع لأسياده الجدد وثقافة عمامتهم الريزخونية وسقوطهم الأخلاقي في إنشاء إمبراطوريات للموتى ومملكة للفساد المالي والإداري ,فكانت شاهد أدانه على عصريين مستبدين أكمل الواحد الآخر بطبقاته السياسية الفاسدة ونزوعه المافيوي في الهيمنة والسيطرة والاستحواذ , فلا فرق بين سلطوي بعثي وعمامة ريزخونية , فكلاهما وجهان رديئان وقبيحان وساقطان لعملة فاسدة واحدة .

ذهبت ابنته " ريام " إلى فضاء الآخرة وهي تذرف دمعة الله اليتيمة ودمعة وداع أخيرة بعيون توارات في محاجرها ووجه أهلكه مرض " عراقي " محض .. تناجي وتناشد وتعاتب أبيها " أبو ريام " وراعي حياتها وسادن حضرتها الطفولية من على سريرها وفراشها الأبيض في مستشفى مدينة الشطرة وتقول له : لماذا تركتني اذوي في قلب العاصفة , وقلب الموت دون أن تدنو مني قوارب النجاة ؟ ؟ وكيف سأعيش في عالم ملكوتي خال من ضحكة " أبو ريام " وصوت " أبو ريام " والليل الذي اقضيه بين جوانحه الدافئة وأنا أسيرة حنانه وأبوته ولطافته , فكل شي بأبي وسادن خيمتي البريئة هو جميل ويشع بريق وبهاء , وحتى استغراقك في نشوة خمرية كان يعكس ألوان بهيجة من الحنان والرأفة والرقة الأبوية الأصيلة .
ترى ماذا نقول " يا أبو عهد الشطري " وقافلة أطفالنا وفلذات قلوبنا من شهداء الحصار والدكتاتورية واليورانيوم المنضب لصواريخ الموت الأمريكية ويورانيوم العمائم الريزخونية الوعظية والنبرية وتجار الحروب والأزمات , ماانفكت تترى ومستمرة ؟؟

" حسين هاشم " الذي ينظر إلى الكنائس والأديرة والكاتدرائيات والجوامع والحسينيات على إنها نسق متساو في مناخ العبادة والرهبنة ,والى النساء الصالحات والطالحات الشاذات وربات البيوت والراهبات والمراهقات المستوفزات في خدورهن , على إنهن لون من ألوان الطبيعة المتناقضة والحياة المتضادة ,والى إن العالم يحترق بعود ثقاب أنثى في كؤوس اللذة الخمرية المتمردة , أقول حسين هاشم هذا كان يتطلع إلى تمثال " مشعل الحرية " الذي كان يواجه الجسر الذي أطلق عليه عامة الناس " جسر الحاج خيون " , بأنه شعلة الحرية وشعلة الديمقراطية المرتقبة وشعلة موت آخر الدكتاتوريات عتوا في التاريخ سيما وان هذا التمثال لم يصمد إزاء مؤامرات الدوائر السلطوية الخبيثة والمنحطة للاستعمار الداخلي فوجهوا إليه المكائن الجرافة وشفلات البلدية واقتلعوه من جذره وحملوه بعيدا بعيدا عن وجوده الرمزي .

انحبست رؤيا " ابو ريام " وضاق بصره وبصيرته , بل أن الأفق الشطري قد ضاق به بما رحب واتسع , لهذا المشهد الكارثي في اقتلاع تمثال " مشعل الحرية " ورميه على تخوم مدينة الشطرة , فاستأجر سيارة " فولكا " قديمة ومنهكة للقاء الشهيد تمثال " مشعل الحرية " وقتيل نظرات التطلع للديمقراطية الحقة والتغيير المرجو , وأمر سائق السيارة أن يتوقف في فضاء مفتوح ومكان خال إلا من التمثال الشهيد , فنزل " أبو ريام " منكبا على التمثال الضحية ،جاهشا بالبكاء المر ونائحا قمطريرا يلطم الوجه والخدين والصدر , وسط دهشة سائق سيارة الأجرة الذي لا تدرك ثقافته البسيطة أن هذا النصب يمثل ضمير هذا الشعب المنكوب سيما وان هذا المشهد الذي لا يدركه إلا أصحاب النفوس السامية والأفق الواسع والسريرة الإنسانية التي تمور في أفلاك النقاء والصفاء .

تمثال " مشعل الحرية " وشهادته الحزينة بجنازير بلدية الشطرة وبقرار من إقطاعيي الحكومة المافوية المستبدة , قد غدت ل " حسين هاشم " الهاجس المدمر الذي لا يغادر تفكيره وكسر عبثيته العلمانية وفوضويته في مجال الممكن الوجودي , واحتضانه لجثة النصب الشهيدة ليلا وتحت سماء صافية وبشهادة الكتل الظلامية التي يضج بها الأفق , وعلى ضياء أشعة مصابيح سيارة " الفولكا " القديمة ,سجل فيها اثر إنسانيا شكل حلقة من حلقات الاحتجاج على الآخر المستبد والآخر الطاغية حتى لو اندرجت ضمن تسلسل قائمة حسين هاشم العبثية .. إنها "العبثية الوطنية" التي لا ترقى لها أي سلوكية بشرية من سلوكيات المنطق والعقلانية التي ترضخ لأوامر العتاة من الطغاة .
استعدت بذاكرتي هذا الحدث الدرامي المثير على الصعيد الإنساني ودونت تفاصيل احتضان " حسين هاشم " لنصب " مشعل الحرية " الشهيد , في عمود صحفي مستقل في صحيفة " الحدث " العراقية , أولى الصحف البغدادية التي صدرت عقب سقوط النظام البائد والتي كنت اعمل فيها سكرتير تحرير , فزارني بعد يومين الابن البكر لقائمقام مدينة الشطرة في الخمسينات من القرن الماضي وهو يروي تفاصيل إنشاء هذا النصب الوطني الاستذكاري ورمزيته الوطنية سيما وانه زودني بمقال يسلط الأضواء عن ذلك ويتطلع الى زيارة ثلاثية برفقتي وحسين هاشم إلى النصب الشهيد وإعلان حالة الحداد الرمزية عليه .

وفي ظل هذه الظروف التي تفاعلنا فيها لإحياء ذكرى استشهاد تمثال " مشعل الحرية " وإعادة الحياة إليه من جديد بدعم من معلمي القدير الأستاذ شهاب التميمي شهيد الصحافة العراقية , اجتمع الفاشلون والمتهتكون وشذاذ الآفاق وسقط المتاع كذباب المراحيض القذرة على طاولة الغدر والخسة ليخططوا بكيفية النيل من " عدنان طعمة " كاتب هذه السطور وثلم سمعته والحط من شخصيته وقدره فتبادلوا ادوار الشياطين لتهييج الرأي العام الشطري ضدي وفبركة الدعايات والأقاويل والأراجيف والأكاذيب ونجحوا نسبيا أن يزرعوها بخبث في العقول التي تناغمت مع عقولهم المريضة , بل نجحوا أن يجندوا جرذ من جرذان العشيرة التي انتمي إليها والذي اخذ على عاتقه حمل هذا الأكاذيب الكريهة والترويج إليها بين أبناء عمومتي والسعي إلى الطعن الحقير بسمعتي الشخصية .

بل إن هذا الجرذ البشري الضال من عشيرة " آل منجل " ,المشوه , الشاذ ,المحتال , الخبيث ,المقنع , التافه , قد تحول إلى مبولة لهذه الأراجيف , فتركت لهذا الفاجر والانتهازي العشير وملحقاتها , لان " عدنان طعمة " قد فتح حسابه الإنساني في مصرف الحقيقة والبوح الحر والتاريخ والجمهور الواعي الشريف الذي أدمن على محبته .

أقول يا أبو عهد الشطري , يا كاظم جبار الذي اختزل كل تاريخ هذه المدينة السمراء , أو قل الملحاء بفعل الطبيعة القاسية والبيئة المهملة ,ما أن سقط سومري مثل " ابو ريام " في العالم الأخروي , حتى تبعه سومري آخر من عشيرة " السماح " المعروفة وهجرة أستاذ اللغة العربية عبد الأمير محمد حنيش الى العالم السفلي وصولا إلى " سماء ثامنة " وبعيدا عن وطن مصنوع من الفقراء والازبال وتجار الموت والمافيات والشركات المخابراتية لدول الإقليم العراقي .

في آخر لقاء جمعني بأستاذ عبد الأمير قرأ على مسامعي نص شعري شعبي يطلق عليه " أبو ذية " اختزلت مفرداته المركزة , كيف تعبث دول الجوار التي تنشر عصاباتها المخابراتية ومليشياتها في خصر هذا الوطن – المنفى وإنتاج سلالات وراثية متخلفة من العناصر المليشياوية .
عمود عشيرة " آل سماح " في ثقافته الواعية وحافظته الشعرية الرهيبة سبق وان أدمن على الجلوس المتواصل في مقر صحيفة " الجنوب " الصغير التي شغفته فمدحها وأشاد بخطابها الإعلامي المستقل والمحايد والجريء , حد البقاء معنا إلى ساعات متأخرة من الليل , يصحح هذه الصفحة , ويدقق الصفحات الأخرى ويزودنا بموضوعات مستلهمة من تراث الجنوب وتاريخية إبداعها , وكانت آخر ثمرات إنتاجه هو نشر حوار مع احد المبدعيين الشطريين على صدر صفحة " أدب شعبي " .

هذا الشطري المتسامح مع ذاته ومع الآخر امن بورعه وارتكاز شخصيته بان الدين نصيحة , فاسدي لي نصيحة كررها عدة مرات على مسامعي أن لا التفت حتى باختلاس نظرة للحاقدين وأعداء النجاح أو اعبىء بتقافز القرود القذرة المحسوبة ظلما على وسط شريف وراق مثل الوسط الثقافي في مدينة الشطرة .. وأباح لي سرا إن متشاعرا من حظيرة القرود قد تبعه ونادى عليه وراح يسدي له النصيحة بان لا يعمل في صحيفة " الجنوب " لأنهم خارجين عن ملته الغبية .

إن بيت القصيد والمعنى المختزل في هذا المقال إن السومريون النشطاء في دوامة النقاء الإنساني وأصحاب الخلق السومري الرفيع يتساقطون تباعا إزاء سلطة الأشرار والأغبياء والمدعين والفجرة والقوادين والانتهازيين والسفلة الذين تظهر على شاكلتهم ونجاساتهم في كل زمان ومكان .
واعدك صديقي كاظم جبار , أبو عهد الشطري والشاطر في إدارة دفة الحياة نحو اتجاهات الحكمة والألم والنجاح ورغيف الخبز وأخطاء السادة المسؤولين والعشاق التائهين وجلساء مقاهي الشطرة ولفائف تبغ السكائر وإيقاظ الآخر الاجتماعي بالصدمة والحث على المراجعة والاستلذاذ برؤيا وطن آخر , غير وطن الذباب ووطن الحرمس ووطن القمل ووطن البراغيث .. وطن فساد الأحزاب الاسلاموية , أو وطن قندهار دولة الرفيق كامل الزيدي , وطن مدن الصفيح وإحياء التنك , وطن اليتامى والأرامل والأطفال المشردين , وطن الأوبئة والأمراض السرطانية , وطن ميليشيا السلطة ومافيا الفساد , وطن " الكريهون كالخصيان " ووطن أغبياء التاريخ.. أقول أعدك يا أبو عهد الشطري , أن أظل وفيا لموتى سومر , ولشهداء سومر , وأحياء سومر .

أحياء سومر أو بقية الرب الصالحة أمثال : حسين الهلالي , لطيف شريف السماك , طالب خيون , خليل المياح , حيدر عبد الله النداف , جميل حسين الركابي , ضياء الساعدي , زيدون الشطري , أمير ناصر , عدنان ذياب , علي هاشم , احمد شاكر واوية , ياس الشمخاوي , عدنان عبد الزهرة النجار , أبو فراس العوادي , تحسين الركابي والقائمة تطول وتطول من شرفاء الأرض وملحه وحليب هذا الأديم الشطري .. أعدك بالوفاء لسومر .. سومر لا غيرها .

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com