قانون حماية الصحفيين..بين الحق والواجب الصحفي !
 

 

صلاح غني ألحصيني
 

ربما تكمن الحكمة من حماية قانونية للصحافة الحرة هو ضمان قدرة الصحفيين على توفير المعلومة الدقيقة دون خوف أو تردد ، وهذا ما دفع دول كثيرة بوضع آليات حماية قانونية للصحفيين وحاملي تلك الرسالة المقدسة وخاصة في الأنظمة الديمقراطية باعتبار الصحافة حسب وصف الكثير بأنها أوكسجين الديمقراطية ، لأنه ليس بوسع إي منهما البقاء بدون الأخر ، وهذا ما عبر عنه الكاتب الفرنسي اليكسيس دي توكفيل " لا يمكن وجود صحف حقيقية بدون ديمقراطية ولا يمكن وجود ديمقراطية بدون صحف " كون الديمقراطيات تعتمد على موافقة مواطنين مطلعين على الحكومة وسياستها ويتم ذالك من خلال وسائل الإعلام باعتبارها المصدر الرئيسي للمعلومات التي يحتاجها الناس ومن خلالها يحكموا أنفسهم ، وتمنحهم القدرة باختيار ما هو صالح ورفض ما هو فاسد ..

هذا ما دفع الولايات المتحدة مثلآ إلى إيجاد مساحة واسعة من الحرية للصحافة ، وقد ميزتها عن باقي المهن ، فهي المهنة الوحيدة المذكورة في الدستور الأمريكي الذي ينص على مايلي (( لا يجوز للكونغرس إن يضع إي قانون ، يحد من حرية الكلام أو الصحافة )) ، كما كتب توماس جيفرسون الرئيس الثالث للولايات المتحدة في العام 1787 " بما إن الأساس الذي تقوم علية حكومتنا هو رأي الشعب فان الهدف الأول يجب إن يكون صيانة هذا الحق ، ولو إنني خيرت بين إن تكون لدينا حكومة بدون صحف أو صحف بدون حكومة لما ترددت لحظة في تفضيل الخيار الأخير " ** يعني إن هناك مسؤولية كبرى ملقاة على عاتق الصحفي بإبقاء المواطنين مطلعين على بواطن الأمور الأساسية تكمن في توفير المعلومات الدقيقة بطريقة نزيهة منصفة ومستقلة عن إي تدخل غير مشروع ، وقد تفهم اغلب الصحفيين هذه الحقيقة وعمدوا على إظهار الحقيقة وفق ما يمنحهم القانون من صلاحية دون المساس بحقوق وكرامة الآخرين ليكن الخوض ضمن اطر محدده لا تخرج عن نطاق المعقول ولا على ما نصت عليه القوانين ، يوازيه بنفس الاتجاه التزام بضوابط المهنة الذي يودي بدوره إلى عدم التشكيك بالمعلومة من قبل المتلقي كونها بنية على أسس ومعاير صحيحة ليتحقق بذالك الهدف المراد تحقيقه بأمانه وإنصاف ..

هذا القدر من الأهمية والاهتمام الذي منح للصحفي والصحافة يجب إن يقترن بما هو اهلآ له وينبغي للعامل فيها أن يكون أهلا لحمل رسالتها وإيصالها بالشكل المطلوب كونها تتعلق هي الأخرى بحياة الناس وهمومهم ومصائرهم ولا يمكن التلاعب بمقدرات الناس ، واستغلال ما منح إليه من مساحة واسعة من الحرية في تحقيق منافع شخصية تكمن في نفس الصحفي أو لأجل تحقيق مأرب وأجنده خاصة لصالح المؤسسة الإعلامية التي ينطوي تحت مضلتها ، وهذا لا يتعارض فيما إذا كانت هناك أهداف إستراتيجية أو خطوط مرسومة لبعض المؤسسات الإعلامية شريطة إن يكون عملها حسب ضوابط وأخلاق المهنة في حدود الاحترام الواجب للقانون .

من هنا كانت حماية الصحفيين أولوية من أولويات كل حكومة وكل دستور ونظام حكم ، بما فيها العراق الذي يسعى لإيجاد قانون حماية الصحفيين ، فبعد إن تعثر مجلس النواب العراقي بدورته المنتهية من إقرار هذا القانون ، إلا انه بدورته الحالية أعطى للموضوع أهمية أكثر حسب ما جاء على لسان رئيس البرلمان أسامة النجيفي " سيكون قانون حماية الصحفيين في مقدمة القوانين التي يقرها البرلمان " خلال لقائه وفد نقابة الصحفيين العراقيين والذي تم إثناءه تسليم مسودة مشروع قانون حماية الصحفيين ، ولكن ما تجدر الإشارة إليه إن المسودة تضمنت في فقرتها الثانية من المادة الأولى من قانون حماية الصحفيين العراقيين المقترح ، حول تعريف الصحفي " المقصود بالصحفي لإغراض هذا القانون كل منتم إلى نقابة الصحفيين " وعند التدقيق بنص الفقرة تطرح تساؤلات عده أهمها : أين يكون موقع خريجي الإعلام من الجامعات والمعاهد العراقية ؟ ، وأين يكون رئيس أو مدير أو سكرتير التحرير؟ ، وأين يكون من انخرط في مجال الإعلام وهو يمتلك الموهبة والهواية المحصنة بمقومات الصحفي من لغة وأسلوب الكتابة ودقة الملاحظة والطرح الصحيح التي ولدت عنده الخبرة ؟ ، بالوقت نفسه لم يتم تحديد النقابة التي يفترض بالصحفي الانتماء إليها بل اكتفاء بعبارة ( نقابة الصحفيين ) وإذا كان المقصود بها نقابة الصحفيين العراقيين ، فعدم ذكرها صراحتآ يترك اثر قانوني لعدم تحديدها بدقة ، وعندها تنبثق من تلك التساؤلات أسئلة أخرى منها : ماذا عن ألاف الصحفيين ممن هم أعضاء في اتحادات الصحفيين ونقابة صحفيين إقليم كردستان ؟ ، والتي تم تأسيسها استنادآ لإحكام الدستور العراقي وفق ما نصت عليه المادة 37 فقرة اولآ والتي تنص ( حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية ، أو الانضمام اليهأ مكفولة وينظم ذالك بقانون ) ، وكيف يتم التوفيق بينها وبين الفقرة الثانية من المادة 37 من الدستور العراقي التي تنص على انه ( لا يجوز إجبار احد على الانضمام إلى أي حزب أو جمعية أو جهة سياسية ) ؟ ، وما مصير المئات من الصحفيين العراقيين العاملين في المؤسسات الإعلامية دون إن يكونوا بالضرورة قد قاموا بتنظيم استمارة الانتماء لنقابة الصحفيين العراقيين ، هل هذا العدد الهائل سيبقى دون حماية وغطاء قانوني يحمي عملهم وحياتهم ويدعمهم في أداء مهمتهم ممن هم بالفعل موجودون على ارض الواقع ولهم الأثر في المشهد الإعلامي العراقي ؟

أسئلة مختلفة تبحث في مضمونها عن جواب ربما هو موجود لدى السلطة التشريعية عند مناقشتها قانون حماية الصحفيين إذا تم ذالك بمشاركة نقابة الصحفيين العراقية وباقي المؤسسات الإعلامية لترسم الدرب للصحفي ويعرف ما له من حق وما عليه من واجب ويثبت خطواته في الأماكن التي حددها له القانون حتى تؤدي الصحافة دورها وهدفها بنقل المعلومات بدقة ونزاهة وإنصاف كونها بنية على عنصر أساسي من مبادئ أخلاقية وقانونية .
 

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com