|
أنف بينوكيو وفم أوباما وعيون العرب والمسلمين د. حامد العطية بينوكيو قصة مشهورة لليافعين، فيها عظة بالغة، بأن المحسن يثاب والمسيء يعاقب، عندما كذب بينوكيو، الدمية الناطقة، عوقب باستطالة أنفه، ومع كل كذبة جديدة ازداد التشوه، وبعد اقترافه محرمات اخرى مثل شرب الخمور والقمار ومرافقة اقران السوء تحول إلى شبيه الحيوان، وتستمر معاناته حتى يثبت من خلال صدقه وتضحياته وصحوة ضميره بأنه جدير بالحياة كإنسان لا مجرد دمية أوحيوان. في قريتي بالعراق بترت يد أحد التجار نتيجة حادث مروري، فعلق أهل القرية: جزاءً وفاقاً لأكله الربا. للكذب حبل قصير وللظلم عقاب مرير، كما يستفاد من حكاية بينوكيو وحكمة كل شعوب العالم، فهل قرأ الرئيس الأمريكي حكاية بينوكيو واتعظ بها؟ بعد حلول أوباما في البيت الأبيض كرر وعوده بإعادة قوات بلاده من العراق وأفغانستان مؤكداً على أن بلاده لا تعادي الإسلام، ودعا لإنشاء علاقات تعاون متطورة مع العالم الإسلامي مبنية على المباديء والقيم الإنسانية المشتركة، كما أعلن عن استراتيجية جديدة منفتحة في التعامل مع إيران الإسلامية، فهل صدق الرئيس أوباما في تصريحاته ووعوده؟ يقول المثل الإنجليزي بأن البرهان على حلاوة الكعك في مذاقه، و تصريحات أوباما بخصوص الإسلام والدول الإسلامية هي بلا جدال حلوة، ولكن مذاق أفعاله وقراراته مر كالعلقم.
وعد أوباما بخروج قواته من العراق، لكن نائبه وكبار قواد الجيش الأمريكي لا يكلون من التصريح بأنهم ربما سيبقون قوة أمريكية بعد موعد الإنسحاب المتفق عليه في الإتفاقية الاستراتيجية الأمنية بين أمريكا والعراق، وهو نهاية عام 2011م، ولو كان أوباما دمية مثل بينوكيوا لتمدد انفه واستطال، بعد كل تصريح من إدارته حول الانسحاب، وإثر كل زيارة من نائبه للتأثير على العملية السياسية في العراق وللبرهنة على أن سيادته ما زالت ناقصة، على حد تعبير أحد كبار الساسة الأكراد، ولا يختلف الوضع كثيراً بالنسبة لأفغانستان فما أن استقر الرئيس الأمريكي في مكتبه البيضاوي حتى أصدر قراراً بزيادة عديد القوات الأمريكية هناك، ولا يبدو في الأفق القريب موعد محتمل لمغادرة القوات الأمريكية، كما ثبت بأن حكومته غير جادة في ايجاد حل تفاوضي سلمي لأزمة افغانستان تضع حداً لنزيف الدم المتواصل. وبدلاً من حصر النزاع في أفغانستان ضمن حدود تلك البلاد شهد عهد الرئيس أوباما امتداده المفجع إلى الأراضي الباكستانية، مما بات يهدد استقرار هذه الدولة المسلمة الحليفة لأمريكا، ويمهد لصراع داخلي قد يفضي إلى تكرار المحنة الأفغانية في الباكستان. اليد التي وعد أوباما بمدها للعرب والمسلمين، لم تصافح سوى الملوك والرؤساء التابعين لامريكا، وهم كلهم من نوع الرئيس التونسي المخلوع بن علي أو أسوء، وكلنا نتذكر انحناء أوباما، أو بالأحرى ركوعه، أمام الملك السعودي، مما أثار سخط الأمريكيين أنفسهم، وقد خفي على هؤلاء أهمية هذا النظام الضالع في مخطط أمريكا والصهاينة في المنطقة. يعلق أحد المحللين الأمريكيين على استراتيجية أوباما تجاه إيران بأنها فشلت لان إدارته وقبل أن تبدأ اتصالاتها مع الطرف الإيراني قالت لحلفائها بأنها ستفشل حتماً، وتلك نبوءة حققت نفسها كما يقول المثل الإنكليزي، إذ فيما كان أوباما يطلق التصريحات المعسولة الجوفاء تجاه إيران كانت وزارة خارجيته تصعد الضغوط وتشدد العقوبات عليها. تدعي إدارة أوباما كما الإدارات السابقة حرصها على نشر مباديء الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، ودليلهم الواهي الوحيد هو العراق، الذي زرعوا فيه نظاماً "ديمقراطياً" على شاكلة النظام اللبناني الطائفي التحاصصي، وليس هنالك أسوء من النسخة العراقية سوى الأصل اللبناني، وهما كما نشاهد اليوم لا يخرجان من أزمة حتى يقعان في أخرى أعصى منها، ومن حقنا أن نشكك في نوايا أمريكا من استنساخ التجربة اللبنانية المنتجة للأزمات وفرضها على العراق، فهي وصفة للتخريب لا البناء والتطوير. وبذكر لبنان لا بد من الاشارة إلى دور إدارة أوباما في صنع أزمته الحالية وسد السبل أمام مساعي حلها، من دون اكتراث لما قد تجره على لبنان والمنطقة من نتائج وخيمة، توقعتها وزيرة خارجية أمريكا، وردد صداها مسئولون كبار في دول المعسكر الأمريكي مثل السعودية ومصر، ومن المؤكد أن المستفيد الوحيد من سياسة أمريكا في لبنان هو الكيان الصهيوني. لم يجرأ رئيس حكومة صهيوني على التمادي في رفض المطالب الأمريكية مثل نتنايهو، ولم يحدث ذلك في تاريخ العلاقات الحميمة بين البلدين إلا في عهد أوباما، فقد رفضت حكومة الصهاينة الطلب الأمريكي تجميد المستوطنات لمدة أشهر قلائل لدفع المفاوضات مع الفلسطينيين، وبعد هذا الرفض المذل بلعت إدارة أوباما الإهانة الصهيونية، بل وتراجعت عن مطلبها، وتبنت الموقف الصهيوني المستهين بأهمية الإستيطان الصهيوني في القدس والضفة الغربية، وهذا أكبر دليل على انحياز إدارة أوباما التام، أو بالأحرى خضوعها، للمشيئة الصهيونية، واستهانتها المطلقة بمطالب عرب أمريكا، التي تفرط بالحقوق العربية في فلسطين أصلاً. كذب بينوكيو فاستطال أنفه، لكن لا ذنب للأنف في ذلك، بل هو العقل الضال واللسان الناطق بالباطل، لذا كانت اللطمة التي وجهت لأوباما من دون عمد أثناء مشاركته في مباراة كرة السلة في محلها، إذ وقعت على فمه، واسالت دماءه، وارسلته إلى المستشفى، إن لم يكن قد اتعظ أوباما في شبابه من حكاية بينوكيو فلن يخطر بباله أن الصفعة على فمه لها دلالات، لذا يبدو أن الدمية بينوكيو أكثر وعياً لعواقب سوء أعمالها من الإنسان العاقل أوباما. والأهم من ذلك بكثير أن يشحذ العرب والمسلمون حواسهم، ويشغلوا عقولهم، ليروا بأم أعينهم أن إدارة أوباما، مثل كل الإدارات الأمريكية السابقة، كاذبة ومخادعة ومجافية للحق والعدل. قال ثوماس جيفرسون، أحد مؤسسي النظام الأمريكي: ارتجف فرقاً على وطني كلما خطر ببالي أن الله عادل.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |