ا
لفنتازيا رداءً للتثوير في التجربة القصصية عند محيي الدين زنكنه
 

 


 د.سناء الشعلان/ الجامعة الأردنية/ الأردن
selenapollo@hotmail.com

 

تمهيد:

يقدّم المبدع محيي الدين زنكنه في مسيرته القصصية الطّويلة تجربة إبداعية مفتوحة على رصيد عملاق من التأويلات والانزياحات والرؤى التي تؤسس لطرح إشكالات فكرية تستفزّ مخيال المبدع والمتلقي،وتتمخّض عن رؤية قصصية تدين لمعطيات واقع زنكنه،ولتجربته الإنسانية الخاصة التي تنبثق من ذاته،لتصبح امتداداً لواقع الجماعة المعاش لعدد من عقود العذاب والحرمان والاستبداد.
والدعوة إلى الثورة على كلّ قوى الظّلم والاستبداد والشّر والطغيان هي من أهم الثيمات الكبرى التي تنتظم وفقها تجربة زنكنه القصصية الذي يتدثّر بالسّرد الفنتازي بشقيّه الغرائبي والعجائبي من أجل الاضطلاع بعملية التنوير التثوير بغية الكشف عن سقوط الظلم وتهاويه وزيفه في إزاء عدالة البحث عن واقع ينبض بالحرية والإخاء والعدل الذي يقدّم الصورة المنشودة للوجود البشري في المعمورة.وهو يصرّح في معرض حديثه عن ملابسات نشر قصته"اللات والعزّى"عن اتجاهه للدعوة إلى الثورة،ومجافة الصّمت شأنه شأن الكثير من الكتاب العراقيين الذين لم يصمتوا على الرّغم من صرامة الظّروف التي حاصرتهم إبّان عدّة عقود في العراق،إذ يقول في تعليله لنشر قصته بعد حبسها زمناً طويلاً عن النّشر:"فإنّني لا أفعل ذلك حبّاً في نشرها حسب،وإنّما أيضاً دليلاً ووثيقة على أنّ الأقلام العراقية،وبالرّغم من القسوة التي أحاطت بكلّ شيء لم تركن إلى السّكون،ولم تختبىء في الحيوب" (1)
إطلالة على الفنتازيا:

عندما نتكلّم عن الفنتازيا في الأدبيات السّردية ؛فإنّنا نتكلم ابتداء عن حضور السّردين العجائبي والغرائبي في هذه الأنساق الإبداعية أكانت شفوية أو كتابية،وسواء أكانت ذات طابع ديني أو أدبي خالص.ووقفة سريعة على المعاجم العربية تقودنا إلى أنّ من تلك العلائق التي يؤسسها المعجم بين كلمتي ( الغريب و العجيب ) وما يحاذي مدار فلكهما من كلمات مثل الخارق والمعجز والتردّد والشّك والخوف ، تؤسّس هاتان الكلمتان شبكة دلالية واحدة تنبثق من الخروج عن المألوف والقاعدّة ، واتبّاع الاستثنائي والشاذ في بنية تلوّح إلى امتصاصهما من صيغة اللفظة المفردة والجملة ، وإفرازهما من جديد في بنية النصّ المتكامل ، والحدث الذي يلد أحداثًا من جلدته .(2)

ويشبّه فورستر رواية الخوارق في بعدها عن الواقع بالطائر وظله . فكلّما أرتفع الطائر إلى الأعلى قلّ الشبه بينه وبين ظله ، كذلك مؤلف الرّواية ، كلّما أفرط في الابتعاد عن الحقيقة ،والإفراط في الخيال،قلّ التشابه بين ما يرويه وبين الواقع .(3)

والفرق بين رواية عادية وأخرى غرائبية أنّ الروائي –من النوع الأوّل – يكتب روايته ولسان حاله يقول :- هاهو ذا شيء قد يحدث في حياتكم ، في حين أنّ كاتب النوع الثاني يكتب وكأنّه يقول :- هذا شيء لا يمكن ان يحدث . ومع ذلك فهو يتوقع من القرّاء أن يتقبّلوا كتابه ويستقبلوه ، حتى لو تضمّن أشياءً مستحيلة ، من نوع تأخر ميلاد طفل عدداً من الأشهر،أو مشاركة الأشباح للشخوص، أو ظهور ملاك بين الشخصيات ، أو أي شيء آخر .(4)

وهذا التضمين للأشياء المستحيلة يخلّ بالعناصر الأساسية التقليدية المكوّنة للرواية أو القصّة القصّيرة ، فيخرجها إلى جنس آخر وهو( العجائبيّ والغرائبيّ ) . وهذا الإخراج يعدّ حسب الثقافات والعصور تقصيراً مذموماً أو فضيلة يرحب بها(5) وان كان البعض يراه تأكيدا للقاعدة التي خرقها و خرج عليها ، لأنّ ذلك الخروج يستدعي الانتباه إليها ويبرزها بكلّ جلاء ويضع الإصبع عليها.(6)

وقد تسلّل هذا النزوع إلى فنون الإنسان جمعاء من نحت ورسم و أساطير وحكايات.أمّا الرّواية فقد غدا الخيال بها إلى عوالم أخرى ، "فهناك في الرّواية أكثر من الزمن أو الأشخاص أو المنطق أو أي من مشتقاتها وحتى أكثر من القدر . وبعبارة أدق لا أعني شيئًا يستثني هذه العوامل ولا حتى يضمها أو يحويها بل شيء يقطعها مثل شعاع الضوء الذي يرتبط معها في مكان واحد وبصبر يلغي كلّ مشاكلهم ، وفي مكان آخر يقطعهم . شعاع الضوء هذا هو الخيال" (7)

وهذا الخيال يكاد لا يبرح أي عمل أدبي إذ إنّ أي عمل أدبي هو بناء خيالي وإن اكتسب معطياته من الواقع . ولكن هذا الخيال ينـزع إلى أي نوع آخر عندما يفكّ العُرى بين الواقع واللاواقع ، ويشكلّ عالماً مغايراً أو مفارقا ًللعالم الذي نعرفه ، عالماً عجائبياً أو غرائبياً أو مزيجاً مثيراً من العالمين . وهو من بداية القصّة يتخلى عن عالمه الواقعي ويدخل عالماً آخر مسلماً بقوانينه ومنطقه . ففي حكايات الجن لا يثير حضور الجني وعمله وطاعته

لمالك القمقم استغراب شخصيات القصّة ولا قرّائها،بسبب تواطؤ القارئ مع من يخالف منطقه ، وتخلّيه مؤقتًا عن حسّه النقدي ، وقبوله بدخول اللعبة الفنية . ومما يساعد على هذا التواطؤ أنّ القارئ يستسيغ العودة إلى تصورات الطفولة التي سبقت اكتساب التفكير العقلاني.(8)
فجنس العجيب أو العجائبيّ : يتحدّد إذا قرّر القارئ أنّه ينبغي قبول قوانين جديدة للطبيعة، يمكن تفسير الظواهر بها .(9)" فالعجائبيّ هو التردّد الذي يحسّ به كائن لا يعرف غير قوانين الطبيعة فيما يواجه حدثاً غير طبيعي حسب الظاهر" (10). أمّا جنس الغريب أو الغرائبيّ : فيكون إذا قرّر القارئ أنّ قوانين الواقع ( الطبيعة ) تظلّ سليمة وتسمح بتفسير الظواهر الموصوفة . (11)

فعندما يقرأ القارئ رواية تتعامل مع أشباح تنتهك حياة الناس ، وتحولها إلى شقاء ، فهو يشعر بالخوف ، والخوف "مبدأ القصص الخارقة ، و من الدارسين من لا يحكم على القصة الخارقة من خلال مقاصد كاتبها ونسيج حبكتها بل من خلال قوة الانفعال التي تثيرها في قارئها .. فالقصّة تكون خارقة إذا ولّدت لدينا الإحساس بالخوف العميق"(12). وعندئذٍ يتردّد : أيقبل هذا العالم الذي لا يشبه عالم الواقع أم يرفضه . فإذا تبنىّ ذلك فقد دخل في العجيب أو العجائبيّ. أمّا إذا قرر أنّ هذه الأحداث مع الأشباح لم تقع فعلاً ، كأن تكون ثمرة تخيلات غير منضبطة : أحلام ، عارض نفسي ، هلوسة ، أو أنّ وقوعها تم نتيجة صدفة أو خدعة أو سرّ مكتوم أو ظاهرة قابلة للتفسير العلمي ، فإنّه يكون دون شكّ قد دخل في الغريب أو الغرائبيّ.(13)

فطالما قرّر القارئ أنّ قوانين الواقع غير ممسوسة وتسمح بتفسير الظواهر الموصوفة ، قلنا إنّ الأثر ينتمي إلى جنس : الغريب . وبالعكس إذا قرّر أنّه ينبغي قبول قوانين جديدة للطبيعة مفسرة من خلالها،دخلنا عندئذ في جنس العجيب.(14)

فالتردّد بين تفسير طبيعي وآخر فوق طبيعي في تفسير ظاهرة غريبة هو ما يخلق الفعل العجائبيّ(15)."ويخلق حضوراً لشيء نسميه الجو العجائبيّ ، واللغة العجائبيّة … وغيرها ، وكلّها تتطلب التأويل مادام الأدب بطبيعته ، معطى للتأويل على الدوام ) (16) . فالعجائبيّ كلّه قطيعة أو تصدع للنظام المعترف به،واقتحام من اللامقبول لصميم الشرعيّة اليومية التي لا تتبدّل " (17)

الفنتازيا والثورة في قصص محيي الدين زنكنة:
الثورة عند زنكنه شريفة مقدّسة لا تعرف النّفاق أو المداهنة،ولذلك قد يثور المرء على نفسه إن وجد فيها ظلماً وإفساد ،فنجد العم إبراهيم في قصة " القوقعة" يثور على نفسه،ويقرف منها بعد أن تورّط في قتل فرهاد وسفين؛ لأنّ أحدهما أحبّ الآخر(18)،وخرجا عن رغبة الأب الطاغية في منع هذا الزّواج،وهذا العشق المقدّس الذي انتهى بالزّواج بعد الهرب بعيداً عن الأسرة.

فبعد أن عاش العم إبراهيم سنيناً طويلة متورطاً بالقتل والفتك والنّهب لصالح سيده ووليّ نعمته آغا القرية التي لجأ إليها بعد أن جاءها هارباً من قريته الكردية المحاذية للحدود التركية(19) ،أيقن في لحظة استيقاظ ضمير أنّه خائف من كلّ أعماله الشّريرة(20)،ومن نبوءة خورشيد أفندي الذي قال له في يوم:"ستموت أنت الآخر يوماً ما،والأرجح سوف يقتلك أحدهم،فالدّماء التي تسفكها،والأرواح التي تغدر بها،لن تذهب هدراً،وإذ ذاك لن يجديك الآغا ولا نفوذه ولا أمواله فتيلاً".(21)

وفي لحظة مكاشفة نفس،وتطهّر من خطايا النّفس عبر الاعتراف ،يقول العم إبراهيم لربيبه حسن ابن الآغا:" يخيّل إليّ أنّه ليس ثمة بقعة في الأرض،إلاّ وبين طياتها ضحية من ضحاياي،آه لقد أسرفت،أسرفت وتماديت،كثيراً كثيراً جداً".(22)،ومن ثم ينحاز للتوبة والتطهّر من الخطايا،فيلقي سلاحه،ويهجر سيرته الدمويّة،ويركن إلى نهاية غرائبية تكسر حاجز المتوقّع،إذ ينهي مسيرة الدّم بالدّم،ويستسلم لنبوءة خورشيد أفندي إذ ينتهي قتيلاً،ولكن على يديه،فيضع حداً لحياته بإطلاق الرّصاص على نفسه.(23)

وهذه الثورة على النّفس التي تنحاز إلى السلوك الغرائبي تختلف عن تلك النهاية المتوقّعة للسّد في قصة " السدّ يتحطم ثانية"،فمختار القرية الذي يتآمر مع الغريب من أجل إرواء مزارعهما وحرمان مزارع أهل القرية من حقها بالماء والإرواء (24) يخفق في أن يسكت ثورة أهل القرية على ظلمه،ويهزم أمام إرادة أهل القرية التي أزالت السّد المانع للمياه عن مزارعهم،وهو رمز ظلمهم وقهرهم،"فاندفعت المياه،لتغمر المزارع كلّها".(25)
أمّا في في قصة " الجراد" فيكون المسخ هو عقاب كلّ من يستسلم للاستلاب ولقوى الظّلم والاستبداد،ويخون الثورة،فالجراد يهاجم أهل القرية،ويحاصر أهلها،ويجبر أفرادها على أن يتنكّروا لآدميتهم،وأن يقولوا أنّهم جراد،فمن يقع في فخّ الألم والضعف يتحوّل إلى جراد متوحش مسجون داخل حالته المسخ (26)،أمّا من يرفض ذلك فإنّه يموت على يدي معذبيه الجراد،ليصبح نوراً متعالياً نحو السّماء،بوجوه جميلة مضيئة (27).ويصبح حال الجماعة هو حال روناك التي تقول متحدّية الجراد والامتساخ:"لا تكن جراداً،مت،ولا تكن جراداً،لا تدع أيّاً منا يصبح جراداً،لنمت،لنمت كلّنا" (28) ثم "لم يلبث أن استحال الصوت المنفرد الآتي من كلّ الجهات أصواتاً جماعية هادرة منبثقة من كلّ مكان". (29)

وبذلك يضعنا محيي الدين زنكنه أمام خيارين لا ثالث لهما في الحياة في قصته المرعبة،فإمّا أن نختار أن نستسلم للقهر،ونصبح جراداً حقيراً،وإمّا أن نقول لا،ونرفض الظلم،ونكون أحراراً سعداء أو شهداء أبرار مكانهم جنان الخلد.

والثورة هي من تمدّ بطل قصة"سبب للموت،سبب للحياة" بالفعل العجائبي المتمّرد على قوى الظلم،كما هو متمرّد على قوى الطبيعة ونواميسها،فبطل القصة يثور على الضعف،ويقرّر حقيقة تغيّره بقوله:" لن يظلّ الإنسان رخيصاً وتافهاً طوال عمره" (30)ويواجه معذبيه وجلاديه بحقيقتهم المظلمة فيقول:" ولكنّكم ياسادتي قد ذبحتم مافيه الكفاية،لقد امتلأت كلّ القدور والأواني والبراميل والأحواض بالدّماء" (31) ويهدّدهم بالثّورة القادمة على أيدي الأحرار وباغي شمس العدل الذي يشبهه بالطّوفان" سيحدث الطّوفان الذي سيجرفكم أو يخنقكم في عقر دوركم" (32) ،ويلتزم بصمته وتستره على رفيقه في الكفاح والنّضال غير آبهٍ بتعذيبه أو قتله في سبيل ذلك،ويعيش تجربة موته،وتجربة مابعد موته بفعل عجائبي موهوب له بسلطة استشهاده ونضاله،فجلّاده يقرّر قتله،وهو لايبالي بموته،وينتصر على الموت،ويصنع موقفه حتى بعد ذبحه،ويفخر بأنّه يموت مقابل مايستحق ذلك،وهو الحرّية" ضغط على المدية بقوة،أحسستُ بالجلد يتمزّق،والدّم يتدفّق،لملمت شفتي؛لأجعلهما تبدوان على شكل ابتسامة،وابتسمت فعلاً،فقد كنتُ سعيداً حقاً،لقد أصبح عندي،أنا الآخر ما أموت من أجله،أنا الذي كنتُ أستكثر على نفسي الموت المجاني،وأخاف من أجل لا شيء".(33)
ومحيي الدين زنكنه ثائر مبدع على واقعه وعلى فساد مجتمعه ومعطيات واقعه،ولعلّه هو ذاته هو بطل قصة"الرجل الذي امتهن دراسة الكائنات البشرية" ،وإن كان يروي القصة بضمير الغائب،لا بضمير البطل الذات عبر ضمير المتكلم الذي يدمج شخصية البطل في شخصية الراوي بشخصية الروائي أو القاص في كثير من الأحيان،وهو إن كان يستخدم ضمير الراوي الغائب لإبعاد نفسه عن عالم قصصه الموشّاة بالتحّريض على الثورة،إلاّ أنه يتوّرط في هذا التحريض طواعية عبر ذلك الإيحاء الملغز لجدوى دراسة الكائنات البشرية التي يمتهنها بطل القصة،وهي وظيفة تقبل بأن تأوّل بالكتابة عن الكائنات البشرية وسلوكها الإنساني التي يمتهنها زنكنه في تعريته للزيف الإنساني،وتنديده بالظلّم الذي يجاهر برفضه في كلّ قصصه،ولاسيما في قصته هذه.

ومن هذا المنطلق نستطيع أنّ نفهم إسقاطات اليد اليمنى في هذه القصة،فهي يد محيي الدين زنكنه التي هي امتداد لكلّ يد مبدعة تكتب الثورة والتحريض ضدّ الظلم،ولاغرو أن نجد هذه اليد تقوم بفعل عجائبي،إذ هي تغادر يد صاحبها بطل القصة،وتسقط في الأجساد النّخرة،وترفض أن تعود إليه في لحظة مقاومته لأسراب الغربان المتوحشة التي تصمّم على أن تلتهم البطل،(34) وحتى عندما يناجيها البطل قائلاً لها باستعطاف:"ياعزيزتي،أنت جزء مني،لقد ولدت معي،وقدمت لي خدمات كثيرة في مجالات مختلفة.وإنّ فراقك الآن يؤلمني،فلماذا تتخلّين عني؟! تعالي ياعزيزتي،تعالي".(35)
فإنّها تصّر على خيانته،وتصرّ على خذلانه،عند ذلك يواجهها برفضه لها أيضاً إذ يقول:"آه يا يدي اليمنى الحقيرة،أبداً لم أدرك أنّك بهذا القدر من القذارة" (36) ويتراجع مقرراً أن يهجر مدينة الظلم التي يغدو أناسها أمواتاً بأجساد نخرة مستسلمة ذليلة،مهدداً بالعودة عندما تستوي عنده أدوات الثورة وآلاتها ومقوماتها " بيد أنّي سأعود،حين يحين الوقت لأدرس كلّ الكائنات البشرية،وانسحب حتى توارى تماماً،وفي أعماقه،يتعملق تصميم وإصرار بالعودة" (37)

إذن محيي الدين زنكنه يضع خطة بديلة للمواجهة المباشرة مع العدو= الغربان في حالة الضعف،فهو يرفض الاستسلام جملة وتفصيلاً، ولكنّه يقبل بالانسحاب المؤقت المدروس إلى حين استكمال أدوات الثورة والنّضال،والعودة من جديد إلى ساحة المقاومة،ورفض القبح أيّاً كان شكله ونوعه وسببه،ليخلص إلى هدفه الأسمى في الحياة،وهو الثورة، التي يجعل من مهنة دراسة الكائنات البشرية معادلاً موضوعياً لها.

ويتمثّل الظّلم في أكثر صوره جلاء في قصص محيي الدين زنكنه في سلطة الملوك الغاشمة التي تستبدّ،وتستعبد البشر،فيكتسب الملك صورة خرافية فنتازية تمزج بين موروثات المخيال الشعبي حيث صور الوحوش والغيلان(38)والكائنات المتوحشة،وبين أفعال الشّر والطغيان التي يمارسها الملك تجاه شعبه،خارقاً بذلك بغية وجوده ومصوّغه،وهو إحقاق العدل،وسياسة الرعية بما فيه خيرها وحسن معاشها،وتحقيق سعادتها.

ففي قصة"حيث النّاس يعيشون كالهواء" يتلبّس الملك الغاشم صورة فنتازية مخيفة تماثل شرّه وسوء سيرته مع الرّعية،"ووجود الكائنات فوق الطبيعة الأقوى من الجنس البشري أحد ثوابت الأدب العجائبي"(39) فعجائبية الملك تتجسّد في " أنفاسه الكريهة،وأسنانه الصفراء،ووجهه الموبوء بالدمامل،ورأسه الكبير ذي القرون التي تناطح السّحاب" (40)،وهو يعاقب كلّ من يخرج على طاعته بابتلاعه،وحبسه في بطنه قروناً وقروناً (41)،في حين يعيش حياة تضجّ بالمعصية والفساد؛فهو يأكل لحم الفطيسة،ويشرب الخمر،ويلفق الآيات،ويكذب على الله ورسوله،ويسرق الشّعر من شعرائه ليضعه تاجاً على رأسه (42).

وجريمة الرّعية في عيني الملك وتقديره أنّهم يحلمون،ويفكّرون،ويتحدّثون عن مدينة الأحلام الفاضلة حيث البشر يعيشون أحراراً كالهواء (43)،و"الملك منع الحديث عنها"(44).وقد وصل الكثير من الرّعية إلى تلك المدينة الفاضلة التي تعجّ بمعطيات السعادة الفنتازية التي تؤسس لمفردات الحياة اليوتوبية حيث العدل والسعادة وحلم البشرية الدائم بإنزال نموذج الجنّة على الأرض،فعاشوا فيها "حياة هانئة طيبة ذات رائحة عطرة خالية من الملوك وأنفاسهم القذرة؛لأنّهم قد لفظوها لفظ النّواة،وداسوا عليهم بالأقدام،منذ أكثر من نصف قرن"(45).
وحديث محيي الدين زنكنه عن هذه المدينة الفاضلة يقودنا إلى الحديث عن سبب ظهور هذا النّوع من الأدب،وهو البحث عن الفردوس والسعادة المطلقة والحياة المثالية عبر تاريخ الأدب الإنساني . مضافاً إلى ذلك " اعتراف مؤلفيها بقلقهم على مصير كوكبنا الأرضي "(46). اليوتوبيات في(47)أكثر الأحيان هي خطط ومشروعات لمجتمعات تعمل بشكلّ آلي ومؤسسات تصورها اقتصاديون وسياسيون وأخلاقيون " لكنّها كذلك كانت الأحلام الحية للشعراء " .(48)

واليوتوبيا هي حلم الإنسان بالمكان المثالي . ولعلّها حلمه الأزلي منذ خرج من الجنة، وعلى النقيض "نشأت اليوتوبيا الضّد في شكلّ الجحيم الذي هو مصير للشرير الذي انحرف عن تعاليم الجماعة في أثنــــــاء الحياة الأرضية" (49)

ولكن على الرّغم من بشاعة الملك،وسطوته الأسطورية التي تكاد لا تخرق ولا تهزم،وهو من يتحالف مع قوى الشّر الملكية الأخرى مثل " ملك الملوك الذي وفد من وراء البحار"(50) فإنّ محيي الدين زنكنه يرسم المستقبل والأمل بخطوط الثورة والرّفض والإصرار على التحرّر،فالملك يزداد بطشاً،فيقتل،ويسكن الجماجم،ويقلع العيون،ويأكل الألسن،ويشرب الدّماء(51) والثّوار يزدادون مقاومة،ويصلون قمة الجبل حيث المدينة الفاضلة في انتظارهم،فيصبح الاستشهاد الذي يحوّلهم إلى قوى نورانية شفافة هو المعادل الموضوعي للتحرّر والانتصار،بل ولقيادة الثورة كذلك،فهم الحداة نحو أمل الحرية والبناء،وهم قصة النّضال المستمرة التي لا تنتهي،وتحمل بشرى الأمل والحياة الكريمة العادلة لكلّ الكرد في كلّ مكان بعد تاريخ طويل من المعاناة والحيف والنّضال والمقاومة،فأرواح الآباء المناضلين الذين قضوا شهداء في سبيل حريّة الكرد في كلّ مكان هي من تختم القصة بروح الثورة المعلنة والجريئة في وجه كلّ ملوك الأرض العتاة" ظهر الأب ممسكاً بيد الثالث بحنان أبوي عارم.تكلّم الأب لأوّل مرة منذ ابتلع الملك لسانه.الأب يتكلّم بلسان كردي،ولغة كردية مشرقة فصيحة:لقد عدنا يا أولادي،عدنا إليكم،لنقصّ عليكم حكاية المدينة التي يعيش أهلها كالهواء.وأضاف الثالث:ولكي نعمل معاً على تأسيس مدينتنا على غرارها.فقد عرفنا أصولها،وطريقة خلقها" (52).

وهذا النّفس الثوري الذي يطغى على القصة يقود محيي الدين زنكنه إلى أن يصرخ جهاراً بصوت أحد أبطال قصته ليقول:" بإمكان الملك أن يخنق رغباتنا ويغتال أو يذبح،على مرأى منا طموحاتنا،فيما لو كنا ما نزال أحجاراً صماء،أو حتى غير صماء تقوم عليها أركان قصره وحكمه،أمّا الآن ،وقد استعدنا بعزمنا وتصميمنا،وقبل أن يجهز عليها أو يشوّها.فلا بدّ أن نحقّق الأمل الذي ألقاه حبّ الحياة في رحم رغباتنا وطموحاتنا،وخلق فينا القوة الفولاذية التي صهرتنا في وحدة عملاقة،جعلتنا ملوك أنفسنا في القول والتفكير والفعل" (53)

ويتخلّى محيي الدين زنكنه عن نَفَسِه الفنتازي في تشكيله لصور الثورة وأشكالها لصالح استدعاء التاريخ المفترض الذي يوازي التاريخ الحقيقي من أجل إبراز الصورة القاتمة للبشرية عندما تذعن للخوف ولقوى السّلطة،فتغدو ريشة في مهبّ الرّيح،لاتملك تقريراً لمصيرها،حتى أنّها لا تملك أن تسأل أو أن تبحث عن إجابة.

فالحرّ بن شمس العلام بطل قصة"اللات والعزّى" الذي يعيش في زمن موغلٍ في القدم والوثنية في ساحق أزمان الجزيرة العربية،ويعاصر أزمان الحجّ الوثني،ويعيش في أكناف الكعبة،وفي أجواء القبائل العربية،يُقتاد إلى السّجن من قبل جنود الظّلم شأنه شأن الكثير من المظلومين الذين يقادون دون ذنب معلوم إلى المجهول حيث العذاب والموت دون أن يجرؤ أيّ لسان على أن يسأل عن مصيرهم؛"فقد غدا أمراً مألوفاً "أن تقع العين أو العيون على إنسان معروف بالطّيبة والنزاهة والكرم والإيثار والشجاعة يحيط به رجلان أو أكثر،تقدح عيونهم شرراً".(54)

ويعرض محيي الدين زنكنه مفارقة محزنة تقوم على الفجيعة (55) فالحرّ بن شمس العلاّم رجل ضارب بنصيب عملاق من الأخلاق والكرم والشهامة،وقد "صار قلبه محجّ قوافل الحجيج،ماقصده قط أحد في حاجة وخيبه،ولا جاءه في طلب أمر وردّه خائباً"(56)ولذلك "تشهد له الجزيرة كلّها بالاستقامة والرّصانة"(57) ،وعلى الرّغم من ذلك تقتاده قوى الظّلام إلى المجهول لتذيقه العذاب والمهانة،مرسّخة بذلك حقيقة أنّه"لم يعد في الجزيرة ثمّة أمان لأحد"(58) وعلى الرّغم من ذلك لا يجد رجلاً أو امرأة يجرؤ على أن يتساءل عن سبب اعتقاله فضلاً عن الاحتجاج على هذا السّلوك غير المبرّر.

فذاق الحرّ بن شمس العلاّم مرارة الخذلان مضاعفة وهو يرى وجوه الرجال تدور بعيداً عنه،متجاهلةً مصيره الأسود في المجهول الذي ينتظره.عندئذِ تمتم بقرفٍ من جبن النّاس وتخاذلهم:" الخوف دودة شرهة نهمة،لا تقطع أوردة القلب وشرايينه حسب،إذ تسكنه ،وإنّما تقرض وتأكل كلّ ما يشدّه إلى الآخرين من وشائج وذكريات وآمال وتاريخ ووجود"(59)

ويصبح القسم باللات والعزّى رمزاً من رموز الصّمت والجبن والإصرار على التمرّغ في الذّل والإهانة والظّلم،كما كان القسم بها في الذّاكرة الدينية الإسلاميّة رمزاً من رموز المكابرة والكفر ومعاندة الحقيقة المتمثّلة في وحدانية الله،وضلالة الكفر والشّرك والوثنية .فالقليل من الذين ملكوا الجرأة والقوة أمثال عون بن سعفان ليسألوا سؤالهم المشروع عن سبب اعتقال الحرّ بن شمس العلام،كانوا يقابلون دائماً بالإجابة نفسها:" واللات والعزّى لا أدري" (60).وعندما أصرّ على أن يعرف مصير صديقه كانت النصيحة التي تلقّاها من جمع المتخاذلين الجبناء الصّاغرين:"انصرف لشؤونك الخاصة،وعد من حيث أتيت،فما من عاقل يركب المخاطر من أجل أحد،وإنّي أخاف عليك زاللات والعزّى"(61)
وهم يعللون نصيحتهم المقيتة بقولهم:"إذا كان لا المجلس قد رآه كلّه،فلماذا لا يفتح أحدٌ منهم فاه عداك،بل بل لماذا لا تغلق أنت فاك،حالهم حالهم".(62)

ويفتح محيي الدين زنكنه شرفة واسعة على حقيقة أسباب اعتقال بطل قصتنا لمن أراد أن يواجه الحقيقة،ولا يهرب منها،أو من الاضطهاد الذي يتبع المطالبة بها أمثال شخصية السمان أبو يوسف الفهدي الذي هجر مكة المكرمة بحثاً عن الحرية (63)،واتخذ له حياة في البحر"يغوص أعماقه،يصارع أمواجه،يقاوم تياراته،ويتوغّل عميقاً ليعود بما يلتقطه من الأصداف"(64)
ونعرف من رسالة سرّية طويلة تركها بطل القصة لصديقه اللدود السلمان أبو يوسف الفهدي قبل أن يُقاد بعيداً أنّه كان يعالج الثورة في نفسه،ويفكّر فيها كلّ يوم،ويلعن الخوف،ويفكر في هجر مكة المكرمة رمز الطغيان والاستبداد،ليلجأ إلى البحر رمز الحرية وتقرير المصير في القصة،إذ يقول فيها:"سأقهر الخوف الذي أقعدني وأنحره،وإذ يأتي الصباح،يأتيني ببحر من الأسئلة تتقاذفني أمواجه،تلكمني تياراته،وكلّها تنبع وتستقي من مستنقع واحد لتصب في مستنقع آخر،أشدّ منه نتانتة؛مستنقع الذّل والخوف من التغيير".(65)

وتنتهي القصة بغرائبية مفزعة تنقلنا إلى أجواء الأدب الكابوسي(66)،إذ تقلب كلّ موازيين العدل في هذه الدّنيا،ويقبل الجميع المصير المأساوي الذي ينتظره بطل قصتنا،منصاعين إلى واقعهم الساحق لإنسانيتهم،ومتعاطين مع أزماتهم بكلّ عار الصّمت والجبن.ومن بعيد تبقى الثورة تلحّ على الأفق،وتحمل لنا إرهاصات الأفضل حتى ولو زارتنا برداء عجائبي مأسور للخوف والرّعب يشفّ عن الأمل في قول الحرّ بن شمس العلاّم:"ستتغيّر الدّنيا،لابدّ أن تتغيّر،ويعود إلى الأشياء جمالها،بعدما يزول عنها قبحها الذي فرضته عليها الظّروف الحالية...بيد أنّها لن تتغيّر من تلقاء نفسها،لا بدّ أن تتغيّر بفعل فاعل".(151).

والثورة عند محيي الدين زنكنه قد تخسر قدسيتها وشرفها وريادتها عندما تخسر أولوياتها،وأهم أسباب وجودها،وهي إحقاق الحق،وتكريس الحقوق،وتوفير الحياة الأفضل للجميع على حدّ سواء.وعندئذٍ تصبح الثورة ضرباً من أعمال الإجرام والعصابات التي تخفق في تحقيق أيّ هدف سام،خلا أن تغوص في الملذات والترف المبني على دماء الأبرياء.ففي قصة " الكلب العجوز،مغمض العينين" تغيّر ثورة الكلاب المشروعة دربها من الثورة على المجاعة وعلى أسبابها،إلى محاولة تحقيق أسباب الشبع بعيداً عن حلّ أسبابها،فبدل أن تثور الكلاب فضلاً عن البشر على من جوّعهم،وظلمهم،تقّرر الكلاب بقيادة الكلب الأسود الشّرير في لحظة جوع مداهم أن تأكل أيّ بريء في طريق تشرذمها هنا وهناك،ويجد الكلب العجوز الساذج نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما،إمّا أن تأكله الكلاب الجائعة،وإمّا أن يرشدهم إلى سيده البشري الطيّب الذي رعاه وأحسن إليه منذ كان جرواً صغيراً ضعيفاً،يكاد يهلك فأنقذه وعالجه وآواه(68)،فيقترح على الكلاب أن تأكل سيده بحجة أنّه" أكثر لحماً،ويكفينا كلّنا"(69)

وفي مصير غرائبي مخيف،نجد الكلب رمز الإخلاص،يتحوّل إلى خائن رعديد،يقبل بأمر الكلب الأسود الشّرير زعيم الكلاب:" أنت من تدخل،وأنت من تهجم،وإن تلكّأت هجمنا عليك"(70)،ويقوم بمهمته الدّموية بكلّ نجاح وانصياع،وسرعان ما نسي أنّ فريسته هو سيده الطّيب الذي لطالما أحسن له،"وبسرعة خارقة أبعد عن ذهنه صورة سيده التي تشعره بالإثم والخيانة،وراح يضرب بشدقيه المفتوحين وأنيابه الحادة،هنا وهناك،يقتطع قطعاً من اللحم،كيفما اتفق"(71)

وأمام هذه الفوضى السلوكية التي تدفع بالثورة إلى مستنقع الخيانة والخطيئة،يقع الكلب ميتاً بعد أن شبع من لحم سيده؟فهل يريد محيي الدين زنكنه أن يقول إنّه قد مات لأنّه لا يستحق الحياة بعد خيانته؟ أم أراد أن يقول إنّ هذا هو مآل الخائنين؟ أم لعلّه أراد أن يقول إنّ الشّبع من لحم الشّعب لن يمنعك أن تموت جوعاً حتى ومعدتك عامرة باللحم والدّماء؟ تبقى الإجابة مفتوحة على التأويلات في ضوء بشاعة الخيانة،وقبح من يحوّلون الثورة من نار مقدّسة إلى آتون حارق متلف لايبقى ولايذر.

ويجنح محيي الدين زنكنه إلى الفكاهة السّوداء التي تشكّل كفاية اجتماعية تمثّل كيفية تعبير الإنسان عن مشاعره (72)، فهي مركّب من القبول والرفض لهذا العالم(73). الذي يستجيب فيه كلّ إنسان وفقاً لسجله العاطفي الإيجابي والسلبي، ضمن بنية لغوية متماسكة "تفرز السخرية والمرارة في آن " (74).ففي قصته الساخرة" فكاهة" يمتدّ بالثورة إلى كلّ مناحي الحياة حيث السذاجة،لتومىء هذه القصص الصغيرة إلى ذلك الكبير الخطير المفقود من الحرية في كلّ أشكالها ومستوياتها.ففي هذه القصة يبلغ التعنت والتجبّر غايته بالسلطان الذي يقضي في فرمان ملزم أن يحلق رجال السلطنة شعور رؤوسهم،لا لسبب حقيقي على الرّغم من حججه المعلنة إلاّ لأنّه أصلع،ويريد أن يتقرّب من قلب ابنة قاضي الولاية (جميلة)،وعندما سخرت من صلعه،قرّر أن ينتقم من كلّ الرّجال أصحاب الشّعور الطويلة،فأمر بجزّها كما تجزّ أصواف الأغنام؟(75)

وقد نزل كلّ رجال السلطنة على أمر السلطان،لا طاعة له،ولا تعاطفاً مع قضيته الخاسرة،ولكن طمعاً في المال الذي يغدقه على كلّ من يقصّ شعر رأسه،ورائدهم في ذلك قول القائل:"قد آن لنا وبفضل قرار الوالي الحكيم أن نبيعها بأضعاف سعرها بالأمس"(76)

لكن السلطان لم يعدم ثائرين على فرمانه الجائر الاستبدادي الذي يمثّل طغيانه وجبن الرّعية خير تمثيل،فسعيد حبيب جميلة قد رفض أن يذعن لهذا الفرمان العشوائي،وقبل أن يسمّى بالمجنون نظير رفضه،وعندما قدّم للمحاكمة على فعله الثائر الرافض،لم يجد في نفسه خوفاً يمنعه من أن يبصق في وجه السلطان الجائر أمام الرّعية المحتشدة ،ليسير إلى عقابه الموت حرقاً دون خوف أو تراجع أو توسّل طلباً للمغفرة أو الصّفح (77)

فهل انتهت الثورة في نظر محيي الدين زنكنه بإحراق الثائر الوحيد على فرمان السلطان؟بالتأكيد لا.فلحظة حرقه تزامنت مع مولد طفل ثائر جديد مكتسي بالشّعر على الرّغم من أنف السّلطان!! " وإذا أخذت نورهان تشمّ رائحة اللحم المحروق،أطلقت صرخة هائلة،التفت إليها الكلّ مبهوتين،فصعقهم منظر رأس صغيرة،تدلّت من بين ساقيها،تغطّيها غلالة رقيقة من شعر ناعم،أحمر،بلون الفجر الوليد" (78)

 


 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com