|
لا بدّ من تفكيك نظام الاستبداد
جلال / عقاب يحيى سؤال مركزي وحيد يدور في الأذهان، ويشغل جميع السوريين والمهتمين بأحداث الثورة الثورية : وماذا بعد الانتفاض والتضحيات ؟؟... حتى الأمس القريب راهن كثير(وما زال قليل يراهن) على قابلية نظام الاستبداد للتجاوب مع حركة الشارع السوري عبر عدد من الإجراءات الإصلاحية وفق حزمة معروفة كحل وسط يفتح الطريق أمام إمكانية، أو احتمال الانتقال إلى وضع ديمقراطي تعددي.. كنوع من آمال نامت عليها السنوات، بل كتعبير عن اختلال ميزان القوى لصالح النظام، وعدم وجود أية أوراق للضغط من قبل المعارضة وهيئات المجتمع المدني والمثقفين وغيرهم تجبر، أو تدفع النظام إلى القيام بمثل تلك الخطوات.. التي يعتقد أصحابها أنها كانت توفّر على سورية، والنظام أساساً الكثير من التضحيات، والاحتمالات والنتائج . كثير غطى قناعاته وعلمه بطبيعة نظام الاستبداد وركائزه، وأكثرَ من اللوات والأمنيات، خاصة وأن ثورات الشباب ـ الشعب العربي تدفع جميع الأنظمة للتفكير الجدي بالتغيير، ولو كان عن طريق التلميع والترقيع.. لكن حقيقة الحقائق التي فقأت كل المراهنات والآمال تؤكد كل يوم : أن نظام الأحادية الشمولي، نظام الاستبداد القمعي والكل الأمني، نظام الطغمة والعائلة والمافيا، نظام القتل والترويع والتأليف السخيف والدجل المهلهل.. لا يمكنه أن يقوم بأية إصلاحات جدّية لسبب بسيط : تناقضها مع ألف باء تركيبته ونهجه ووجوده، ولأنه يعتبرها بداية الانقلاب الشامل عليه، وحينها ينبت البعبع المزروع في قاع الوعي فينطلق : قتلاً بالجملة، واتهامات معلبة للآخر، وجرجرة للفتنة.. ولما لا : الحرب الأهلية، ولما لا : استقدام الأجنبي على الطريقة القذافية .. وليكن بعدها الطوفان، وحينها يركب صهوة الشعارات الوطنية ويغرقها بالدماء التي يتعطش للسباحة فيها.. كتواصل لنهج مارس القتل المعمم في المدن السورية، و"انتصر" عبره على الشعب عقوداً، وأمّن الاستقرار الذي يتفاخر ويتاجر ويخوّف به . ولأن المعادلة السورية ظلت لعقود قائمة على طرف واحد : النظام، فإن المطالب الإصلاحية كانت تبدو سقفاً عالياً دونه التضحيات والمحاولات والبيات على لائحة الانتظار اليائس، بينما النظام يركل الحدود الدنيا ويزداد استفشاراً واستعلاءً، وفلسفات كلامية عن الظروف، ووعي الشعب غير المهيّأ للديمقراطية، والإصلاح الإداري والاقتصادي : الرهان.. ثم الغوص في التبجّح عن الشعبية، والوضع السوري المختلف عن غيره في تونس ومصر وليبيا واليمن، والجميع.. حتى كان الخامس عشر من آذار : تاريخ الشرارة الأولى لانطلاق الثورة الشبّانية ـ الشعبية السورية ومسارها المتصاعد : حجماً، وانتشاراً، وإصراراً، وتضحيات، ومطالباً . لقد تبدّلت المعادلة ودخل الشعب طرفاً رئيساً فيها، ولم يعد تاريخ ما بعد الخامس عشر كقبله.. ومع ذلك ما زال نظام الاستبداد يرفض الاعتراف بدفع فاتورة المرحلة : حقوق الشعب، وما زال رهانه الرئيس على القمع الراكب على رشّ الوعود والرشا من جهة، واختلاق الروايات الساقطة تباعاً عن جوهر ما يجري، وتكريس نهج الأحادية، والكل الأمني، وإطلاق التهديد والوعيد، من جهة أخرى.. الأمر الذي يكشف بجلاء جوهره، وعجزه البنيوي عن الاستجابة لمستحقات الثورة الشعبية. ـ إن وعود، وحتى إنهاء العمل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية، وإلغاء محكمة أمن الدولة، وما يقال عن قوانين حق التظاهر، والأحزاب والإعلام.. وما يوجد في جعبة النظام.. هي خارج السياق الطبيعي لحل الأزمة القائمة، لأن الأزمة نابعة من أسّ الأحادية والاستبداد، والاستفراد بالحكم والقرار، ومن موقع وتعدد ودور الأجهزة الأمنية الأخطبوطية، ومجمل النهج الشمولي ـ القمعي، وعدا عن أنها متأخرة كثيراً، ومجوّفة.. فإنها ما لم تتجه إلى تفكيك نظام الاستبداد جملة وتفصيلاً، بدءاً من إلغاء الأحادية دستوراً وقانوناً، ووزارة وحزباً ومجلس تهريج وتصفيق، وأجهزة أمنية عديدة، ومنظمات مليشياوية وتبويقية، وشبيحة ومرفقاتها، ووقوفاً عند القبول بعقد مؤتمر تأسيسي جامع، سيّد يضمّ كافة أطياف الشعب السوري على قدم المساواة، وبهدف : وضع دستور جديد يكرس التعددية بكل مفاصلها ومفرداتها، والتداول السلمي على السلطة، وتشكيل حكومة وطنية من الكفاءات المستقلة لفترة انتقالية محددة ..وإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، ومحاكمة القتلة والمجرمين، وعودة المنفيين وتعويضهم، ومنع الاعتقال السياسي.. وغيره من مستلزمات المرحلة الانتقالية.. ـ ما لم يتمّ ذلك فإن الطبيعي أن يصعّد الشعب ثورته ومطالبه، ومحورتها حول إسقاط النظام كخطوة لا بدّ منها لتخطي عقبات الانتقال إلى الحياة الديمقراطية . ولمنع الوصول إلى هذا المطلب الجماعي.. يعمل النظام على تنفيذ (خريطة طريق) مدروسة من قبل مهندسيه في أجهزته المختصة(قبل عدة أشهر) تظهر ملامحها عبر محاور حركته وفعله، والتي يمكن إجمالها : بالقتل المنظّم والمغطى بتركيبات خارجة عنه(مندسون ـ عصابات مسلحة ـ اختراقات ـ أصولية وسلفية....) ويمكن لهذا القتل أن يتخذ شكل مجازر متنقلة تستهدف استفراد ومحاصرة المدن والمناطق على حدة والتعتيم الإعلامي الشامل، واستخدام الظلام الدامس كي تمارس فرق الموت عملها المعهود فيسود الخوف المميت، تماماً كما فعل الأب في الثمانينات ـ وبالوقت نفسه القيام ببعض الخطوات الجزئية فيما يعتبره استجابة منه ومنّة وتنازلاً لمطالب الشعب، ومحاولة إرضاء الخواطر بلقاء مع عيّنات شعبية ورشّ الأعطيات والوعود ـ التركيز على بعبع الفتنة والحرب الأهلية، وعلى المؤامرة الخارجية وتقديم الكثير من (الوثائق) والاعترافات المرتبة لإحداث البلبلة والخلط، ومخاطبة الغرائز الوطنية، دون إغفال محاولات ما يقوم به من تجييش حزبي وفئوي، وعربي وإقليمي . ـ وإذا كانت آفاق واحتمالات الوضع السوري تحتاج إلى مقال مستقل، فمن الأكيد والواضح أن النظام لن يستسلم للإرادة الشعبية، وسيستخدم جميع أوراقه(وهي متعددة حتى الآن) لكسر وتقويض الثورة الشعبية والالتفاف عليها وفق تلك المحاولات، وما سيتفتق عن ذهن استبدادي مريض بنهج القوة، والفوقية والاستعلاء.. الأمر الذي يدفع الوضع السوري إلى عدة احتمالات.. نتمنى أن يكون أفضلها، وأقصرها، وأقلها تضحيات سقوط نظام الاستبداد على الطريقتين التونسية والمصرية، وهذا ممكن لأن جيشنا بكتلته الرئيسة هو جيش الوطن، وابن الشعب المطالب بحماية ثورة الشباب، ومنع القتل المنظم، وفتح الطريق لتطور بلادنا سلمياً في بناء دولة الجميع، دولة المواطنة المتساوية، والحريات الديمقراطية التي لا مكان فيها لإثرة الرجل والحزب والصوت الواحد .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |