الدولة الحميرية الثالثة

 

زاهر الزبيدي
zzubaidi@gmail.com

تكاثرت الشتائم في الآونة الأخيرة في بلدنا على كافة المستويات السياسية والأجتماعية والمهنية وهي بذاتها تمثل أنعكاساً طبيعياً للنظام الأجتماعي والسياسي السائدين والقابلين للانفجار في أي وقت كونهما سريعا الأشتعال .. وما نعت المعلمين بالمطايا أو الحمير إلا واحدة من تلك الشتائم التي كانت قد صدرت من وكيل وزير التربية ، المشهود له بالنزاهة وحسن الخلق، ولكني أظن أن الرجل قد "أرتفع عنده مقياس الغيرة" على التعليم في العراق فنعت "بعض" المعلمين بالحمير .. وبما إننا شعب نعشق الشتائم ونقولها بدافع المزاح أحياناً وللتعبير عن الإعجاب في أحيان أخرى ، لا نجد غرابة في تلك الشتيمة .

وعلى ذكر الحمير فقد أثبتت الكثير من الدراسات العلمية بأن الحمار من أشد الحيوانات ذكاءاً بل يفوق بذكائه الكثير من الحيوانات التي تم اتخاذها من قبل الكثير من الدول شعاراً لها ، كما أذكر في ستينات القرن الماضي في محافظة البصرة وفي حي الجمهورية بالذات أن هناك رجل أسمه "جودة" لديه دكان صغير يبيع فيه مادة الجص الخاصة بالبناء لكون الأسمنت لم يكن منتشراً في حينها وكان لديه حماراً ينقل عليه الجص لمن يريد شراءه ومهما كانت عدد النقلات التي يقوم بها هذا الحمار والمسافة إلا أن "جودة" يذهب مع الحمار مرة واحدة ويعود به ثم يقوم الحمار بالذهاب والعودة الى الدكان في المرات التالية لوحده على فرط ذكائه الحيواني !

هذا فيما يخص حمار جودة الشهير أما في يخص الحمير التي نعت بها السيد الأبراهيمي بعض المعلمين فلاريب أنها صفة لا يمكن أن نطلقها على الأنسان إلا في حالة واحدة وهي أن تختلط عليه الأمور في أن يكون رسولاً أو أن يكون حماراً .. لا بل في بعض الأحيان عندما تنعت أحدهم بالحمار فقد تكون قد أهنت الحمار نفسه .

فما رأيكم بمدرس إعدادي لا يدخل الطلاب البكالوريا إلا بكارت موبايل (10دولار) أو ذلك الذي يستمر بضغطه على الطلاب وبكل الأشكال لأجبارهم على حضور الدروس الخصوصية التي يقيمها في صف خاص به في بيته والآخر الذي يتبع كل الوسائل الممكنة في سبيل التهرب من الدوام الرسمي وتلك المعلمة التي تقسّم الكتاب الى ستة أجزاء وكل جزء تعطيه واجباً في درس واحد لتنهي المادة خلال شهر ونصف وبدون مبالات بمدى معانات الطالبات من هذا الواجب الطويل وكل ذلك لغرض منفعتها الشخصية لتبدأ بعد أنتهاء المادة بالتهرب من المدرسة حالها حال أقل طالب مهمل .. وما رأيكم بذلك المعلم الذي يطلب من الطلاب أعمال علمية ليأخذها الى بيته وما رأيكم بتلك الموظفة في تربية الرصافة التي تعامل المعلمين بالقسوة وكأنها تعامل "حمير" بل قد يشمل الحمار بقانون الرفق بالحيوان وأين منكم ذلك المدير الذي يجبر أفرد حماية المنشآة في مدرسته على الوقوف في طابور البنزين لمليء سيارته في أوقات الأزمة وذلك المدرس الذي يعكف على تأليف ملزمة يختصر فيها الكتاب الى مجموعة أوراق ويجبر الطلبة على الذهاب الى المكتبة الفلانية لشراءها .

كل ذلك فيما يخص المعلمين وقد ينتهي بنا النعت الى أناس مهنيين آخرين ، أي من مهن أخرى ، يصلح أن يطلق عليهم هذا اللقب ، مع خالص أحترامي للحمار، حينها قد نخلص في نهاية الأمر الى تأسيس الدولة الحميرية الثالثة في العراق بعد أن سقطت دولة حمير الأولى والثانية منذ عام 575 م في بلاد اليمن وحضرومت ، وعلى العموم لا أعتقد بان السيد الوكيل قد أهان أحد بكلامه فكل واحد يعرف نفسه وكما يقول المثل الي بعبه ديج يعوعي !!

مع أحترامي وتقديري العاليين لكل معلم شريف طاهر القلب نقي السريرة بذل عمرة في خدمة مهنته وأستمد من إيمانه العزيمة على مقاومة عوادي الزمن وما أنفلتت منه الأيام عن رذيلة أو شائنه .. تأريخه محفوف بالخير والحب لعمله فطوبى له من رسول .
 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com