قلبي..شكراً
إهداء الى اختي وصديقتي العزيزة (R)
 

 

زينب الشمري / بابل
zalshemary@yahoo.com

وجدتها جالسة على الارض الجرداء... رافعة رأسها نحو السماء... في ليل الشتاء الدامس... لم تكن تضيئه سوى عيون السماء الزاهية وهلاله الرفيع... الدموع تجري من عينيها البنيتين الواسعتين... كالنهر الهائج على وجنتيها المحمرتين من شدة البرد... لكنها لم تكن تشعر بالرياح الهائجة التي تأخذ شعرها الاسود الطويل ذهاباً وإياباً... يسودها الحزن والاسى وهي تأن وتتحسر...

ندهتها قائلاً: لما انت حزينة وباكية يا غزال؟

اجابتني: الغزال محظوظة لأن لديها من يحبها ويعشقها من الناس, أما أنا فقد فقدت من احب ويحبني والى الأبد, فأنا اجلس لأندب حظي العاثر العكر الذي يحرمني من كل شيء اريده, وكل مرة اتسائل لماذا كل الفتيات اللاتي من حولي يحصلن على مبتغاهن!

قلت لها: لاتندمي على حب عشته, حتى ولو صارت ذكراه تؤلمك, فلو كانت الورود قد جفت وضاع عبيرها ولم يبقى منها سوى الأشواك فلا تنسي انها منحتك عطراً فواحاً أسّرك, ولو لم يكن الله يحبك لما وضعك في مثل هكذا إمتحان!

قالت: انا اجلس كل ليلة وحيدة احاول ان اجمع حولي ظلال ايام جميلة عشتها مع الح... تاركة كل مشاعر الالم والحسرة منذ ان افترقنا, احاول ان اجمع الكلمات الجميلة التي سمعتها, احاول ان الُم الصور الرائعة, واذكر ملامحه وبريق عينيه الحزين, وابتسامته في لحظة الصفاء, لكن هنالك من يمنعني ولا اعلم ما هو؟ هل هو السهم الذى انغرس في نفسي وجرحها يوم رحل؟ ام هو الشقاء الذي لازمني بغيابه؟

قلت لها: لا تكسري ابداً كل الجسور معه... فربما شائت الاقدار ان تجمع بينكما يوما ما! فاذا كان الوقت الجميل قد رحل, فمن يدري ربما يأتي وقت اجمل , وتذكري ان لحظة اللقاء اجمل بكثير من ذكريات والم موحش...

قلت لها: في حلمي بكيت... وفي حياتي تعبت... وفي جلوسي مع الاخرين يرون عقدتي, لمَ الناس في الفرح يتذكرونني؟ وفي مصائبي تهجرني...! ألم يعلموا ان الوحدة تقتلني...!

اجبتها: الوحدة قاسية وقاتلة ومؤلمة... وهي عبارة عن تمزيق احشاء الجسم الواحد تلو الاخر, الوحدة عبارة عن موت بطيء, فلا تدعيها تلتف حولك وتخنقك, اما الناس! فأعلمي انهم عندما يمرون بك لا يرون ما بداخلك, ولا يشعرون بحالك, اتعرفين لماذا؟ لانهم لايهتمون الا بالمظاهر فقط, وانت وانا وحدنا في هذا الامر وما لنا سوى ربنا...

اجابتنى: جرحي ينزف بدل الدم ناراً... وتنوح روحي... وعلى ظهري اكوام من العذاب والاوجاع... كلما هجم الليل تخنقني العبرة...ويصدع صدري صراخاً وعويلا... فلا نفسُ تأويني ولا يد تُمد لي فتنقذني... انظر من حولى فأرى الجميع يغطون في نوم عميق... إلا انا الوحيدة التي يثور في رأسها بركان غاضب... الوحيدة التى لا تسطيع ان تضع رأسها على الوسادة... سحقاً... لمثلي ميتة من الازل, سيمائي التيه... وعنواني الضياع... وآسفي على نفسي, فيا عين امطري الدمع شلالاً... ويا حزناً ارجم القلب سهاماً... ويا ندم اصلب الروح... فأنا لا استطيع العيش اسيرة وسجينة هذه الوحدة التي ما برحت تقتلني منذ ان رحل عني...!

قلت لها: احببت وكرهت... فرحت وحزنت... ضحكت وبكيت... ولكني رغم الالم عشت... تعلمت... ان جرحي لا يؤلم احداً غيري... وان الدواء الوحيد هو رضائي بقدري, وانني اذا اريدت الراحة, عليّ الاعتناء بصحتي, واذا اردت الحب والسعادة يجب ان اعتني بأخلاقي ومظهري, فالحب اخلاق قبل ان يكون مشاعر, وعليّ ان اتعلم من الظروف التى مررت بها.

قالت: كفاك ياقلبي سذاجة واستمع اليّ... فأنت في صدري تبكي وتنوح وانا وحدي من يحس بالجروح التي تصيبك... دعني اهوي من دون رجعة... ولا ترأف لحالي, فهمومي لا تحملها الجبال الرواسي, واعلم ان لا وجود للوفاء في قاموس اسميته الحب, ويا ليتنى ما احببت... يا ليتنى ما احببت...!قلت

لها: دعك ياغزال من هذا الهراء, واعطي لنفسك فرصة اخرى, لعلها توفر لك الافضل هذه المرة, وحاولي ان تتجنبي اخطاء الماضي, لأن الإنسان يجب ان يستفيد من اخطائه وتجاربه السابقة, ولا تأثري لأن الثأر ليس من اخلاق العشاق, لان الذي ضاع قد ضاع, واليوم اهم من سابقه

سكتت هنيئاً ثم نهضت من جلستها ومسحت ملابسها المتربة وعملت من شعرها كذيل الحصان كعادتها السابقه عندما كانت لا تزال غزال الماضية الجميلة البشوشة صاحبة الابتسامة الدافئة ومن هذه اللحظة عرفت انها عادت الى سابق عهدها فقلت: هذه هي غزالي.

فتبسمت وقالت: شكراً لك يا قلبي... لو لم تكن حاضراً معب هذه الليلة لكنت الآن فى زمن الفناء الذي لا عودة منه... انتَ علمتني ان اثمن الدموع واصدقها هي التي تنزل بصمت, دون ان يراها احد, علمتني... ان اخرج مع الناس مهما كان المي وحزني... هيا قم معي ولنمسح هذه الدموع, فقد آن الاوآن ان نخرج من عالم الوحدة والحزن, وننسى الماضي الاليم, والبدء بصفحة جديدة ويوم جديد لأن لا شىء في هذه الدنيا يستحق العناء فهي فانية.

 

   
العودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com