|
تطوير ثقافة الوعي البرلماني العراقي
بقلم : د. لميس كاظم lamiskadhum@hotmail.com
ثلاث جلسات فقط لأختيار رئيس البرلمان ونائبيه، فهذه نعمة كبيرة ابتلى بها ساسة العراق الجدد ، فهم اعتادو على عدم حسم امرهم الى ان تصل الأمور الى حافة الهاوية ويبدء الناقوس يقرع اجراسه ،عندها يشد الساسة احزمتهم ويحسمون امرهم. فبعد فشل جلستان من المناقشات لانتخاب الرئيس، رشح اكثر من مرشح من خارج الكتلتين ، فكاد الخطر ان يضرب كل توازناتهم واتفاقاتهم وكادت الجلسة الثالثة ان تشكل مأزرق كبير للقائمتين الكبيرتين في حالة فوز احد المرشحين ، مما تطلب منهم ان يتخذو قرارهم وبدون تردد بدعم مرشحهم وحُسم الأمر لصالح السيد حاجم الحسني كرئيس للبرلمان ونائبيه ، وهواجراء دستوري سليم، كان من المفترض ممارسته في الجلسة الأولى واختزال الوقت الذي يكلف الشعب العراقي العشرات من الضحايا يوميا. حسم الأمر وتولى السيد حاجم الحسني ونائبية احدهم شيعي والأخر كردي سني وبذلك تكون القوائم الكبيرة حققت اول محاصصة طائفية سياسية للكعكة العراقية وستكون هناك محاصصات سياسية طائفية اخرى في توزيع المهام الحكومية وباقي المهام الحساسة. أن طبيعة الأنتخابات الحقيقية تتعارض مع النفس الطائفي لان السؤال المهم كيف ستتصرف القوائم الفائزة فيما لو ان احد النائبين حصل على اكثر أصوات من الرئيس ؟ فهل ستعيد الأنتخابات؟ ام تعيد الترتيبات الطائفية في المهام الأخرى. ما لفت نظري في الجلسة الثالثة هو قلة الخبرة المهنية في ادراة الجلسة البرلمانية، لذلك ساناقش هذه الجوانب الفنية والمهنية في ادارة الجلسة الثالثة لاعمال البرلمان العراقي. هيئة الرئاسة كانت تُسيّر اعمال الجلسة بقواعد غير متبعة سلفا في ادارة الجلسات وتعكس بوضوح ضعف خبرتها في هذا المجال، فقد تخلل الجلسات اجراءات لادستورية( وان لم يكن موجود نظام ادارة الجلسات ولا نظام داخلي لكن ممكن الاعتماد على لوائح الفترة الماضية) اهمها : كان من المفترض بهيئة الرئاسة ان تتقدم بمقترح لانتخاب هئية اعتماد مؤقته لهذه الجلسة الحاسمة من اعضاء البرلمان ويوافق عليها بالتصويت وليس ان يتم تعيين من اعضاء القوائم الفائزة. ان سلطة القوائم الكبيرة انتهت حال دخولها الى الجلسة الأولى، واصبحت سلطة رئاسة المؤتمر هي السلطة العليا في المؤتمر واي عضو برلماني يحق له الترشيح لاي لجنة تشكل ويخضع للتصويت. كان من المفترض من هيئة الرئاسة قبل الشروع في الأنتخابات هو احصاء عدد الحاضرين من قبل لجنة الاعتماد المؤقته ، وهي وحدها التي تحصي الحاضرين، وتقدمه الى الرئاسة التي بدورها تقر شرعية الجلسة استنادا الى العدد المقدم لها وبموافقة الحاضرين. كان يفترض بهئية الرئاسة ان تناقش اسباب عدم حضور 36 عضو برلماني واستبيان اسباب الغياب واقرار شرعية الغيابات وهل هنالك تخاويل؟ إذ لايجوز احصاء الغياب من خلال ممثلي القوائم ، فهذه ممارسة غير دستورية في البرلمانات ، فقد برز تضارب في عدد الحضور، في البداية كان الحضور هو 241 مندوب وعند حساب الاوراق الانتخابية تبين انها 239 ورقة فثبت عدد الغياب هو 36 عضو من هذه الجلسة الحاسمة. كان يفترض ان توزيع الأوراق الأنتخابية من قبل لجنة الأعتماد المؤقتة وموقعة او مختمة من رئاسة البرلمان و على ضوء العدد المحصى ، واثناء جلوس الأعضاء في اماكنهم ، فهي ليست بطاقات تمونية يذهب الكل لأقتنائها وممكن الأخذ اكثر من واحدة، ولايجوز قطعا ان توزع اثناء التصويت ،فمن يضمن ان المندوب ممكن ان يأخذ اكثر من ورقة لزيادة القوة التصويتية. تدخل الدكتور فواد معصوم في الكثير من اللحضات المهمة لتفادي الأرباكات التنظيمية، كانت حاسمة وضرورية، وتعكس خبرته العالية، فمن الواضح ان خبرة الساسة الأكراد هي أكثر من الساسة العرب في ادارة البرلمان وهي نتيجة منطقية لانهم يمارسون حياة برلمانية مستقرة عمرها اكثر من 12 سنة في البرلمان الكردستاني. وهنا كان يفترض ان يكون رئيس البرلمان العراقي كردي بدل من عربي ،لان الخبرة البرلمانية الديمقراطية مهمة جدا في ادارة اعمال البرلمان، الذي يحتاج الى قائد يمتلك اصول الأدارة واتكيت الحديث الرئاسي وخبرة في كيف ادارة الجلسة ووفق اي ظوابط ولوائح داخلية لأنجاح عملها وهنا لابد من التأكيد ان الخبرة السياسية ليست كافة وانما الخبرة التنظيمية والأدارية هي بالدرجة الأولى مطلوبة، فقد كانت ادارة الدكتور فؤاد معصوم ، في الفترة السابقة ، موفقة وتنم عن خبرة عالية في ادارة البرلمان. وهنا اثبت فشل الأقتسام الطائفي السياسي في توزيع المهام الرئاسية، لان ماهو مطلوب لهذا المنصب هو رجل عراقي وطني خبير في ادارة البرلمان. كذلك اختيار العالم النووي حسين الشهرستاني لمنصب نائب البرلمان غير موفق ، لان هذا الرجل بهذه الكفائة العلمية العالية يفترض ان يوظف في مجال علمي نووي او فيزيائي او احد الوزارات العلمية العراقية للأستفادة القصوى من كفائته العلمية وعقله المبدع في بناء البلد الذي بأمس الحاجة الى مثل هذه الخبرات، اما مهمته الحالية هو نائب لرئيس البرلمان ، فهي مهمة ادارية ممكن ان تناط باي عضو برلماني له خبرة ادارية. ان القوائم الكبيرة الفائزة بهذا الأقتسام الطائفي السياسي تهدر من الأستخدام العقلاني للثروة العلمية العراقية النادرة وتوظف العقول العراقية ليس بناء على حاجة ومتطلبات البلد وانما بناء على الأتفاق والمحاصصة فيما بينهم ، وهذا خلل كبير يجب ان يعالج عند الشروع في كتابة الدستور أعضاء البرلمان العراقي الكثير منهم قادة جدد في خبراتهم البرلمانية والمهنية، فهذا اول برلمان عراقي حقيقي ديمقراطي يتشكل منذ نشوء الدولة العراقية، لذلك من الضروري اخضاع كل اعضاء البرلمان العراقي وبرلمانات المدن العراقية الى دورات مهنية تاهيلية في كيفية ادارة وعمل جلسات البرلمان وكذلك طبيعة الحياة البرلمانية الديمقراطية. وهنا يكمن الأستفادة من الدول الاوربية وامريكا في تنظيم دورات تأهيلية مكثفة لأعضاء البرلمان العراقي. ان التأهل بثقافة الوعي البرلماني والممارسة الديمقراطية والتمسك بنظام ادارة عمل جلسات البرلمان هي من المهمات الملحة لتطوير وعي وكفائة عضو البرلمان بالشكل الذي يبسجم مع مهماته، فتراكم الخبرة وزيادة الوعي بثقافة الحياة البرلمانية ستساعد البرلمان العراقي على انجاز مهامه اليومية بنجاح واختزال عامل الزمن. ان العراق يولد من جديد، وكل مؤسسات المجتمع المدني السياسية والبرلمانية والمهنية بحاجة ماسة الى اعادة تأهيل بقواعد عمل سليمة مبنية على اسس ديمقراطية صحيحة منسجمة مع التغيير الحاصل، ليتسني لهذا الوليد الجديد من رضاعة حليب الديمقراطية النظيف الخالي من العقد الأجتماعية والسياسية، فحليب الأنظمة الديمقراطية العربية المسّوق في العراق ملئي بالدسم والشعارات التي تسبب الأسهال والأستحواذ والخنوع للقائد والأنفصام في الديمقراطية، وهذا مالاينسجم مع التربية العصرية للعراق الجديد.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |