|
الكويت تخنق الموانئ العراقية وتنفذ مشروعها البحري الاستفزازي
كاظم فنجان الحمامي للكويت خطوط ساحلية مفتوحة على البحر, يزيد طولها على 499 كيلومترا, أي بطول المسافة بين البصرة وبغداد, ولها موانئ تخصصية واسعة في الشعيبة, والأحمدي, والدوحة, والشويخ, والقليعة, وعندها مجموعة كبيرة من المرافئ والمراسي العميقة, لكنها اختارت أن تنفذ مشروعها المينائي الجديد في أضيق الأماكن, وتحشره حشرا في خاصرة ساحل الفاو, لتخنق الرئة البحرية الوحيدة, التي يتنفس منها العراق في هذا المكان الحساس, الذي يعترض خطوط السفن المتوجهة إلى الموانئ العراقية, وتصر على فرض واقع جيوبوليتيكي استفزازي في منطقة تعد من أحرج المناطق الملاحية في العالم, وكأنها تريد غلق آخر ما تبقى من بوابات الموانئ العراقية, وبالتالي حرمان بلد الرافدين من ارتباطاته البحرية. باشرت الكويت بمشروعها الاستفزازي عام 2005, وستنفذه على ثلاثة مراحل تنتهي عام 2016, ويشتمل على أرصفة للحاويات بطول كيلومتر ونصف, ومنطقة حرة، وقد تم ترشيح شركات عالمية مع شركات محلية كويتية لتنفيذ المشروع, جرى اختيارها بناء على قوتها والشروط التي وضعها جهاز المشاريع الكبرى في الكويت, وسيقسم العمل في المشروع إلى ثلاث مراحل حتى عام 2016. وقد تم رصد ميزانية تقديرية لتنفيذ المرحلة الأولى تبلغ 305 ملايين دينار كويتي إضافة إلى 110 ملايين دينار كويتي لتغطية تكاليف مشروع للسكة الحديد في المنطقة, وبهذا الصدد نذكر أن الكويت تحاول إحياء مشروع للسكة الحديد الذي يربط بين مدينة الكويت وبغداد وميناء أم قصر، كانت قد وقعت اتفاقا بشأنه مع العراق عام (1978) ضمن مشروع إقليمي متكامل يربط عددا من دول المنطقة مع شبكة السكك الحديد الأوربية لاحقا, ويكلف الكويت (413) مليون دولار فقط. سيستوعب المشروع في مرحلته الأولى مليون حاوية, وفي المرحلة الثانية مليون ونصف المليون حاوية, وفي المرحلة الثالثة مليونين ونصف مليون حاوية، وسوف يكون الميناء بإدارة القطاع الخاص كما هو معمول به في جميع الموانئ العالمية. تم تنفيذ المرحلة الأولى للمشروع بعقد تصميم وتنفيذ بلغت مدتها 30 شهرا, وتضمنت أيضا إعداد وتهيئة المخططات الهندسية الأولية والتفصيلية للتصميم, والمواصفات الفنية, وجداول الكميات, وتوريد المواد والعمالة والآليات, وأعمال الإنشاء والتنفيذ والتشغيل. وتضمنت كذلك أعمال الصيانة لتجهيزات الموقع ومعالجة التربة وأعمال الدفان للطريق الرئيسي الذي يبلغ طوله 35 كيلومترا ويصل طريق (خور الصَبيِّة) السريع بموقع الميناء المقترح شرق جزيرة بوبيان, بالإضافة إلى تنفيذ الجسر البالغ طوله كيلو ونصف الكيلومتر, حيث يمتد إلى الشاطئ الشرقي لخور الصَبيِّة, وصولا إلى الحدود الكويتية في منطقة أم قصر, وتضمنت أيضا تنفيذ جسر السكة الحديدية, الذي يربط الكويت بالعراق والسعودية وإيران وتركيا, وأعمال الحاجز لحماية البيئة للجزء الشمالي من جزيرة بوبيان, وتدريب المهندسين والفنيين الكويتيين, وأعمال الإدامة والصيانة. ومن الملاحظ هنا أن المشروع لم يبتعد في مخططاته عن ميناء أم قصر العراقي, وارتكز في بعض محاوره على مد خطوط السكك الحديدية صوب (أم قصر), وهذا يوضح حقيقة الرغبات الكويتية الرامية إلى الاستحواذ على كافة نشاطات النقل بشقيه (البحري والبري). وتهدف أيضا إلى تسهيل عمليات النقل والترانزيت في الكويت، إلى جانب المردودات المالية الكبيرة للكويت, كونها تقع وسط المثلث التجاري للنقل مع العراق وإيران, اما المرحلة الثانية من المشروع فسيتم البدء بها هذا العام (2011), وتستغرق عام واحد, وتشتمل على تنفيذ أعمال التوسعة, ومنها: زيادة عدد المراسي, وزيادة مساحة محطة الحاويات, بقدرات استيعابية تصل لغاية مليون ونصف المليون حاوية سنويا, وستبدأ المرحلة الثالثة والأخيرة للمشروع عام 2013 وتنتهي عام 2016, وتشتمل على تنفيذ أعمال التوسعة لزيادة عدد المراسي, وزيادة الطاقة الاستيعابية لمحطة الحاويات لتستوعب 2,5 مليون حاوية سنويا, وقد أخذت الدراسات الأولية للمشروع بنظر الاعتبار كلفة النقل إلى الميناء حيث ستكون الأسعار تنافسية جدا, واقل بخمسين في المئة من الموانئ (الأخرى). والسؤال هنا: من هي الموانئ الأخرى ؟؟ اما الجواب على هذا السؤال فقد جاء على لسان (مارك بيج ) ممثل شركة دروري للاستشارات, وهي الشركة التي كَلفتها الكويت بدراسة الجدوى لمشروع ميناء (مبارك الكبير) في جزيرة بوبيان, حيث أكد على: (((أن الدراسات أظهرت أن نشاطات ميناء (مبارك الكبير) ستقتصر على خدمة التجارة الكويتية والعراقية اعتمادا على البعد البشري العراقية الذي تتركز نسبة 68 % منه في المنطقة الواقعة جنوب بغداد, ويُعتقد أن حركة الميناء ونشاطه ستعتمد على العراق بنسبة عالية. وبينت الدراسة, التي عرضتها شركة (دروري للاستشارات) العوامل المؤيدة لبناء الميناء وغيره من المنشآت الرديفة, ومزايا الموقع والمنافسة مع الموانئ الأخرى والرسوم المقترحة. أما بالنسبة إلى العراق، فإن التوقعات في شأنه يعتريها عدم اليقين، كون هذا البلد بقي خارج المجتمع التجاري الدولي ؟؟!! «مما أضعف عملية استخدام الحاويات للنقل، كما تطورت هذه الطريقة في الدول المجاورة». بيد أن الدراسة أشارت إلى أن العراق يتمتع بقدرة كبيرة في ما يتعلق بحركة الحاويات الواردة، إضافة إلى عدد السكان الكبير من حيث التنوع الإقليمي واحتياط النفط الكبير. وقدرت الدراسة أن نسبة 80 % من السوق العراقية ستتحرك عبر ميناء (مبارك الكبير) في بوبيان، لا سيما أن الموانئ العراقية مثل أم قصر وخور الزبير يمكن أن تستوعب فقط 500 ألف حاوية سنوياً. وأوضحت الدراسة أنه تبين من الناحية الإستراتيجية أن ميناء بوبيان سيتميز بتوفير خدمات النقل لجنوب العراق ووسطه عند مقارنتها بالموانئ الخليجية الجنوبية أو المداخل البديلة على البحر الأحمر أو البحر الأبيض المتوسط))). إلى هنا انتهى كلام السيد (مارك بيج), الذي ركز على وجوب انفراد ميناء (مبارك الكبير) بالتفوق, الذي يؤهله للفوز في التسابق والتنافس مع الموانئ البديلة للموانئ العراقية, مثل: ميناء العقبة في الأردن, وموانئ طرطوس واللاذقية في سوريا, بمعنى أن الميناء الجديد سيسعى إلى نقل البضائع القادمة إلى العراق. وسيعمل على تحييد الموانئ العراقية وممارسة الضغط عليها, وهنا لابد لنا من الاستفسار والتساؤل عن الدوافع الحقيقية التي تقف وراء إقامة وبناء هذا الميناء في هذا الموقع بالذات (جزيرة بوبيان), وفي هذه الظروف الحساسة التي تمر بها المنطقة ؟؟, وما هي التأثيرات والنتائج المترتبة علي بناء هذا الميناء من النواحي القانونية والجغرافية والسياسية والاقتصادية والبيئية ؟؟, فمنشات وأعمال هذا الميناء ستؤثر على مياه العراق الإقليمية, وستؤثر على جرفه القاري وممراته الملاحية, وبالتالي على حدوده البحرية, وفي ضوء ما تقدم سنحاول هنا إلقاء الضوء علي هذا الموضوع تنبيها لاستبعاد ما من شأنه أن يضيف مشكلة جديدة للعراق وموانئه. ولكي نوضح الدوافع والأبعاد, التي تقف وراء هذا المشروع, نذكر: أن الحكومة الكويتية سارعت إلي طرح المشروع في بداية عام 2004 دون الرجوع إلى مجلس الأمة الكويتي, وذلك بعد أن أثارت تصريحات مضر شوكت من المؤتمر الوطني العراقي بشان تأجير جزيرة وربة أو بوبيان, لتكون منفذا بحريا للعراق, الذي لا يجد له منفذا مناسبا علي الخليج, والتي أثارت موجة من السخط في الكويت علي كل المستويات، مذكرة بالذي مضى، أو لنقل كادت أن تفقأ دملا مازالت مليئة بالقيح, وهكذا سعت الكويت إلى تنفيذ هذا المشروع في ظل الظروف السياسية غير المستقرة لتثبيت واقع جغرافي وآخر سياسي في منطقة خور عبد الله على حساب العراق, لاسيما إن المراقبين يميلون للتحفظ علي الجدوى الاقتصادية للمشروع. ومع ذلك فان أول ما يجذب الانتباه فيما ورد أعلاه هو الانعكاسات الخطيرة على العراق, الذي صار يعد من البلدان, الموصوفة حسب اتفاقية الأمم المتحدة لأعالي البحار, بأنه من البلدان المتضررة جغرافيا لامتلاكه ساحل جغرافي جدا محدود لا يتجاوز طوله (29) ميلا بحريا أي (57) كيلومترا يبتدء من ( رأس البيشة ) ولغاية أم قصر, في حين تقلصت المسافة بين الحدود الزاحفة لكل من ايران والكويت الى أقل من 18 ميل بحري, الأمر الذي نجم عنه تكدس المواني العراقية (الأسمدة، النفط, الحديد, والصلب,والبتروكيمياويات, والبضائع العامة) في منطقة واحدة محدودة وضيقة, علما إن المسطحات البحرية المشتركة, بين العراق والكويت وإيران, لم تخضع بعد لاتفاقية مشتركة بين الدول الثلاث, حول استغلال الجرف القاري, والمنطقة المتاخمة, والمنطقة الاقتصادية الخالصة, إضافة لمناطق الصيد والتجارة البحرية لما تمثله كل تلك العناوين من موارد لا تستنزف بسهولة, ولتداخل هذه المناطق فيما بينها بالنسبة لكافة الدول الثلاث سيكون من الضروري السعي المشترك لاستغلالها في صالح الجميع, والحقيقة إن بناء مشروع بهذه الضخامة ستكون له تأثيرات سلبية ضارة على الاقتصاد العراقي بشكل مباشر, والتي نبينها بالنقاط الآتية: ــ · إصابة المواني العراقية الواقعة شمال خور عبد الله بالشلل التدريجي بعد تنفيذ المشروع, وبالتالي فقدان الموانئ العراق لتعاملاتها المعتادة مع خطوط الشحن البحري العالمية, وفقدان آلاف الأيدي العاملة العراقية التي تعمل في تلك الموانئ أعمالها. · إن الامتدادات الناجمة عن أرصفة هذا الميناء الاستفزازي حسب مراحل المشروع, سوف تلحق الضرر الأكيد بمساحة الجرف القاري العراقي الذي لم يتم تحديده أو الاتفاق عليه لحد الآن. · أن المضايقات التي قامت بها زوارق الدورية الكويتية ضد السفن الماخرة في خور عبد الله والمتوجهة إلى الموانئ العراقية تدل على نية الحكومة الكويتية بفرض رسوم على مرور السفن العراقية أو المتجهة إلى الموانئ العراقية. · أن عمليات الحفر والردم, وإنشاء السواتر الخراسانية في خور عبد الله سوف تلحق الضرر بالثروة السمكية في المياه الإقليمية العراقية, والتي تعتبر مصدر رزق آلاف العراقيين من سكان المناطق الجنوبية. · إجهاض مشروع ميناء العراق الكبير، وجلب استثمارات وأموال عربية وأجنبية لتوظيفها في جزيرة بوبيان لكي لا تكون مصالحها مهددة في حال مطالبة العراق مستقبلا بعائدية الجزيرة له، وبالتالي مواجهة تلك المطالب. · أن الأضرار التي ستلحق بالبيئة من جراء الفضلات الناجمة عن المشروع, والسفن الراسية فيه, أو من المشاريع الخدمية المزمع إلحاقها بالميناء, مثل مصنع الألمنيوم الذي طرح في مؤتمر (عربال للألمنيوم) الذي عقد في صيف عام 2005 في دبي, بطاقة تتجاوز المليون طن, وقال (محمد علي النقي), الأمين العام للسكرتارية الدائمة لمؤتمر الألمنيوم للدول العربية (عربال)، إنه يعتقد أن أنسب موقع للمصنع المقترح هو جزيرة بوبيان. لأن هذا الإنتاج يحتاج إلي الكثير من الماء والطاقة, ويحتاج لمكان مخصص لتصريف الفضلات الناتجة عن التصنيع، وكل هذه العوامل متوفرة في جزيرة بوبيان. · أن هذا المشروع سيشعل فتيل مشكلة جديدة مفتعلة بين الجارين الشقيقين العراق والكويت، هذا بالإضافة إلي الأضرار البيئية, التي ستنجم عن المشروع. أن دعم العراق وتامين خروجه من أزماته, الموروثة والمستوردة والمستحدثة, ستكون هي الضمانة الحقيقية لاستقرار المنطقة وازدهارها, وذلك عن طريق توجيه استثمار رأس المال الكويتي والعربي في العراق خصوصا فيما يتعلق بمشروع من هذا القبيل, وان الإسهام الأخوي في إنشاء ميناء العراق الكبير في شبه جزيرة الفاو, حيث منطقة المملحة الواقعة على الضفة الشرقية لخور عبد الله, سيعزز العلاقات والأواصر الأخوية, ويقوي الروابط الاقتصادية المشتركة بين البلدين, ويفتح مجالات واسعة لتشغيل الأيدي العراقية العاطلة عن العمل, ويكون ضمانة أكيدة لطي صفحة العلاقات المتوترة بين العراق والكويت, ختاما نقول: إن التداول والتنسيق والتباحث الأخوي المخلص والبناء بين المسئولين في البلدين حول هذه القضية سيكون لمصلحة الشعبين الشقيقين بكل تأكيد.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |