|
عودة عريقات المشاهد لما يجري في بعض الأنظمة العربية من حوار دامي بين ممثلي النظام وبين أفراد الشعب المطالبين بالتغيير والإصلاح المتمثل بالإصلاح التشريعي والاقتصادي والتنظيمي والإداري والخلاص من دكتاتورية القرار وتوقهم لحرية التعبير والاختيار دون خوف ووصف الحقيقة والأشياء كما هي بمسمياتها يدرك تماما أن سبل التواصل بالحوار الحضاري الجاد والمتعارف عليه مقطوعة بينهما أو أن الحوار الإنساني وما يمثله من مطالب إنسانية مشروعة لا يلقى آذانا صاغية من قبل الأنظمة وأصحاب القرار وهذا الأمر يدفعنا للتساؤل ماذا يريد النظام ورموزه من الشعب وماذا يريد الشعب من النظام ولماذا تصل الأمور بينهما لحوار الرصاص سواء كان ذلك من جانب النظام وحده أو من كلا الجانبين، وبدون الدخول بالتفاصيل المعروفة فإن أفق الإنسان يتوسع يوما بعد يوم وبتسارع رهيب بسبب التكنولوجيا والعولمة بمفهومها الواسع وزيادة الحاجة الفردية للإنسان بسبب المتطلبات الأساسية الناقصة أو بسبب الحاجات التي أصبح الإنسان لا يستطيع العيش بدون تأمينها ويشعر بالنقص والحرمان إن لم يحصل عليها انطلاقا من مبدأ المساواة بين أفراد البشر في المجتمع الواحد وبسبب أن الإنسان يشعر أن له حق المنافسة على الفرص المتاحة والفرص المحجوبة عنه بسبب فساد في النظام واحتكار الفرص والهيمنة عليها من قبل فئة معينة من الشعب، فالطموحات كبيرة لدى أبناء الوطن الكبير في حرية الاختيار وخاصة لدى من يشعرون أنهم مؤهلين علميا ولديهم الخبرات المختلفة ولديهم إمكانية إدارية ومالية أو لديهم بالإضافة دعم عشائري أو تنظيمي أو شعبي وينتظرون إتاحة الفرص لهم ليخوضوا الصعاب وتحقيق أحلامهم فمنهم من يحلم أن يكون رئيسا أو وزيرا أو قائدا أو زعيما اجتماعيا أو يحلم بتنظيم بلده بصورة حضارية وتغيير أساليب النمط القديم في الإدارة والصناعة والزراعة وتسيير عجلة الحياة في الدولة ودفع عملية التنمية، والحقيقة أن هذه الأحلام مشروعة ولا يتوجب نفيها فهي من حقوق الإنسان في الحياة والتطور والتغيير للأحسن وضمان حياة كريمة آمنة لكافة أفراد الشعب وفقا لنظام قائم على القانون والمسائلة والعدالة وهي تمثل ما يريده الشعب، ولكن إذا كان النظام يلبي مطالب الشعب بالتغيير والإصلاح وبناء دولة القانون والشفافية وسماع مطالب أفراد الشعب ودراستها والتغيير على ضوئها قدر الإمكان في نطاق الحفاظ على المصلحة العامة وعلى الأمن الاجتماعي فإن الحوار الحضاري يكون متوفرا وقائم بين الأطراف ذات العلاقة ويكون لزاما على الجميع الالتزام بهدوء الحوار وتبادل الأفكار وتجنب العنف الذي لم يعد له داعيا أو لزوما لأن الحوار قائم بين أصحاب العلاقة من الشعب والنظام للوصول للتغيير المطلوب والمقبول من كافة الأطراف لتحقيق الأهداف والغايات التي انبثق الحوار من أجلها أما إذا أمعن النظام بعدم سماع شكاوى الجمهور وطلباتهم في الإصلاح والتغيير فهنا يتوجب على أفراد النظام عدم اللجوء إلى العنف لقمع المطالبين بالتغيير وأيضا هناك واجب على أفراد الشعب عدم الدخول في سراديب الأفكار الغير حضارية والمنقولة من الغير تقليدا لما يعرض ويشاهد من الفضائيات المختلفة لأن الفرد سواء كان في جانب الشعب أو في جانب النظام فإنه يعتبر عنصر من مكونات الشعب والمكون من مجموعهم والمصلحة العامة يعود خيرها عليهم جميعا والأمن والاستقرار ينعكس عليهم جميعا ويرسي لديهم الطمأنينة ويبقى الاحتجاج السلمي للشعب أفضل تعبيرا وأكثر احتراما ويلقى دعما من كافة الشعوب والأنظمة المراقبة لما يجري في البلاد من أحداث وينزع مبررات النظام في استعمال القوة لإنهاء التجمعات وأيضا هناك واجب على الأفراد المدافعون عن النظام تفهم المطالب الشعبية لأنها مطالب عامة ويجب معالجة الاحتجاجات والتعامل معها بإنسانية وحكمة وحق الشعب على أفراد النظام عدم قمع الاحتجاجات السلمية بالقوة وأيضا عدم اللجوء للفهلوة وتجنيد جماعة مدنية من الموالين للنظام لقمع المحتجين لأن هذه الحركة باتت مكشوفة وتم اللجوء إليها في أكثر من بلد عربي رفع فيه الشعب صوته مطالبا بالتغيير والإصلاح لأن العنف يولد الحقد والانتقام ويراكم الأخطاء ويدفع للوصول إلى طريق غير رجعة فيه ويحفز الأطراف للتمادي في استعمال القوة وإكمال المشوار للنهاية دون خوف من عواقب أو حساب لمحاذير محتملة الوقوع وخاصة إذا دعا الأمر لتدخل الأجنبي بحجة فض الاشتباك وعين من عيونه تغمز النظام وعينه الأخرى تغمز للشعب كما يجري الآن في القطر الليبي الشقيق وغايته إنهاك الطرفين حتى آخر رمق لتنفيذ ما يخدم مخططاته ومصالحه وما ستصل إليه الأمور بعد ذلك ليتمكن من السيطرة وإملاء نفوذه على الطرفين وتحقق هذا الأمر يعني دمار لمقدرات وأمن الدولة وإقليمها وشعبها وتحطيم الشبكة الاجتماعية ودخول البلاد في أتون المتاهات والفوضى والضبابية وعدم الرؤيا الواضحة لما سيكون عليه الحال وعلى الأنظمة المختلفة من منطلق الحفاظ على المصلحة العامة المشتركة التجاوب مع مطالب شعوبها وعدم الانتظار وعلى كل منها البدء بتشكيل فريق رسمي وشعبي لإدارة أزمة الثقة بين النظام والشعب لعرض المطالب وعرض إمكانيات تحقيقها في الوقت الراهن ولن يكون هناك أي صعوبة للبدء في الإصلاح الشامل والتغيير إن توفرت إرادة الاستجابة من قبل النظام لمطالب الشعب والتغيير سنة مؤكدة لا بد منها ومن حدوثها فالأجيال تتغير والرؤيا تتطور وتسليم الراية للغير لكي يكمل المشوار شيء لا مفر منه لتستمر عجلة الحياة بالرغم من أن الاستقرار شيء جميل والأمن غاية المطالب لكن لا يكون ذلك على حساب الحريات الفردية ولا يكون على حساب توزيع الثروة الوطنية بدون عدالة ولا يكون على حساب حزب حاكم بيده كل شيء وجمهور محكوم لا يملك شيئا ومن هنا لماذا لا يفكر الجميع أفرادا وشعوبا وأنظمة ويقرؤوا ما جرى و يجري في بعض الأقطار العربية الشقيقة وما آل إليه المآل وما سيؤول إليه في أقطار أخرى والبحث عن حلول خلاقة من خلال حوار سياسي ثقافي عقلاني وأخلاقي بين رموز النظام والمسئولين فيه وبين ممثلي الشعب يجنب البلاد الفوضى وسفك الدماء وتعريض مصالح البلد وأمنه للخطر ويبعد المسافة بين النظام والشعب وعدوى الثورة بغض النظر عن مسماها أو قيمة أهدافها باتت تنتقل سريعا و على المؤثرين فيها وأيضا النظام وأصحاب القرار خاصة دراسة الأرباح والخسائر المتولدة عنها وأخذ العبرة مما جرى في مصر وتونس وما يجري في ليبيا وفتح حوار فوري مع القائمين عليها والخروج برؤيا وإجابة على سؤال واحد هل تحقيق أهدافها يساوي مجموع الخسائر المختلفة والمتنوعة والمتوقع أن تلحق بأمن واستقرار البلد وما يحل بأفراد الشعب سواء كانوا مع النظام أو ضده فمثلا لماذا لا يجري المسئول الأول ومساعديه حوار مفتوح وجها لوجه بطريقة منظمة مع الشباب بين جيل عشرين عاما وأربعين لأنهم يمثلون فكر وجهد ورؤيا وأمل وزنود البلاد لربع قرن قادم على الأقل ويطلب من الأنظمة عدم التصلب في مواقفها تجاه مطالب الشعوب وسد الطريق أمام توجهاتهم والأجدر المطلوب منها هو البدء بالإصلاح التشريعي والاقتصادي وإرساء أركان الحكم الرشيد وفتح هامش من الحريات ينسجم مع القيم والقانون لأن طغيان القرار والاستفزاز هو الوصف الذي سيفهمه الشعب من النظام إذا لم يصغي للمطالب المشروعة للجمهور مما يدفع أفراده للجوء لكل السبل لتوصيل رسالتهم وتحقيق مطالبهم والتي يؤمنون أنها عادلة وتعتبر في صلب حقوق الإنسان الموجود تحت سلطة النظام وأيضا رموز النظام ماذا يريدون من الشعب البقاء في دفة المسؤولية والحكم والطلب من الشعب إعلان الولاء حتى يتوفاهم الله وبعد ذلك توريث المسؤولية للأبناء فلماذا لا يحسم الأمر بواسطة صندوق الاقتراع من خلال انتخابات أو استفتاء دون أدنى تزوير حيث يقبل الجميع حكم الشعب المودع في صندوق الاقتراع وهو حكم عمره طويل وأطول من حكم الرصاص الذي عمره قصير ولذلك فإن حوار الرصاص لا يبشر بخير لبلاد العرب ولم يعد مجدي بل يجلب الخراب والدمار للبلد والنظام وينعكس بصور مأساوية ويحول دون تقدم البلاد وينعكس سلبا على الشعوب بكل مكوناتها ويدفع كافة الأطراف لطريق مسدود حيث لا خيار للرجعة منه إلا بعد الحسم لصالح أحد الأطراف وما يتولد عنه من نتائج وعواقب لا تصب في صالح البلد والشعب والنظام وحكم الحديد والنار بما يمثله من تكريس الطغيان والفساد والذي يقتل الإبداع ويحول دون التطور لن يجدي ولا يدوم ويمنع تقدم البلد وازدهارها ويزيد في حرمان الشعب وما يحقق الأمن والاستقرار والازدهار ورفاهية الشعب هو الانسجام والتفاهم والحوار الحضاري البناء والحفاظ على حياة الإنسان بغض النظر عن انتمائه الحزبي وتوجهاته الفكرية وتلبية المطالب المجمع عليها وإيثار المصلحة العامة فوق كل المصالح من قبل النظام والشعب وتكريس ثقافة تقنع الغالبية على الأقل ( لا حوار بالرصاص بعد اليوم) ولا بالهراوات والجنازير والسكاكين والسواعد واللكمات بل حوار محبة وانسجام يولد الإيجاب والقبول ويحقق المصالح العامة للبلاد وشعبها ونظامها إن أرادوا العزة والتقدم والازدهار والرخاء.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |