|
د. صالح بكر الطيار بدأت البحرين تلملم انفاسها وتستعيد وضعها الطبيعي وتعيد الحيوية لمؤسساتها وقطاعاتها بعد موجة عارمة من الفوضى استمرت عدة اسابيع وكان من نتيجتها سقوط عشرات القتلى والجرحى من المدنيين والعسكريين إضافة الى الحاق خسائر فادحة في اقتصاد البلاد . وكانت البحرين قد شهدت حركة تظاهرات شعبية للمطالبة بالإصلاح في مجالات محددة ذات علاقة بالواقع المعيشي ولكن سرعان ما تم استغلال هذه التحركات من قبل بعض القوى الداخلية والأقليمية وتم توجيه التحركات نحو المطالبة بتغيير النظام الأمر الذي كشف عن خلفيات سياسية وأمنية خطيرة كان من الممكن لها ان تطيح بكل مقومات البلاد . ولوحظ في البداية ان قادة البحرين كانوا متجاوبين مع المطالب الإصلاحية وكانوا يدعون قادة المعارضة الى جلسات حوار هادئة وبنَاءة وموضوعية والتي حققت الكثير من الخطوات الإيجابية ، ولكن يبدو ان ما تم انجازه قد تعارض مع مخططات البعض فكان اللجوء المفاجىء الى الترهيب والعنف وأستخدام السلاح والتكسير وتعطيل مرافق الدولة وأحتلال مناطق وعزلها عن الدولة الأم ، كما تمت السيطرة على مؤسسات انسانية ورسمية وإجتماعية وتحويلها الى مقرات للتخطيط والتنفيذ . وبدأت في نفس الوقت تظهر ملامح تدخلات اقليمية استهدفت استغلال الواقع وتجييره بإتجاهات أخرى الأمر الذي لم يعد يهدد امن واستقرار البحرين فقط بل كل دول الخليج العربي . وهنا كان لا بد من استعانة دولة البحرين باشقائها من دول مجلس التعاون الخليجي وطلب يد المساعدة العسكرية لإعادة ضبط الأمور . وجاءت الاستجابة الفورية من دول المجلس لطلب البحرين بالدعم العسكري، وما سبقها من دعم مالي خليجي كبير للمملكة، لتؤكد أن دول المجلس مصممة على استكمال الوحدة الخليجية، وأنها باتت أكثر اقتناعًا بأن الوضعين الإقليمي والدولي يمثلان معطيات مهمة في صنع القرار، وأن بقاء الأوضاع القائمة ليس في مصلحتها، وأن انفراط عقد هذا المجلس من شأنه أن يجعل دوله عرضة لحركة استقطاب قوية من قبل أطراف إقليمية نشطة، وأنه لم يعد بإمكانها النظر للمستقبل منفردة، ولو تصرفت في أحيان كثيرة عكس ذلك، فمستقبل كل دولة أصبح متعلقًا بالأخرى إلى درجة أصبحت مصيرية. وأستند دخول قوات من درع الجزيرة إلى البحرين، والذي حرص مجلس التعاون على تأكيد أنه تدخل أمني وليس عسكريًا، على رصيد متراكم من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية بين دول المجلس، وما استقر عليه مسار هذا التعاون خلال ثلاثين عامًا، وانطلاقًا من مبدأ وحدة المصير وترابط أمنها، وفي ضوء المسؤولية المشتركة لها في المحافظة على الأمن والاستقرار التي هي مسؤولية جماعية، باعتبار أن أمن دول مجلس التعاون كل لا يتجزأ . ولا يعني تدخل هذه القوات فرض سيطرتها على البلاد، بل ستعمل تحت سيطرة القوات الوطنية في البحرين، وفقًا لاتفاقيات مجلس التعاون الخليجي، التي تنص على أن "أي قوة خليجية تدخل إلى دولة من دول المجلس تنتقل قيادتها إلى الدولة نفسها"، كما ستعمل قوات درع الجزيرة في البحرين على تأمين المنشآت والمؤسسات الحيوية في البلاد، خوفًا من بطش المخربين بها، وأن تترك مهمة التعامل مع مثيري الشغب البحرينيين للقوات الوطنية، حتى لا تحدث أي فتنة أو أزمة. وبذلك امكن اعادة الأوضاع امنياً الى نصابها وتم وضع حد نهائي لعملية الفوضى التي كانت سائدة وعاد المواطنون الى ممارسة اعمالهم وأشغالهم وأعيد فتح المؤسسات الرسمية والخاصة . ولقد بلغت خسائر الاقتصاد حوالي 550 مليون دينار بحريني (1.4 مليار دولار) نتيجة انخفاض نسبة الأشغال في الفنادق مما يزيد على 90%؛ وإلغاء سباق "الفورمولا -1" الذي يضخ في دورة الاقتصاد البحريني 600 مليون دولار سنويًا، كما يستقطب سنويًا أكثر من 40 ألف شخص، وهو ما مثل ضربة لهذا القطاع، وانخفاض سعر الدينار نتيجة الضغط على شراء الدولار من قبل المستثمرين من أجل التخارج من الاستثمارات السائلة، وارتفاع تكلفة تأمين ديون البحرين السيادية ، وهبوط أسعار الصكوك البحرينية المقومة بالدولار والتي تستحق في عام 2014 إلى أدنى مستوى لها منذ مارس 2011/ اذار،وانخفاض القيمة السوقية الإجمالية لبورصة البحرين بنحو 100 مليون دينار في يوم واحد، وهو يوم 20 مارس / اذار ، وعزوف الناس عن الشراء (عدا المواد الغذائية والوقود) ،وإصابة ما بين 80 – 90% من قطاع الصناعة بالشلل؛ وتراجع مبيعات رجال الأعمال البحرينيين في قطاعي التجارة والصناعة إلى نسب تتراوح بين 40 – 60%، بعد أقل من ثلاثة أسابيع من الأحداث ، وتوقف قدوم الاستثمارات الأجنبية التي يحتاجها الاقتصاد لتنويع قاعدته وإتاحة المزيد من فرص العمل، فالمستثمر يحتاج بيئة استثمارية آمنة مستقرة نشطة، وأصيب قطاع النقل البري بالشلل التام حيث تقدر خسائره بنحو 84 ألف دينار يوميًا أي نحو نصف مليون دينار في الأسبوع ، وتراجعت مبيعات العقارات بسبب الظروف المضطربة ، وتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي للبحرين هذا العام إلى 3.4% ، وتراجع الإيرادات الحكومية . وليس من باب المبالغة القول ان ما خسرته البحرين خلال ايام قليلة قد تحتاج الى عدة اشهر من اجل استرجاعه . ولكن المهم ان تبقى الأجواء الهادئة سائدة وأن تتوقف التدخلات الخارجية وان لا يتم السماح للأخرين بالتعامل مع البحرين وكأنها حقل تجارب .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |