تونس إلى أين!؟

 

محمد علي الشبيبي

alshibiby45@hotmail.com

 

تحية إجلال واعتزاز كبيرين بانتفاضة الشعب التونسي الجبارة. هذه الانتفاضة التي أرعبت الأنظمة الاستبدادية العربية ورؤسائها، فتسابقوا في أبداء المشاعر الكاذبة والمنافقة، وآخرون بهذيانهم وخرفهم حاولوا الإساءة لمشاعر الشعب المنتفض لا بل هم أساؤوا لكل الشعوب العربية. فألف تحية لشعب عرف كيف ومتى ينتفض لتنظيف وطنه من بؤر الاستبداد والفساد.

حال الهروب الجبان والمخزي للرئيس بن علي تلقف أيتامه من بقايا السلطة الاستبدادية والحرس القديم قيادة شؤون الدولة، كمحاولة للالتفاف على أهداف الانتفاضة وإفراغها من مضمونها الشعبي وكسب الوقت للانقضاض على ثورة الياسمين. أن قوى الاستبداد أكسبتها الحياة تجارب ذكية في المهادنة والانحناء أمام العواصف، واختيار اللحظات الحاسمة للعودة إلى الوراء، إنه صراع من أجل البقاء والاستمرار. كما أن بقايا الاستبداد المتمثلة بالوزير الأول محمد الغنوشي ورئيس مجلس النواب فؤاد المبزع ورفاقهم من وزراء عهد الاستبداد، والمؤسسات التي كانت تحاول منح بن علي الشرعية في استبداده وتجمل صورته أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، هي الأخرى جزء من منظومة الاستبداد ولا يمكن الركون إليها وإلى نواياها!  لقد بادر الحرس القديم بالاعتماد على المؤسسات القديمة في تسلم مقاليد السلطة، محاولين شق الصف الوطني -ونجحوا لحد ما- في أشراك بعض القوى المعارضة، وإصدار بعض القرارات التي تطالب بها الجماهير، ولكن هذا الحرس القديم بقي متمسكا بمقاليد السلطة و السيطرة على القرار. أما استجابتهم لبعض مطالب الانتفاضة ما هو إلا محاولة للتهدئة والعمل على شق الصف الوطني.

الغنوشي أعلن أنه لن يستمر بعد إنهاء الفترة الانتقالية وسيتقاعد. لا أعتقد أن الغنوشي جاد في كلامه؟ لأن رجل بمستواه الثقافي وتجربته السياسية والإدارية، وقد خدم النظام الاستبدادي وصمت عن التدهور الاقتصادي والنهب المالي إلى آخر لحظة، وان الرئيس الهارب آمن به وسلمه مقاليد السلطة لثقته المطلقة بإمكانياته الثعلبية وإلا لكلف غيره قبل فراره. لهذا أرى وآمل أن تنتبه القوى الديمقراطية للعبة الغنوشي وتفويت الفرصة عليه. لا أعتقد أن حرصه على النظام والأمن ومستقبل تونس يتطلب منه الاستمرار فقط لستة أشهر -كما يدعي-، هذا الوحي نزل عليه فجأة بعد هروب بن علي ولم ينزل عليه أيام بن علي!؟ لو كان هذا الثعلب صادقا لحاور جميع التنظيمات السياسية لإشراكها في الحكومة بعد أن يقدم استقالته واعتذاره للشعب التونسي لمشاركته بن علي في تسويق سياسته الاستبدادية!؟ أما عدم تشاور الغنوشي مع جميع أحزاب المعارضة وتبريره بعدم قانونيتها أو الاعتراف بها، فأنه تبرير تلغيه أنتفاضة الشعب التي أجبرت رئيسا "منتخبا" على ترك رئاسته هاربا، ثم كيف يريد الغنوشي ومن أقتنع بالانضمام إلى وزارته الاعتماد على قوانين استبدادية!؟ أليس الانتفاضة من مهامها إلغاء هذه القوانين الاستبدادية؟  فأيها الشعب التونسي لا تنخدع بهذا الثعلب فهو وأعوانه ينتظر الفرصة للانقضاض والاقتصاص من الانتفاضة.

بعض المعارضين من شارك في الحكومة المؤقته، يبرر اشتراكه في عدم رغبته في حدوث فراغ وليحافظوا على الأمن ....الخ! أقول لهم يا سادة تعلموا من تجارب الشعوب، لو كان فعلا أن الغنوشي صادقا في أنه يريد أن يضع البلاد في طريق جديد، لما تمسك ورفاقه -أيام الاستبداد- باستماتة بالسلطة. وأقول لقوى المعارضة التي رفضت الاشتراك في حكومة تضم عناصرا من الحرس القديم. التظاهرات وحدها لا تكفي وعليكم توحيد قواكم لتشمل أوسع قاعدة جماهيرية حول مطالب واضحة. أعقدوا مؤتمرا يضم جميع القوى الوطنية. اتفقوا على تشكيل حكومة متكاملة -حكومة ظل- تستلم السلطة حال استقالة وزارة الغنوشي. اختاروا وزراؤكم من المناضلين التكنوقراط المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة وبالروح الوطنية المناهضة للاستبداد. شكلوا لجنة للتفاوض وإجبار الحكومة الحالية لاستلام السلطة منها وذلك بالضغط الجماهيري المنظم والسلمي والمتواصل. صارحوا الشعب بمفاوضاتكم وليكن هو الحكم، وبذلك يقوى تمسكه بكم وتتعزز ثقته بكم، وتجنبون أنفسكم الإشاعات المغرضة التي تحاول تشويه مواقفكم. تجنبوا التفاوض معكم بانفراد فإنها سياسة ماكرة لتفريقكم.

وأخيرا أتمنى للشعب التونسي وقواه الوطنية النصر المؤزر ولتكن انتفاضة الشعب التونسي مثالا يقتدى به لشعوب المنطقة، ولتنهض من سباتها لتكنس قوى الاستبداد والجهل والظلام.

 

 

لعودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com