|
قبل واحد وستين عاماً بالتمام والكمال كتب الجواهري الكبير المقالة التي نعيد نشرها حرفياً بعد هذه السطور المعدودة ، وفيها ما فيها من تقييمات وتنبؤات وشجون وشؤون تتحدث بكل وضوح ومباشرة عن هموم الوطن والمواطنين.. وليس عندنا ، بايما حال ، ما يمكن ان نضيفه سوى مقولة" ما اشبه الليلة بالبارحة"مع تنويه سريع اخر وهو ان صاحب المقالة كان في حينها رئيس اتحاد ادباء البلاد العراقية ونقيب صحفييها في ذات الان ... وفي التالي نص المنشورفي جريدة اتحاد الشعب بتاريخ الثلاثاء 12 نيسان 1960 : المقاييس قبل كل شيءفهل يريدون حمايتها ! بقلم: محمد مهدي الجواهري منذ مدة بدت وكأنها طويلة في هذه الفترة القصيرة من عهد الجمهورية – عاد الشعب العراقي من جديد يعيش على أعصابه، وهذا شر عيش اقتاتت به الشعوب – عاد من جديد ليجور عليها، ليكبتها، عاد من جديد ليشهد محاولات بالغة الخطورة للتلاعب بالمقاييس، وبالقيم، وبالمفاهيم، للتلاعب بها في كل المجالات. في مجال مفاهيم الحكم، وللتلاعب بها في مجال مفاهيم الحاكيمن. وللتلاعب بها في مجال مفاهيم المحكومين. وللتلاعب بها في مجال المفاهيم الفكرية والادبية والصحفية. وللتلاعب بها في مجال مفاهيم من يجب ومن لا يجب ان يودع اليهم أمر حراسة كل تلك المقاييس والقيم والمفاهيم في كل المجالات وحمايتها. ولا شيء أكثر خطورة على الكيان العراقي – وعلى كل كيان مثله – من ان تتركز فيه وبمرور الزمن مثل هذه المحاولات. ومن ان تتعمق في أذهان الجماهير ان هناك حماية لها من قوى مادية في البلد، وجدت في بلاد استقام أمرها لكي تقف في وجه هذه المحاولات. ولكي تحمي المقاييس، والقيم، والمفاهيم، ولكي تجعل ممن يتلاعبون بها عبرة بالغة لغيرهم في العقاب والتأديب. واخيرا فلكي تجتث عروقهم الخبيثة الفاسدة من اصولها، وفي كل مزارعها ومنابعها. وهنا في العراق حيث أبداً الخيرون الافضلون من كل طبقات الشعب يعيشون على أعصابهم. ويجورون عليها ويكبتون احساساتهم وعواطفهم ويخنقون آراءهم وأفكارهم بله حروفهم وكلماتهم. يخشى ان ينتهوا نهاية لا تسر كل غيور على بلده وكيانه نتيجة رد فعل من تلك المحاولات وجراء شعورهم الذي يزداد تعمقاً اليوم بعد الاخر من ان كل القوى المادية من تشريع وتنفيذ وتطبيق وسلطة ونفوذ ابتدأت هي بدورها متفرجة ويخشى ان تنتهي هي حامية لا لتدهور المقاييس الادبية والاجتماعية، والقيم الخلقية، والمفاهيم السياسية والحكمية وحسب... ولكن من ان يتولى امر التلاعب بها، ومسخها، واهانتها نفر يبدو للشعب العراقي وكأنه يدلل ممن بيدهم المقاليد لا لميزة يملكها، ولا لسمة يتحلى بها، ولا لمكانة يحتلها. ولكن لمجرد انه اداة ضارة خبيثة بيد غير الخيرين ولا الافضلين لتشويه مفاهيم الخلق والفكر والحكم والحاكمين والمحكومين. ان مجرد تركز هذا الشعور عند الشعب العراقي يكفي لتبرير مدى الخطر الكامن تحته. ولكن هناك في مظاهر التشريع والتنفيذ والتسليط في كل المجالات العملية وفي كل مرفق من مرافق الدولة، وفي كل مكسب من مكاسب الثورة بوادر خطرة ومنذرة بالويل والثبور بحد ذاتها من جهة. ولكونها تلوح من جهة مماثلة منسجمة كل الانسجام مع هذا التفلت في المقاييس والقيم والمفاهيم ومع ائتمان نفوس معينة. وضمائر خاصة للقيام بهذه اللعبة الخطرة ثم لحمايتها ولا بأس أن يكون مفهوم هذه الحماية لنفس هذه اللعبة وان اردنا بها الحماية لمن اوتمن عليها فحتى المفهوم الاول صحيح ايضا ومنطقي كذلك. هذه أكثر من لمحات خاطفة على وجه التعميم. انها في الحقيقة والواقع تشخيص دقيق لمكامن الخطر على الجمهورية، وعلى الثورة وعلى مستقبلها وحتى على حاضرها. وعلى مدى اللعبة الجريئة التي يراد لها ان تلعب على مسرح العهد الجديد، وفي هذا العصر المندفع الجديد، وبمشهد من هذا الجيل العراقي الحساس المرهف الجديد وبعد فحتم ان تكون جرأة الفاطنين الى هذه اللعبة والناقمين عليها والخائفين منها على مصائر الجموع وعلى مصائر ثورة اشتراها الشعب العراقي ببرك من دماء ضحاياه طيلة اربعين عاما. وبحقول من قبور ابنائه وشهدائه. وببخار كثيف متصاعد من النفثات والحسرات. نقول على مدى تلك الجرأة في اللعبة الخطرة يجب ان تكون جرأة الواقفين لها بالمرصاد. واكثر من مخطيء من يظن ان مثل هذه اللعبة الخطرة سيقتصر امرها على ان يكبت الناس اعصابهم تجاهها وعلى ان تتجمع نقمتهم لأمد طويل اذ يكون كل ما يكمن وراءها، وكل ما اريد لهذه اللعبة ان تكون ستارا له قد تم ووقع، اكثر من مخطيء من يظن هذا. ذلك لان العالم كله قد تبدلت مقاييس السرعة فيه اولا. ثم لأن رهافة الحس العراقي التي عملت التجاريب القاسية المريرة طيلة عهود مضت على ان تزيدها ارهافاً ووعياً وحذراً وشكاً في كل شيء هي بدورها من جهة ثانية لم تعد قادرة ان تصبر طويلاً. ولم يفت الزمن بعد على من يريد حقا ان ينتفع بالزمن من ان يعيد النظر وبسرعة كذلك لوضع المقاييس والمفاهيم والقيم في انصبتها ولاعادة تجنيد القوى المادية في الوطن والتي لم توجد في بلد استقامت اموره وثبتت مقاييسه الا لتجنيدها لكل ما يحمي كرامات الافراد والجماعات. ولكل ما يضمن أمنها وسلامتها وحرياتها لاعادة تجنيد هذه القوى لحراسة تلك الكرامات والامانات والسلامات والحريات وفي المقدمة منها حماية المقاييس الحقة، والمفاهيم العادلة، والقيم الثابتة ، فهل يريدون......!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |