الإعلام وكسرة الخبز التونسية ...هل تكفي لصفع السياسيين
د.كامل القيّم/ جامعة بابل
mailto:dr_alqayim4@yahoo.com
في حادث دراماتيكي أرادت به عوامل عديدة أن تطيح بإحدى رموز الهيمنة المستدامة على رقاب الشعوب ، الفساد، والتسلط وخنق الحريات ،كان قد ولّد دموع وسلوك مكبوت ، كسرة خبز لشاب تونسي فقد صوابه من ملاحقة السلطة وجبروتها أدت الى انتحاره جراء التعسف والجوع والحرمان ، وقبلها ما نشره موقع ( ويكليس عن الصفقات والثروات التي يتنعم بها المقربون من عائلة بن علي ) مما أشعل وتيرة الرأي العام التونسي بتعديل المسارات التي كان الرئيس التونسي قد تغنى بها في إعادة الإصلاح الاقتصادي والسياسي ، مرة أخرى تعطينا وسائل الإعلام دروسا رائعة على أن جبابرة السياسة والمارقين والمفسدين لا يمكن ان يصمدوا أمام الصورة الإعلامية ، تلك الصورة التي هزت وأشعلت مكامن رأياً عاماً كان مكبوتاً وحائراً ومخنوقاً، ومن شرارة صغيرة ، ومن هتك إنساني كان الفعل اعتي من خطاطات وأبحاث مراكز البحث السياسي في تقدير وضبط (صبر الشعوب ولعّق جراحها)، كان الشاب محمد البو عزيزي هو من افتدى نفسه حرقاً تعبيراً عن الجور والحرمان ، ومن ثم تبعه آخرون احدهم في الثانوية بعدما احرق نفسه في إدارة المدرسة تضامنا مع فعلة البو عزيزي وآخران في ليبيا والجزائر تضامنا وتصاعداً مع ماكنة نقل المضمون المباشر للإعلام المرئي والالكتروني حول تداعيات الواقعة.
هكذا يتنامى الرأي العام ( الكامن ليغدو مفاجئاً وفورياً ) يشتعل ويضغط دون لون او رائحة او تخطيط ...هكذا تعمل وسائل الإعلام وبالمصالحة معه وباحتضانه ، تضع صورتها وتغطيتها قصدية كانت ام عفوية كالمطرقة فوق الحكام والسياسيين وتشعل جذوة كشف الأخطاء تغذي وتنعش حزم الذاكرة بلقطات التسخين الجماهيري، هكذا بلورة وسائل الإعلام الرأي العام وصقلته وفجرت فيه الحقائق والبيانات والتصريحات بالصورة ، والخبر والتعليق والبث المباشر ، وكوّنت للشارع قادة رأي يحركون الأحداث ويقودون التغيير بدعم من منظمات المجتمع المدني وقوى الشغل ( النقابات في تونس ) .
فكان هذا الحدث بحق اصدق صورة وأعمق درس على ان الإعلام بدأ ينخر في خفايا السياسة ويعصف بالملفات السرية والوعود الكاذبة التي يطلقها السياسيون ويعلّق عليها الزمن يافطة التجميد والتأجيل ...الشعوب تغيرت وتنامت ذاكرتها ، بعدما وفر لها الإعلام ووسائله المختلفة المرئية منها والالكترونية قدرة استرجاع الحكايات ، التصريحات ، الأرقام ، السلوكيات ، العدالة التي ينشدها الله في خلقة ، والمسؤولية في توزيع الثروات وحق العمل والتعبير ، وعلى الرغم من حدوث التغيير في تونس نتيجة كسرة خبز ...وصورة .فإننا حتما سنرى تشكيل الرأي العام العربي والإقليمي بالاتجاه ذاته ففي الأردن والجزائر ومصر والسودان بدا الحراك وبدا التماثل السياسي والنمذجة في التعبير عن الرأي العام وجبروته الضاغط على الحكومات الغافية عن عوز أبناءها في الإصلاح الاقتصادي.
قالها الشعب التونسي بقواه الوطنية الإسلامية منها والعلمانية نعم نحو التغيير ...نحو الكرامة والتنمية الحقة ومكافحة الفساد وإطلاق الحريات المكفولة من الدستور ... وإيقاف الوعود التي نحن العرب نعشقها كعشق الشعر ...وما أكثر قول الشعر السياسي لدينا ..بلدان نخر فيها الفساد حتى خجل ...وبلدان صنعت للقادة والرموز على حساب المهمشين ...إمراض العصر الالكترونية والإعلام الفوري المزعج للقادة لا يمنح الوقت ...ولا يمنح التوبة ...وكما حار بن علي في طائرته ...بين مالطا وفرنسا والدوحة ...ولكن كل سماء الأرض خجلى من استقبال المارقين والفاسدين وقاتلي الشعوب ومعذبيها ...فحتى الدولة الكبرى الراعية له ولأمثاله الولايات المتحدة ( وبمكر ودهاء سياسي باركت إرادة الشعب التونسي بالتغيير بحسب بيان الخارجية ) وتنكرت لمعقلها في المغرب العربي.
ونحن في العراق هل نعي الدرس التونسي البليغ ...هل نعي إرادات وحقوق الجياع والمحرومين والكسبة إرادة شرعية على وفق الدين ام على وفق السياسة فكلاهما عظيم وواجب، وأقول للسياسيين خففوا البهاء السياسي ومرض القيادة النفسي والضرورة الحركية المفتعلة وأرباع وأنصاف الحلول ...وتعاملوا مع شعب جبار الثروة والعقل وعظيم الصمت حبا بالأمان وبالآخر...لا يُسمح مرة أخرى ان تفشلوا في إسعاد البسطاء ...والمحرومين لأنهم أكثر من نصف العراق ...فلم يعد للسياسي ان يكون تجريبياً ...او ظرفياً او قلادة مفترضة لوحدة الشعب كما يلوّح الآن.. ونحن كشعب...لدينا ثروة ولدينا إعلام ...ولدينا حقوق ... فهل لديك أيها السياسي فكر ميداني ونزاهة حتى تقودنا ...هل تعطينا كسرة خبز غير منقوصة .هل تضع في الحسبان كل شيء يمكن ان يرصد وان ينشر وان يستخدم كمطرقة في راس الخفايا ...هل تعي ان الرأي العام قابل للتشكيل ...بصورة الكترونية عبر موقع ...وبتصريح ...وتغطية صحفية حينما يكون مهيأ ...هل تعلمون متى يكون مهيأ ...بحسب النظريات الإعلامية والنفسية ( حينما يجوع الشعب) ..ليس فقط من الطعام ...بل من الإبداع والمعرفة ايضاً .فتحية لتونس ولوسائل الإعلام التي كشفت لنا انقلاب الخبز ..والحرية ...والتغيير
مركز حمورابي / وحدة أبحاث الرأي العام
العودة الى الصفحة الرئيسية