|
زيارة غير خائبة
لا ادري كيف اتعبتني الغربة وقد تصورت ان لاشيء يقدر ان يحطم ارادتي ، ولاشيء يبعدني عن وطني واحبتي ، هل نسيت الوطن والاحبة ؟ ربما في خضم الوجع والتعب حصل ذلك لفترة وجيزة ، قد اكون انشغلت عنك ياوطني ، وربما بسبب الخوف من بطش الطغاة ، ادرت لك ظهري ، لكن حلم العودة ظل يراود احلامي ، وحين سقط الطاغية عدت كي ارى احبتي ومدينتي ، فهالني مارأيت من خراب ، وكان الخراب الاكبر هو الذي اصاب الانسان العراقي المتعب وابعده عن بعض مبادئه الا قلة حافظت على قناعاتها ، فقد استطاع حكم الطاغية ان يمزق الكثير من روابط الجيرة في الحارة العراقية ، حتى الاسرة الواحدة فقد تمزق نسيج لحمتها ، حين عدت عام 2003 رأيت الفقر المدقع ، محلات خاوية ، شوارع وازقة خربة ، جدران منحنية منهارة ، اما في ميدان السياسة فأن الاحزاب العائدة من المنفى فقد استثمرت محنة المواطن المتعب والجائع ، وصارت تساومه على لقمة عيشه مقابل الدخول الى صفوفها وتوفير بعض المكاسب في التعيين ، فتزاحم الكثيرين في الدخول لهذه الاحزاب ، وانتفخ بالون هذه الاحزاب ، في حين نست هذه الاحزاب مبادئها التي بنيت عليها ، وبنت تنظيمات غير عقائدية ، وغاب العقائديون اما في المنافي او منسيين في وطنهم ، وشرعت هذه الاحزاب دستوراً على مقاسها ، فأصبح كثير من فدائي صدام ، مناضلون في عرف هذه الاحزاب ، وبعض المسافرين للخارج لغرض العمل مناضلون ، والمفصولين بسبب الغياب مفصولين سياسيين وأصبح كثير من الموتى والمغادرين الى الخارج شهداء مقابر جماعية ، وقدمت الاحزاب وثائق مزورة ، فحصل كثير من الذين لم يعرفوا كلمة سياسة ، على رواتب ميليشيات ، وحصل البعض من الذين يحملوا رتبة عريف ، على رتبة عميد وعقيد في العراق الجديد ، عدت بعد سبع سنوات اخرى من الغربة ، بعد ان اتصل بي صديق قديم شاركني المنفى منذ بداياته والح عليّ بالعودة للحصول على بعض التعويضات من اجل ترميم خرائب عمري ، مؤكداً لي بصدور قانون لتعويض المهاجرين والمهجرين ، بقطعة ارض ومبلغ من المال ، وحين بدأت الرحلة صوب الوطن ، رغم الخيبة وعدم الثقة بالوعود والخشية من التزوير وان تقلب الحقائق مرة اخرى ، اخذت اجازة من عملي ، رغم الخشية من فقدان العمل وهو وسيلة عيشي ، دخلت مدينتي اتطلع بالوجوه ، فلم يعرفني احد رغم اني مشيت شوارع مدينتي طويلاً متجهاً صوب بيت احد الاصدقاء كي انام فيه ، فقد خشيت من ان اشعر بالغربة في وطني وان اسكن فندقاً كالغرباء ، رغم اني لا اقدر ان اتحمل عبء التكاليف ، لذا رميت بنفسي على احد اصدقائي الطيبين وهو الشاعر محمد كاظم جواد ، الذي احاطني برعاية وتقدير كبيرين ، واتصل بي الشاعر حامد كعيد الجبوري الذي تعرفت عليه من خلال كتاباته الجميلة الشيقة على الانترنت ، يعرض علي الاقامة في بيته ، ثم جائتني احدى اخواتي تشدني الى بيتها ، ثم بدأت مراجعاتي لدائرة المهجرين التي طالبتني بالبطاقة التموينية ، وكانهم يطلبون مني هوية الاحوال المدنية ، لا ادري كيف يمكنهم محاسبتنا على البطاقة التموينية ونحن قدمنا من المنافي ، يريدوننا ان نقيم في الوطن وكيف نقيم اذا كنا لانملك ثمن ايجار غرفة في الوطن ولانملك عمل وقد اخذ بنا العمر ماخذه ، انها قصة الدجاجة والبيضة ايهما الاول ، اليس من الاولى بالحكومة العراقية التي جائت من المنفى ان تعوضنا عن الحرمان ، بتوفير عمل وسكن ، هل من الصحيح ان اعمل انا الذي حملت الشهادة الجامعية منذ أكثر من ثلاثين عام ببيع الفلافل ، في حين استفاد الصداميون من فرص توظيف لايستحقونها وقد اسسوا اسباب الحياة المرفهة ، وأُعطيت فرص توظيف بالرشاوي وصلت الى الالاف الدولارات ، عدت محبطاً من جديد رغم سعادتي برؤية الاحبة من الاصدقاء والاهل ، حيث التقيت بالشاعر الرائع محمد جواد كاظم والشاعر الجميل حامد كعيد الجبوري ، والاستاذ محمد علي محي الدين ، ثم كانت رحلتي الرائعة الى الناصرية والتقائي بالشعراء عادل العضاض ورحيم الغالبي والشاعر حسين جهيد الحافظ ومجموعة طيبة من فناني ومثقفي الناصرية في مقدمتهم الفنان حسين نعمة والفنان عمار الغرباوي ، والمطرب غيث الياسري ، والاستاذ باسم صاحب والاستاذ محمد سوادي واخرين لم تسعفني ذاكرتي المتعبة في تذكرهم ، الناصرية كانت محطة الفرح ، حيث غنى المطرب غيث الياسري اجمل الاغاني وكذلك عزف وغنى الفنان عمار الغرباوي روائع الاغاني . وشمت بنا مرة اخرى المتشمتون واستهزء بنا المستهزئون ، فلا زلنا نراوح على حدود الوطن لا نستطيع العيش به فقد عجز الكثيرون من العودة الى الوطن بسبب عدم وجود مسكن يأويهم ومن بين هؤلاء فنانين غنوا للوطن والناس مثل فنان الشعب فؤاد سالم .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |