أبداً شعبنا ليس طائفياً ..

لكن (( من في ظهره مسلّة توخزه)) ..

                                                                   جلال / عقاب يحيى 

عجيب أمر، وعقل، ونهج حكّام الاستبداد، وأعجب منهم منطقهم وخطابهم التعبوي وتلفيقهم المهترئ كهُمْ، بل وفضحهم لأنفسهم وما فعلوا عقود تأبيدهم، وما دمّروه من أسس الدولة والمواطنية، وما موضعوه من أمراض وقنابل موقوتة يستخدمونها عند الحاجة ...

اليمن المحكوم منذ عقود بيافطات الثورة والجمهورية يكشف النظام أوراقه عن بنية قبلية أين منها أيام الإمام أحمد والبدر، والقذافي صاحب الجماهيرية العظمى، وأبو النظرية الثالثة الخارقة يتبعثر بين رمال القبائل وحدود المضارب..  والنظام الخارق، المحبوب جداً، والمحصّن بالشعارات الكبيرة، والتعايش الرهيب الذي تحقق علي يديه يغرق في أول شبر ماء، وإذ بالماء مستنقعه الذي يغرف منه لتلويث أصالة وتحضّر وطبيعة الشعب السوري، وإذ بالورقة الطائفية درع الدجل، ومطيّة الفجور، وإذ بمستشارة المستشارين وهي تفيض رعباً وحقداً تنضح من بئرها العميق لتشويه جوهر الانتفاضة السورية ومطالبها، والتحصّن في قلعة مهترئة لم يعد أحد قابل على الاقتناع بأنها الستر، والامتطاء .

أبداً لم يكن شعبنا السوري بكل أديانه، ومذاهبه وقومياته وأطيافه السياسية ونخبه أسير المحنّط الذي يلوّح به النظام كلما تأزم، فهذا الشعب الحضاري، المتعدد الأديان والقوميات والمذاهب والاتجاهات أكثر حرصاً، وأكثر وعياً لوحدته الوطنية، وأكثر قدرة على تجاوز هذا السجن الانغلاقي، وقد مارسها عملاً، وليس دجلاً كأهل النظام، وتكرر ذلك في بيانات ومواقف وخطاب جميع القوى السياسية إلى درجة الابتذال أحياناً، وإلى درجة التصنّع والمجاملة القصدية الساذجة أحياناً أخرى انطلاقاً من وعي وإدراك موقع اللحمة الوطنية في دولة المواطنة والحريات العامة، وحق الجميع بالاعتقاد وممارسته بالطريقة التي يكفلها القانون في النظام الوطني الديمقراطي الذي يحقق المساواة والعدل بين جميع المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والدينية والمذهبية والعرقية وغيرها، وبتعميق أساس المواطنة كانتماء لدولة واحدة .

هذا هو جوهر مضمون الثورة الشعبية السورية، وملتقى جميع مشاربها وفئاتها، وقاسمها المشترك، وصمّام أمنها وأمانها، بل وسرّ قوتها وقدرتها على انتزاع الحقوق، وإحداث التغيير المأمول، وهو مضمون يشارك في صياغته وصناعته كل الشعب ومن مختلف المشارب، وفي مقدمهم المناضلين الصلبين من الطائفة العلوية التي يرفض أغلبهم أن تكون قيوده وحدوده، وانتماؤه وخياره .

لن نحتاج إلى فتح الدفاتر العتيقة التي يعرفها شعبنا عن الجهد المحموم للنظام الأسدي في تمزيق اللحمة الوطنية باختراق واختراع البعبع(الخوف من الآخر) وتصديره والتلويح به كلما لاح أفق تغيير، وكلما تأزّم وضعه، ولا الموضعات الطائفية الواسعة في مفاصل الأجهزة الأمنية والجيش والمواقع الحيوية، وعموم النظام الذي أقامه على جثة الحزب والقيادة الجماعية، والمشروع الوطني بقيادة الدكتور الشهيد نور الدين أتاسي الأمين العام للحزب ـ رئيس الدولة، ولا مجموعة السياسات التي اعتمدها في تجييش الوضع الاجتماعي باتجاه الانقسام العمودي واللعب به شرقاً وغرباً، وفي جميع الاتجاهات، واستغلال أحداث الثمانينات من القرن الماضي لتنصيب نفسه حامي حمى الطائفة العلوية، وإيهام البعض من البسطاء أن مصيرهم من مصيره ومرتبط بوجوده، وبثّ الخوف في أوساطهم الفقيرة من الآخر (السني)، والآخر غير العلوي( الذي سيبيدهم على الهوية لو ارتخت القبضة الأمنية)، وتسليح بعضهم وحشدهم تعبوياً ..

في الوقت الذي كان يعتقل فيه ويغتال، ويصفّي ألاف الرفاق والمناضلين المحسوبين على الطائفة العلوية، بدءاً باغتيال اللواء محمد عمران، ووقوفاً عند كوكبة رفاقنا، أعضاء القيادتين القومية والقطرية، وقادة النظام الوطني الذي اغتاله الأسد بانقلابه(التصحيحي)، وفي مقدمهم الشهيد المُغتال بخبث وتخطيط مكين : اللواء صلاح جديد، الأمين العام المساعد للحزب، والعديد من رفاقنا رايات الوحدة الوطنية، كالرفيق كامل حسين، وعادل نعيسة، والدكتور المهاجر قسراً إبراهيم ماخوس، ومجموعة الضباط الذين سرحوا لوقوفهم ضد سياساته، والذين عرفوا السجن الطويل والعذاب المميت، والملاحقة والحرب بلقمة العيش، ومنهم اللواء شفيق عبدو، واللواء المرحوم عزت جديد والعميد علي الشمالي، والضباط : صلاح نعيسة، ومنير العلي، ومحمود جديد(المهاجر قسريا والملاحق)، وكاسر محمود وعلى غانم وهلال رجب، وأزدشير حيدر، ويوسف نعيسة، والقائمة طويلة تضم العشرات .

وعلى صعيد المواجهات الطويلة لنظام الاستبداد، وعلى طريق التغيير الجمعي.. قدّم الآلاف من الرفاق والأصدقاء والأخوة حياتهم وعمرهم في سبيل حرية ووحدة بلدنا، وتحفظ الذاكرة ملايين الصور والوقفات البطولية لرفاقنا.. أذكر منهم الرفاق : المرحوم أحمد درويش ـ المرحوم مالك حسن ـ منذر خدام ـ يحيى عزيز ـ جهاد نعيسة ـ يوسف سلمان ـ أحمد طرّاف ـ بهجت مرهج ـ  يوسف عبد الحميد ـ أحمد منصور ـ آصف شاهين ـ إسماعيل محفوض ـ فؤاد نعيسة ـ أحمد يوسف ـ حسن نعيسة ـ ممدوح عدوان ـ هاني الراهب ـ حيدر حيدرـ عارف دليلة والآلاف من الرفاق الذين أمضوا سنوات طويلة في المعتقلات، وغيرهم من الذين يسهمون في قيادة وتخصيب التغيير،  والأصدقاء الرفاق الكثر الذين أمضى كثيرهم أكثر من عقد ونصف في السجون، بينما اضطرّ البعض للهجرة القسرية كحال الرفاق منذر ماخوس ومنذر إسبر وتوفيق دنيا، والقائمة طويلة، وكذا الأمر في آلاف الرفاق من حزب العمال الشيوعي، وحزب الشعب الديمقراطي، وفي عموم القوى السياسية، وهيئات المجتمع المدني، وفي حراك المثقفين ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان  ..

الإشكالية الطائفية ليست أبداً في شعبنا بكافة طوائفه، وإنما فيمن يستثمرها ويوظفها لمصالحه، وفيمن يريد اليوم تصديرها للتأجيج والتشويه والتفتيت، واختراع القصص فيها لتضاف إلى الحكاية المحبوكة عن المؤامرة والاستهداف القصدي المسبق للنظام.. والعجيب أن النظام الذي ذبحنا بأغانيه عن التقدّم والوحدة الوطنية الأنموذج والمنارة المشعّة والتقدمية.. يخترع منذ اليوم الأول، كما هو شأنه في اختراعاته الأخرى، بعبعاً لاستثماره في معركته مع الشعب السوري الآخذ في تحطيم جدران مملكة الرعب، وتهشيم أقانيم الدجل كي يلطّخ وجه سورية الشعب، وكي يغسل جرائم القتل التي يرتكبها يومياً بحق شبابنا من مختلف المناطق والاتجاهات والألوان .

نحن لا ننفي حق الناس في اعتناق ما يشاؤون، والمذهبية نتاج تاريخ طويل، واختيار الناس لمعتقداتهم أمر بدهي في إطار حرياتهم، كما أن الطائفية بمعناها الروحي، والاجتماعي واقع قائم ولا يطالب أحد بإزالتها، لكن استخدامها، وتحريش الغرائز بوقعها، واستنفار الخلايا النائمة لبعض البسطاء، أو المعبّأين من النظام ومن بعض العقول الحاقدة، الضيّقة الأفق والصدر.. إنما الهدف الواضح منه طمس الجريمة الحقيقية : جريمة النظام في قتل الشباب المتظاهر، وتشويه وجه الانتفاضة السورية ومحاولة تلطيخها بالأسود.. كما كان لباس وقلب ووجه السيدة بثينة شعبان ..

شعبنا أبداً لن يغرق في أحابيل النظام، وهو يعي بحسّ عفوي موقع الوحدة الوطنية : قلب القلب، وشريان القادم، ولن ينجرّ إلى من يريد حرف الاتجاه، وصرف الأنظار عن الاتجاه الرئيس : معركة التغيير في سبيل إقامة النظام الوطني الديمقراطي . نظام المواطنة والانتماء لوطن يفخر شعبه به وبرقيه الحضاري . النظام الذي سيبنيه أبناؤه من مختلف الأطياف والأعراق والأديان والمذاهب، والمؤهل وحده لصون الوحدة الوطنية، واقتلاع الاحتراب وإرث التخلف الجاهل . النظام الذي يقرر الشعب فيه مصيره، ودستوره، ونوابه ورئيسه عبر انتخابات تنافسية مباشرة، ومن خلال تكريس التداول السلمي على السلطة واشتلاع جذور وعقل ونهج الاستبداد، والكل الأمني، وممالك الرعب والنهب ..

    وإذا ما حاول البعض، هنا وهناك، أن ينفث سموم الطائفية المجرثمة، أو أن يوظفها سنداناً لحماية وجوده.. فإن شعبنا بكل نخبه وأطره وفعالياته . بكل زخم شبابه العصري. بروح الحرية التي تسكنه. بحقوق المواطنة التي يتقدّم الصفوف لأجل انتزاعها.. سيقبر دعاة وتجار الطائفية من أية جهة جاؤوا، وسيعرف كيف يعزز، ويحمي وحدته الوطنية الراسخة ويرتقي بها فوق التماتم والكمائن والتدليس .

فاطمأني أيتها المستشارة ومن معك.. لن يستطيع أحد إدخال شعبنا إلى المستنقع ..

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com