|
تشعر الشعوب العربية في ظل الأنظمة السياسية الحالية بحالة من الهزيمة بكافة أنواعها، العسكرية والاقتصادية والعلمية والثقافية والنفسية، وجميع تلك الهزائم سببها الدكتاتورية والتسلط والاستبداد والتفرد بالحكم، فالحكام العرب يشعرون أنهم ليسوا جزءً من الشعب وبالمقابل فإن الشعب يراهم ليسوا جزءً منه، وإنهم طارئين على هذه الكراسي وليسوا أصحاب حق، لأن جميع الأنظمة العربية وصلت إلى سدة الحكم بطريق غير شرعي ومن دون رغبة شعوبها. فالبعض من هذه الأنظمة استولى على الحكم عن طريق الانقلابات والبعض الآخر عن طريق التوريث بعد انحسار النفوذ العسكري للدول الغربية في المنطقة العربية، الذي أنتج حكومات ترعى مصالحها الشخصية ومصالح الدول التي تساعدها بالتسلط على شعوبها تحت مسميات مختلفة، كالشيخ والملك والأمير والقائد والزعيم......الخ. يرى المرجع الديني الراحل الإمام السيد محمد الشيرازي (رحمه الله) في كتابه "لنبدأ من جديد" (إن الذي يعيش في دولة مستبدة يقودها الظلم إلى جحيم الحروب الدامية ـ داخلية وخارجية ـ ويخنق الحريات ويعدم الأقلام والضمائر الحرّة ويسجن كل من لا يريد التصفيق له والهتاف باسمه.. هذا بحاجة إلى تغيير جذري.. فطرح الشعارات التغيرية.. أو دعوات العودة إلى الأصل هي من هذا الباب.. ولا تأتي إلا إذا بلغت الأمور حدَّ الانهيار أو الانفجار.. ولا يأتي التغيير عادة إلاّ من بيوت المظلومين والمضطهدين أو من بين العلماء والعاملين في سبيل الإصلاح والصلاح..). الشعوب العربية تشعر إن حكامها هم مجرد عمال لدى الدوائر الغربية، مهمتهم رعاية مصالح تلك الدول مقابل دعم الأخيرة لهم في البقاء على سدة الحكم أطول مدة ممكنة، مع عدم التفات هؤلاء الحكام لمصالح شعوبهم وما يحيط بتلك الشعوب من آفات متعددة كالفقر، التخلف، تفشي الأمية، انتهاك حقوق الإنسان واضطهاد الأقليات الدينية أو العرقية وغيرها، إضافة إلى ذلك لم تشهد تلك الشعوب أي نصر حققته أنظمتها السياسية لا على المستوى العسكري ولا حتى المستويات الأخر، وأكبر نصر يمكن أن تتفاخر به تلك الشعوب قد يكون نصراً كروياً على مستوى بطولة قارة!! علاوة على ذلك عدم الشعور بالكرامة من قبل المواطن العربي أمام رجال السلطة وأذرعها الأمنية، بينما تنظر الشعوب وعلى مقربة منها إن المواطن الإسرائيلي يحاسب أكبر مسئول في دولة إسرائيل على ابسط المخالفات للقانون، رغم استهتار قادة إسرائيل وعدم احترامهم للقوانين الدولية وحقوق الإنسان في تعاملهم مع الفلسطينيين والعرب. هكذا يؤثر شكل وطبيعة الحكم على مشاعر الشعوب، فهي أي (الشعوب العربية) لا ينقصها سوى وجود أنظمة سياسية تؤمن بالديمقراطية والتعددية كي تسير بركب الدول المتقدمة، لأن أساس التقدم الحاصل في الدول هو نتيجة الإيمان بالديمقراطية واحترام الحقوق والحريات السياسية والمدنية وتمتع الأشخاص بأعلى قدر من الحرية والكرامة في بلدانهم، فالاستعمار الغربي أدرك جيداً إن أفضل حل يبقي على حالة التخلف في البلدان العربية والإسلامية بعد نهاية وجوده العسكري، هو تسليط أنظمة دكتاتورية مرتبطة بها وتعيش حالة العزلة عن شعوبها. لا شك إن حالة من الترقب الكبير تحصل اليوم لدى جميع الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة وفي مقدمتها الدول العربية، وهي تستشعر بشكل كبير حالة الغليان والفوران الشعبي الناتجة من سوء إدارة بلدانها وشعورها بالإحباط الكبير والهزيمة النفسية بسبب حكامها، الأمر الذي يجعل بعض الأنظمة تسرع بإعلان تلبية مطالب شعوبها قبل محاصرتها، فبعض الزعماء العرب لا يحبذ النهايات المأساوية كالتي تعرض لها صدام حينما اسقطته دول التحالف بعد أن أدركت جيداً إن شعبه قد تخلى عنه ويتمنى رحيله بأسرع وقت وبأي ثمن، حتى لو كان ذلك الثمن هو الاحتلال الأجنبي لأرضه، أو كنهاية بن علي وهو مطارد من قبل شعبه الذي يطالب بإحضاره ومحاكمته. وقد يحدث التفجر الشعبي في أي وقت من الأوقات حتى على الحكومات التي تصل إلى سدة الحكم عن طريق الانتخابات والتداول السلمي للسلطة كما هو الحال في العراق في حال بقاء تردي الوضع الخدمي والفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة دون أن تتخذ الحكومة الإجراءات المطلوبة والكافية للنهوض بالخدمات وتقديم المفسدين إلى العدالة، فخدمة الكهرباء المتردية-على سبيل المثال- أحدثت ثورة في بعض المحافظات الجنوبية ناتجة عن غضب جماهيري تمت مواجهته بالقمع من قبل الأجهزة الأمنية، وهذه المسألة أي –استخدام العنف ضد المتظاهرين وعدم الإصغاء والاستجابة لمطالبهم- قد تولد حالة كبيرة من السخط الشعبي، إذا لم تظهر نتائجه في الصيف القادم مع بقاء مشكلة تردي التيار الكهربائي والبطالة بين صفوف الشباب فقد تظهر في الانتخابات القادمة عن طريق صناديق الانتخابات، علماً إن رئيس الوزراء وعد قبيل توليه الحكومة للمرة الثانية بأنه سوف يكون منجز الكهرباء أول المنجزات لحكومته. الشعوب العربية أصبحت اليوم تبحث عن الدولة المدنية التي تحفظ الحقوق لمواطنيها، وقد سئمت من حكم العسكر وتوليه على السلطة، فالإمام الشيرازي وقبل أكثر من عقدين من الزمن أشار إلى مسألة مهمة وهي خطورة تولي العسكر على السلطة والحكم، وبحسب رأيه فإن حكم العسكر هو الخطر الكبير الذي يؤدي إلى هدم كيان الدولة وزعزعت الاستقرار فيها وإنشاء دكتاتوريات مدمرة، كما صنع هتلر وستالين وصدام وغيرهم، فيجب أن يكون الجيش إلى جانب الوطن والشعب وليس أداة للقمع بيد السلطة الحاكمة. فالأمم والشعوب ومهما تركت حكامها لفترة من الزمن بدون حساب لا بد لها من أن تحاسب هؤلاء الحكام وتتعقبهم مهما طال أمد حكمهم ومهما تكن الجهات الداعمة لهم، ومع تزايد الوعي الشعبي في البلدان العربية وإيمان هذه الشعوب بالحرية والديمقراطية والتطلع للعيش في دولة مدنية يتم تداول السلطة فيها بطريقة سلمية تحفظ لها كافة حقوقها وتصون كرامتها. إذن لابد للشعوب أن تضغط على الأنظمة الحاكمة لاتخاذ ما يأتي:- 1- سن دساتير واضح تتضمن كافة الحقوق والحريات المدنية والسياسية لجميع أفراد الشعب دون استثناء. 2- إنهاء حالة التوريث أو البقاء مدى الحياة في السلطة. 3- السماح لجميع الأحزاب والشخصيات المشاركة في الحياة السياسية، ما عدى الأحزاب أو الجهات التي تؤمن بالعنف كأسلوب في الوصول إلى السلطة. 4- فسح المجال أمام الشباب للمساهمة في البناء السياسي للدولة. 5- الالتزام بفصل السلطات وعدم طغيان السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية. 6- الحفاظ على مهنية القوات المسلحة وضمان حيادية هذه المؤسسة، وعدم تكريس عملها لخدمة الحاكم. 7- إلغاء كافة السجون السرية والإفراج عن جميع المعتقلين على خلفيات سياسية. 8- العمل على تساوي الفرص بين الجميع. ان احترام التعددية السياسية والتنوع الفكري والاجتماعي وتكريس الحريات وتحقيق الكرامة الانسانية والحفاظ على التداول السلمي عبر الانتخابات الحرة والنزيهة، هو الطريق الافضل للحفاظ على السلم الاجتماعي وتحقيق التنمية الشاملة، بعيدا عن خيار الفوضى والعنف والاحتراب الاهلي.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |