رسالة تخيلية من الرئيس التونسي الهارب إلى الإدارة الأمريكية

د. حامد العطية

hsatiyyah@hotmail.com

فخامة السيد باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية المحترم

تحية طيبة وبعد،

اكتب لكم من مقري المؤقت في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، حيث تفضلت علي حكومة هذا البلد بمنحي الإذن بالإقامة في ربوعها، بعد اضطراري لمغادرة بلدي تونس بسبب الأوضاع الأمنية المضطربة.

يقرأ رجال السياسة التاريخ جيداً، ويتأملون في حوادثه، ويستفيدون من عبره، وقد تذكرت هذا اليوم جانباً من التاريخ المشترك، بين الولايات المتحدة الأمريكية وتونس، يعود ذلك إلى ما قبل مائتي عام أو أكثر، عندما كانت في تونس حكومة قوية، تهاب سطوتها حكومات أوروبا وأمريكا، وكما أشرت أنت في خطبة لك فإن تونس أول بلد مسلم يرسل سفيراً إلى واشنطن، ووافقت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية في حينها على دفع أتاوة لحكومة تونس مقابل السماح لسفنها بالابحار بسلام في مياه البحر المتوسط.

تشهد السجلات التاريخية على إلتزام حكومة تونس آنذاك - وهي في أوج قوتها - بوعودها، وضمانها لسلامة سفنكم التجارية والحربية، ومنعها القراصنة من مهاجمتها والتعدي عليها، ولقد مر وقت طويل على ذلك الفصل من علاقة بلدينا، وتغيرت قواعد اللعبة بين الأمم، فلم تعد للوعود أي قيمة تذكر، خاصة تلك الممنوحة لرئيس سابق مثلي، تلاشت سلطته، وتخلى عنه أعوانه، إنه زمن أولوية المصالح على القيم والمباديء، وينبغي على الحاكم الحريص على بقاءه في السلطة التعرف بدقة على مكامن مصلحته.

تبين الفقرة الأولى من اتفاقية السلام والصداقة الموقعة بين حاكم تونس وحكومة أمريكا في 1797م بأن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لم تؤسس على الديانة المسيحية، وبالتالي فهي "لا تكن أي عداء لشرائع وديانة واستقرار المسلمين"، فيما أشارت الفقرة الثانية إلى موقف حكومتكم آنذاك والقاضي بانتفاء وجود سبب مانع للتفاهم بين الدولتين انطلاقاً من اختلاف العقائد الدينية، ويبدو بأنك مطلع على هذا النص لأنك رددت كلاماً مشابهاً في خطاباتك الموجهة للمسلمين.

سيادة الرئيس، وكما تعرف لقد كنت وطيلة فترة رئاستي صديقاً مخلصاً لحكومة أمريكا، ومؤيداً لسياستها الخارجية في المنطقة، ولم اتخذ يوماً قراراً متعارضاً مع مصالحها، ولم أقف مع أي جهة معادية لأمريكا وحلفائها، لذا ومن منطلق الصداقة والصراحة أقول بأن سياساتكم هي أحد الاسباب الرئيسية لخروجي من الحكم، كما تهدد هذه السياسات أنظمة عربية أخرى حليفة لكم بالزوال، واستبدالها بنظم معادية، أو على الأقل غير منسجمة مع سياسات بلدكم.

قبل مجيء الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن للسلطة كانت هنالك دولة عربية مسلمة واحدة تحت الإحتلال وهي فلسطين، ولست بحاجة للتفصيل والإطالة في الموضوع، إذ من المعروف للجميع وقوف حكومة أمريكا بكل ثقلها مع الإحتلال، وعدم وفاءها بوعودها في تحقيق التسوية، وخذلانها لأبسط حقوق الشعب الفلسطيني، لذا فقد كنت وبقية حلفائكم في المنطقة في موقف صعب وحرج أمام مشاعر الغضب والاستياء من هذا الاحتلال، والسياسات الأمريكية المؤيدة له.

ولقد ساء وضع حلفائكم بين العرب والمسلمين بدرجة كبيرة أثناء رئاسة بوش الإبن وما بعدها، فعندما خيرنا سلفكم الرئيس بوش بين أمرين لا ثالث لهما: أما  أن نكون مع أمريكا بالقول والفعل أو أن نكون ضمن أعدائها وإرهابيين، لم أتردد واخترت والغالبية العظمى من الدول العربية والإسلامية أن نكون في المعسكر الأمريكي، ونفذت ما يمليه علي هذا القرار من إلتزامات، وبالنتيجة احتلت القوات الأمريكية العراق وأفغانستان، مما عده العرب والمسلمون، وبغض النظر عن مبررات حكومتكم، إهانة عظمى أخرى لدينهم وثقافتهم وكرامة شعوبهم، واعتبرت هذه الشعوب حكامها متواطئين مع المحتلين، وبالتالي فقد ازداد سخطهم علينا.

لست بصدد تبرءة نفسي من الأخطاء، فمن الواضح بأني لم أفعل كل ما في وسعي لتلافي هذه النهاية المؤلمة لعهدي في الحكم، وهو لم يكن حكماً مثالياً، فلم تكن هنالك حريات كافية، ولم تتحق الوعود بالتنمية ومحاربة البطالة والفقر، كما ابتليت ببطانة من الفاسدين، وبدلاً من أن يساعدني أفراد عائلتي بالعمل والنصيحة المخلصة استغلوا قرابتهم لي في ممارسة النفوذ بطريقة غير مشروعة وجني المنافع الأنانية.

إنهم يصفون المظاهرات في تونس بثورة الخبز أو المحرومين، وهي في تقديري تسمية غير دقيقة، بل اعتبرها مهينة للشعب التونسي، مع الإقرار بإن غلاء السعار الوافد من الخارج شرارة أشعلت الاحتجاجات الواسعة، لكن وكما يقول السيد المسيح عليه السلام ليس بالخبز وحده يعيش الإنسان، والأهم من الخبز بالنسبة للشعب التونسي هي الكرامة، ولقد عانى التونسيون اثناء رئاستي من ذل الظلم والاضطهاد والتعسف والحرمان، ونفذ صبرهم تماماً عندما وقفت بجانب حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها، التي أذلت العرب والمسلمين، وأهانت كرامتهم.

لم أكن أسوء حكام العرب والمسلمين، وأغلبهم حلفاء لأمريكا، لذا لن أكون آخر الحكام المنحين عن مناصبهم، وأتوقع أن يجاورني في مقر إقامتي الحالي بالمملكة العربية السعودية في المستقبل غير البعيد حكام عرب ومسلمين آخرون، اصطفوا مع أمريكا، فتغاضت عن جورهم مقابل تأييدهم لسياساتها المهينة لكرامة وعزة العرب والمسلمين.

وختاماً تقبلوا خالص تحياتي،

 زين الدين بن علي

23 كانون الثاني 2011م

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com