|
تمر الذكرى الثامنة على سقوط الصنم في ساحة الفردوس، رمزا لانهيار حكم البعث الفاشي، الذي أحال العراق الى بحر من الدم منذ الثامن من شباط 63 ، يوم نفذ جريمته بالقضاء على ثورة 14 تموز، تلك الثورة التي جعلت الرئيس الآمريكي آيزنهاور لدى وصول النبأ العظيم اليه يقر ر: " هذه هي البلاد التي كنا نعتمد عليها بكل ثقلنا في أن تكون الحصن الحصين للإستقرار والتقدم في المنطقة... إذا لم يلق تحوّل الأحداث بهذه الصورة المريعة، الرد الشديد من جانبنا فقد يؤدي إلى إزالة كل النفوذ الغربي في الشرق الأوسط ... ".ولم ينفع يومها الرد الفوري بإنزال القوات العسكرية الأمريكية في بيروت ، والبريطانية في الأردن شيئا فقد كان العالم يعيش أيام الحرب الباردة، و كانت حركة التحرر العربي يومها تبلغ الذروة في عنفوانها، فسحبت القوات العسكرية وتقرر العمل على تدمير العراق.فكان ما كان من أنقلاب شباط و 17 تموز 1968، وتأييد الحرب على كردستان بعد الإنقلابين، ثم الإنفاق التدميري لدولارات النفط على التسلح وأجهزة الأمن وتأييد حرب العراق على إيران ثم توريطه باحتلال الكويت ثم تدميره بحربي الخليج الثانية و الثالثة، بينهما حرب الحصار، جريمة إبادة جماعية من 1991 الى 2003، وتجربة سلاح اليورانيوم المنضب باستخدامه في الحربين، وما تسبب به من متلازمة الخليج بين جنود الحلفاء، وتزايد الولادات المشوهة خِلقيا، واستمرار تزايد أمراض السرطان، . ومنذ الحادي عشر من ايلول 2001، منذ ارتكاب الجريمة الارهابية البشعة في نيويورك، التي لم تُقًدًّم لحد الآن الأدلة الكافية على المتهمين بأرتكابها، أعلن بوش أن الهدف الأساس في الحرب على الإرهاب هو العراق. وهاهم بعد إحتلال العراق قد شرعنوا إعادة العراق الى حظيرة ما قبل الرابع عشر من تموز بعقد ما يسمونه الحلف الستراتيجي. ولقد كان غزوالعراق مبيتا ومخططا له قبل أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، كما تبين ذلك في عدد من الدراسات والمقالات منها مقالة لبريمر، حاكم العراق بعد الاحتلال، نشرت في أيام الذكرى الخامسة للعدوان على العراق. وما من شك في أن الخلاص من صدام كان الشرط الأول والأساس لإنقاذ شعبنا من حكم لا تفي أبشع الأوصاف بوصفه، واقل ما يمكن أن يقال فيه أنه حكم مافيا استحوذت على دولة تحوي كنوز االدنيا. وكما كان يبدو واضحا أن ظرف المعارضة آنذاك ما كان يؤهلها للخلاص من النظام الفاشي بقواها الذاتية، ولكن ينبغي أن لا ننسى شتى الأدوار والأساليب التي إتبعتها أمريكا و القوى الإقليمية في سبيل ابقاء قوى المعارضة مشتتة عاجزة عن التغيير، وإيصالها الى درجة من اليأس والقنوط، لا يبقى عندها غير القبول بالاحتلال الأمريكي حلا وحيدا. وكان تشكيل المؤتمر الوطني العراقي واحدا من هذه الوسائل، إضافة إلى تقسيم المعارضة أثنيا وطائفيا وتسييس المطالب الطائفية لرسم صورة العراق الضعيف بعد صدام، فصدر بيان الشيعة الذي صارت المحاصصة واحدة من نتائجه. حقاً ما كان يمكن احداث أي تغيير دون مراعاة العامل الدولي ، فالقضية العراقية قد تدولت. لكن هل كان من الصواب توهم التقاء المصالح الأمريكية، مصالح الامبريالية مع مصلحة أبناء العراق، من غير الساسة الفاسدين، أصحاب الدكاكين السياسية، التى جاوزت العشرات عدّاً ؟ وهل حقا أن لم يبق سبيل سوى الحرب؟ وهل حقا أن العامل الداخلي كان يستحيل توفره لو أن جماهير المعارضة الوطنية فرضت على القوى والنخب السياسية تغليب مصلحة الوطن على الحسابات الحزبية الضيقة؟ كان الموقف المناهض للحرب هو الموقف المنسجم تماما مع الدعوة للديمقراطية الحقة. فأية ديمقراطية تلك التي لا تعير اهتماما لدور المواطنين، ولا تثق في إمكانية تأثيرهم على القرار السياسي لأي حاكم من الحكام؟ أية ديمقراطية كان يتصورها اليائسون أن سوف يحملها للعراق آل بوش المتكالبون على السلطة في أمريكا من أجل مصالحهم لا من أجل مصلحة دافع الضريبة الأمريكي الكادح، أو من أجل سواد أو زرقة عيون الذين كانت توزع عليهم مخصصات قانون تدمير العراق ومخصصات أخرى؟ من موقف مناهضة الحرب والدكتاتورية، من موقف التمسك بالديمقراطية جاءت صياغة نداء " لا للحرب .. لا للدكتاتورية"، الذي أعلن في مدينة كيمنتس الألمانية في يوم مناهضة الحرب*، الأول من سبتمبر 2002، وتبنته حركات سلام ألمانية. ثم سرعان ما تزايد عدد مؤيديه والموقعين عليه وبلغ قرابة 1300 شخص من مختلف أنحاء العالم، من بينهم مئات المثقفين العراقيين من شعراء، وكتاب واقتصاديين وصحفيين وفنانين تشكيليين ومسرحيين وسينمائيين وملحنين ومغنين وأطباء ومدرسين وعسكريين وسواهم من مختلف الانتماءات السياسية والقومية والإثنية، والدينية والطائفية. ممثلون من كل أطياف الوطن العراقي دعوا لوقف الحرب، دعوا للخلاص من الديكتاتورية، ودعوا لتطبيق القرار 688 وإجراء انتخابات بإشراف الأمم المتحدة. رفعوا الصوت عاليا رغم دوي قرع طبول الحرب النفسية وتضليل أجهزة الإعلام المتنوعة التي كانت توهم أن لا مفر من الحرب. ثم جاءت التظاهرة الدولية التي شاركت فيها الملايين في جميع القارات يوم 15 شباط 2003 ضد الحرب، و التي إعتبرت بمثابة بروز قطب دولي جديد يقف بوجه القطب الأوحد. تقذفها طائرات بي 1 وبي 2 ، واليورانيوم المنضب (استخدمت أمريكا 100 طن منه في حرب الخليج الثالثة). وبعضهم كان يجهر بالقول أن حتى لو كان شارون هو المنقذ من نظام صدام فسينظم له معلقة يعلقها على حائط المبكى. ومناهضو الحرب والدكتاتورية من العراقيين سعوا مع الرأي العام العالمي لتجنب الحرب، وبغية الخلاص من صدام، سعوا لتحقيق حلمهم: الحلم في إيقاف عجلة تدمير العراق، التي بدأت تؤتي أكلها منذ الثامن من شباط 1963، فانقلاب 17 تموز 1968 ، والحرب على كردستان، فالحرب العراقية الإيرانية، وإحتلال الكويت فحرب الخليج الثانية واعادة العراق الى ما قبل المرحلة الصناعية، وسنوات الحصار- سلاح الدمار الشامل الأمريكي على العراق - ثم حرب الخليج الثالثة وسياسة الفوضى الخلاقة التي أنجبت النهب والتدمير، وجاءت بجيوش المرتزقة، ومافيا الجريمة المنظمة، وفتحت العراق لمفخخات القاعدة من الحشاشين العائشين في أحضان الحور العين. إن سنوات الإحتلال الثمانية، وما جرته من دماروإرهاب، وعدم توفير الكهرباء و ماء الشرب ،و تصفية الكوادر العلمية والثقافية العاملة في العراق، وعدم الأهتمام بتوفير الفرص لعودة الكوادر من المنافي لتساهم في الإعمار، ونهب المليارات وشراء شقق ضخمة بها في الخارج، أو عقد صفقات التسلح من أمريكا بما يعادل 13 مليار دولار، وغيرها من دول العالم ،علم الله كم منها يروح حصة الرشاوي لموقعي العقود و للسماسرة ينبغي أن تفتح عيون الواهمين بالحل الأمريكي لتدفعهم مع الوطنيين الصادقين للخلاص من ثالوث الإحتلال والارهاب والفساد، لإقامة عراق ديمقراطي اتحادي، شرطه الأول تحقيق الإستقلال التام، الذي لن يكتمل ببقاء قوات أمريكية وباستمرار الإتفاقية الستراتيجية، التي تبقي القرار بيد أمريكا ، وإن كان عبر السفارة الأمريكية التي سيضم كادرها حوالي عشرين ألف من العاملين ، إضافة الى حرسها الخاص. وهل يمكن لعراق تهيمن عليه أمريكا أن يتقيد بالمادة (8) من الدستور التي تلزم العراق أن :- "يرعى .. مبادئ حسن الجوار، ويلتزم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى، ويسعى لـحل النـزاعات بالوسائل السلمية، ويقيم علاقاته على اساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل، ويحترم إلتزاماته الدولية." ولا يشكل خطرا على جيرانه، بل يلعب دورا ايجابيا في تحقيق السلام في المنطقة وفي العالم. ولكن تغيير القناعات - الأوهام، كما يبدو، يحتاج إلى محكات أشد قسوة من تلك التي ظهرت حتى الآن، كما يحتاج أيضا الى رفع الصوت عاليا ضد الأحتلال ، خاصة من قوى التيار الديمقراطي .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |