|
لم يفلح، من وجهة نظري الخاصة، أغلب من تناول بالكتابة والتحليل دراسة خطاب الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي الذي إلقاء أمام مجموعة من المؤيدين له في العاصمة الليبية طرابلس، مساء الثلاثاء 22-2-2011، في أول رد له على تداعيات ونتائج ثورة 17 فبراير الليبية التي أسقطت مدينة بنغازي بين يديها وعلى نحو فوري، وأصبحت معقل المعارضة الليبية المسلحة التي شكّلت بعد ذلك المجلس الوطني الانتقالي. فالكثير ممن تعرض لما ورد في خطاب القذافي، سواء كان ذلك كتابة عبر المقالات والدراسات التحليلية أو مشافهة من خلال التحليل في الفضائيات العربية والغربية، ركّز على جانبين فقط في خطابه...الجانب السيكولوجي في شخصية القذّافي وكيف تحكّم في سلوكه عاملان رئيسيان هما جنون العظمة وجنون الاضطهاد والتي يخلق التفاعل بينهما، بحسب أراء علماء النفس المعاصرين، نمطا معقدا ونموذجا مركبا من شخصية تتسم بالنظر لنفسها على أنها أعظم وأسمى من غيرها مع الشك في الجميع وعدم الثقة بهم. أما الجانب الثاني فكان مضمونه التندر وهدفه السخرية وغايته الاستهزاء من العبارات التي وردت في خطاب " العقيد "، وهكذا جاءت مئات النكات وعشرات الأغاني ساخرة من العبارات التي قالها القذافي وقد انتشرت على مواقع الشبكة العنكبوتية كالفيسبوك واليوتيوب والمنتديات لتؤشر، بحس تشخيصي لها، رد فعل " سطحي " لمنظمّي هذا الفديوات والنكات في النظر والتمعن فيما قاله القذافي من عبارات مثيرة وغريبة. ومن أهم العبارات التي أخذsت حيزا لها في هذا الجدل الذي ظهر بعد خطاب القذافي هو عبارة " زنكة...زنكة " التي بدأ الكثير من الباحثين والسياسيين فضلا عن عامة الشعب بالسؤال عن معناها وما تشير اليه من مضامين، وفي هذا الصدد يقول عضو اتحاد المؤرخين العرب الدكتور صالح بن سعد اللحيدان " أن الكلمة غير معروف معناها في اللغة العربية وربما مصطلح أفريقي يقصد بها المكان الذي يمكن أن يخصص للاختباء حيث إنه يفهم من سياق كلامه إنها مكان يتم الاختباء فيه ربما يقصد به مزرعة او استراحة أو أي مكان يمكن يخصص للاختباء فيه ". لكن مع هذا الراي نرى ان بعضهم قد ذكر بان لـ" زنكة "معاني في اللغة العربية ، فاالزَّنَقة ميل في جدار أَو سكة أَو ناحية دار أَو عُرْقوب وادٍ، يكون فيه التواء كالمَدْخَل، والالتواء اسم لذلك بلا فعل كما جاء في" لسان العرب". او هي مسلك ضيق في القرية كما يقول" المعجم الوسيط " أو هي البيوت في الشوارع الضيقة،او هي الزاوية اوالركن وهي المكان الصغير الذي لا يلفت الإنتباه و يكون صغير. هذا الاستقراء اللغوي، ان صح التعبير، لمعنى لفظة ( زنكة) لا ياتي في اطار البحث عن معنى المفردة من اجل السخرية منها في اغنية او ابيات شعرية تهكميه، بل ان هذا الاستقراء والبحث عن معاني هذه اللفظة يأتي ليفضح ويعرّي حقيقة مفردات المنظومة اللغوية التي تتشكل منها عقلية الحاكم العربي الطاغية، فــ( زنكة ) جاءت في نهاية خطاب القذافي عندما طالب أنصاره" المرتزقة " بقتال وتتبع ثوار بنغازي والبحث عنهم في كل " بيت بيت... دار دار.... شبر شبر ....زنكة زنكة ". هذا يعني أن الطاغية القذافي يريد لجلاوزته ان يلاحقوا الثوار من مواطنيه الليبيين " الذين رفضوه وتمردوا عليه" وهذا من حقهم الإنساني والسياسي"، ليس في ساحة الحرب والقتال فقط وإنما ملاحقتهم في شوارعهم وفي داخل بيوتهم بل في حتى الأماكن الصغيرة التي يختبئون فيها أو لا ينتبه لها احد. فالقذافي بهذا العبارات يُقدم نسخة مُفزعة للطاغية وهو يروم استئصال مواطنيه والبحث عنهم في كل مكان هم تواجدوا فيه بل حتى في " اللامكان " ان صح التعبير، فلا مجال للتسامح ولا وجود للرحمة ولا مكان للتغاضي ولا أمل لنسيان ماحصل وفتح صفحة جديدة مع أبناء شعبه الذي أذاقهم هذا الطاغية العذاب والمآسي طيلة فترة حكمه التي ناهزت الأربعة عقود. وهذا ما يجعلني انظر لـــعبارة " زنكة " وأنا ممتلئ بالأسى وغارق بالحزن على ما وصل إليه حال شعوب الأمة العربية ابّان حكم طغاتها وعلى نحو مغاير للنظرة التي استهزأت بها وتهكمت بمعناها وضلت تضحك طويلا متناسية هذا الواقع المر الذي يرسمه الطغاة من حكام العرب الذي انتهت صلاحية اغلبهم ويلعبون في الوقت الضائع. أن صناعة الطغاة ورسم شخصياتهم وقصصهم كأساطير في الدولة العربية باتت مهنة سياسية، حيث توظف الأخيرة لخدمة الطغاة عبر طرق شتى منها تصويرهم كأساطير وخرافات لا يصدقها العقل، وهو ما أوضحه أرنست كاسيرر في آخر كتاب لهم صدر بعد وفاته المفاجئة " الدولة و الأسطورة " حينما أشار إلى ظهور سلطة او قوة جديدة مخيفة في الفكر السياسي الحديث هي قوة الفكر الأسطوري.وهي سمات معروفة للطاغية العربي أو الغربي منذ أن ظهر الطغاة وتم ذكر هذا المصطلح على يد الشاعر اليوناني ارخيلوخوس عندما أطلقها على الملك جيجز ملك ليديا الذي اطاح بملكها السابق واستولى على العرش كما جاء تفصيل ذلك في كتاب " الطاغية.... دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي "" للدكتور أمام عبد الفتاح أمام.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |