سيرة حياة .. رواية من ذهب
 

علي محسن حساني
alimuhsin2000@yahoo.com

عاش جي دي موباسان (1850 – 1893 ) في فرنسا فترة مابعد الثورة والحرب الاهلية ( عصر الارهاب ) وتحولها من مجتمع بدائي متخلف الى عصر النور الذي بدأ ينشر افقه على اوربا حيث تقليص لسلطة الكنيسه المتحالفة ابداً مع النبلاء والمتقاسمة معه جيب الفقراء والبسطاء دون استيحاء من حبات عرق جبينهم المتساقطه امام اعينهم في المزارع وساحات المعارك ومن دموعهم ايام الاحاد في الكنائس وهم يذرفونها صادقة لما وعدوا من خلفاء الله في الارض.

ولعل قصته القصيرة ( في ظل القمر) افصحت بوضوح عن منهجه التنويري في الدعوه الى التحرر من القيود الباليه المتحكمة حتى في حرية اختيار الشاب لزوجته وفي طريقه توجيه المواطنين نحو خيارات حياتهم لذا اعتبرت من اهم قصصه القصيرة الدالة على منهجه في معالجة مشكلات عصره.
(سيرة حياة ) هي رواية لموباسان قرأتها مصادفه بعد اعارتي اياها من احد الاصدقاء ولم اكن اعلم حينها ان لهذه الروايه ذلك الشأن والتأثير.
وفي هذه الروايه يظل (موباسان) مصراً على موقفه من رجال الدين المتعنتين بقدر اصرارهم على تخويف الناس من كل مايناقض استمرار مواعظهم وان كان مشروعاً ليظلوا اسارى تعاليمهم وثوابهم وعقابهم. ولعل مأساة (جان) الفتاة الساذجة الطيبة التي لم ترتكب في حياتها خطيئة ولم تغضب يوما اباها او امها نتيجة غير متوقعة لذلك التردد من الحياة والتسليم الاعمى للغير , مهما كان ذلك الغير , ادى بها الى كل انواع التعاسه والفشل المتكرر في حياتها كشابه ثم كزوجه فأم فعجوز عمل فيها الدهر يده قبل ان تعمر . لم تجن ( جان) من حياتها ماتثاب عليه وهي الفتاة الورعة ( غير عطف خادمتها في اخريات عمرها ) وكل خطيئها انه لم تتح لها فرصة الاختلاط بأقرانها وتعويدها على اتخاذ القرار من خلال التكيف الاجتماعي,فلم تجابه أي استفزاز يكشف عن حقيقة نفسها ويحفز مناعتها الاجتماعية فعاشت مخدوعة فقيرة الارادة اسيرة اخطاء الاقربين , وعادت بنا الى مشكلة التربية الاولى في كل زمان وفي كل مجتمع. فالمأساة برأينا كل الماساة , تكمن في حرمان الابناء من استغلال اهم فترة في حياتحم وهي فترة بواكير البلوغ وقد يكون الحرمان عن قصد او غير قصد وفي هذه الرواية كان الحرمان على يد آفة ذلك العصر الا وهو سلطة الوعاظ.

تسير بنا طريقه تسلسل مأساة حياة ( جان) في (سيرة حياة) فترة زمنية تمتد لجيل كامل وكأن (موباسان) اراد ان يعرض مشكلة جيل بأكمله يبدو ظاهرياً ان القدر ظلمه ولم تشفع له طيبته وصدق سريرته غير ان بذور هذا الظلم كامنةً في القائمين على الجيل وفي طريقه تعاملهم البالية مع تربيته وتنشئته.

ان الاحساس العميق بالالم لدى الكاتب والترجمه الشاعرية الرقيقه في سبك الاحداث ووصف الاماكن , جعلت من ( سيرة حياة) رواية لابد ان تقرأ.ً
 

·   
العودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com