إلى الجنوب در

 

نــزار حيدر

 NAZARHAIDAR@HOTMAIOL.COM

 

     هنالك عدة حقائق تتعلق برد فعل العراقيين ضد الإرهاب القادم من جار السوء ، الأردن :

   فلأول مرة ، يشهد العالم العربي ، تظاهرات شعبية غير سلطوية ، لم تدع لها الحكومة ، ولم يحرض عليها الحزب الحاكم ، كما لم يجبر طلاب المدارس ، مثلا ، على ترك مقاعد الدراسة للتظاهر في الشوارع ، أو موظفي الدوائر لترك أعمالهم للنزول إلى الساحات العامة ، تأييدا لسياسات الحاكم الأوحد والرمز الضرورة ، بل إنها تظاهرات تحركت من الشارع لتجبر الأحزاب السياسية على إبداء رأي في الحدث ، ولتفرض على الحكومة ، التي هي في الأصل ضد هذه التظاهرات ، ولم تكن لتتخذ موقفا ضد البلد المعني بها ، الإسراع في اتخاذ موقف رسمي ، على الأقل لذر الرماد في العيون .

   هذا من جانب ، ومن جانب آخر، لم يقتصر رد الفعل هذا ، على العراقيين في داخل العراق فقط ، وإنما شمل كل العراقيين في مختلف دول العالم التي يتواجد فيها العراقيون بدءا من دول أوربا ، صعودا إلى استراليا والى قارة أميركا الشمالية ، ولو منحتهم الظروف السياسية في البلاد العربية والإسلامية ، فرصة مماثلة ، لما استثني بلد من بلدان العالم ، إلا وشهد من التظاهرات والاعتصامات ، ما شهدته بغداد والحلة وكربلاء والبصرة ، وكل مدن العراق الأخرى .

   إنها التعبير العفوي والصادق في آن ، عن الغضب الشعبي المحتقن في نفوس العراقيين من جار السوء هذا ، الذي ظل طوال ربع قرن يحتلب العراق في ظل نظام الطاغية الذليل ، وبدلا من أن يقف اليوم إلى جانب العراقيين في محنتهم الحالية ، عمد إلى عظهم ، كالكلب المسعور الذي لا يشبع نهمه شيئا ، وصدق الله العظيم الذي قال في محكم كتابه الكريم ، مصورا حال أناس كالأردن (ملكا وحكومة وشعبا) (( فمثله كمثل الكلب ، إن تحمل عليه يلهث ، أو تتركه يلهث )) .

   ولا ننسى رد الفعل العراقي الغاضب الذي بدا واضحا ، وبشكل كبير ، في مختلف مواقع الانترنيت ، إلى جانب ردود الفعل على المقالات التي كتبها بعض أيتام الطاغية الذليل ، من الأردنيين ، في عدد من الصحف .

   فهي ، إذن ، ليست مفتعلة ، ولم يحركها احد ، كما أنها لم تنطلق لحساب احد أو لمصلحة جهة معينة ، بل جاءت بشكل عفوي لتعبر عن احتقان شعبي مكبوت ومحتقن ، عمره ربع قرن ، ولتعبر كذلك عما كان يغلي في نفوس العراقيين ، لتأتي العملية الإرهابية التي نفذها الأردني ، وما رافقها من تورط الإعلام الأردني  وشخص الملك وحكومته ، في الاحتفاء بمقتله ، لتكشف عن عورة الأردن ، وتسقط أوراق التوت التي ظل يتخفى وراءها ، ولتميط اللثام عن حقيقة الدور الأردني الخطير وتورطه ، في موجة العنف والإرهاب الذي يجتاح العراق ، منذ سقوط الصنم قبل عامين ، ولحد الآن .

   إن موقف الأردن اتسم بالعدوانية طوال الوقت ، فهو لم يقف إلى جانب الشعب العراقي قيد أنملة ، وإنما صب كل دعمه ، وعلى مختلف الأصعدة ، لصالح النظام الديكتاتوري الشمولي البائد ، وكأنه كان يتعمد مشاركته في جرائمه .

   واستمرارا لمواقفه العدوانية تلك ، عمد الأردن إلى استضافة عائلة الطاغوت ، وجل ازلامه وأيتامه وزبانيته ، لامتصاص المليارات التي هربوا بها من العراق ، بعد سقوط سيدهم .

   وأكثر من هذا ، يبادر الملك ، بين الفينة والأخرى ، إلى زيارتهم في غرفهم الخاصة في الفنادق التي يقيمون فيها ، للوقوف شخصيا على مشاكلهم وحاجاتهم ، وهم المتورطون بشكل مباشر في دعم العنف والإرهاب في العراق ، سواء بتجنيد الإرهابيين أو بدعم شبكاتهم وخلاياهم ، بالمال اللازم .

   لقد انتشرت خيام العزاء في مختلف مناطق الأردن ، حال انتشار خبر مقتل المجرمين عدي وقصي ، ابنا الطاغية الذليل ، فيما لم يبد الأردن أي مظهر من مظاهر الحزن والألم على أي من ضحايا الإرهاب في العراق .

   إن من يعتبر رد الفعل العراقي الغاضب ضد جار السوء ، نكران للجميل ، هو احد اثنين ، فإما أن يكون من أيتام النظام البائد ، من الذين تضرروا بسقوطه في التاسع من نيسان عام 2003 ، ولذلك فهو يصطف بشكل أو بآخر مع الأردن ، التي تمتلئ بأيتام على شاكلته ، أو انه لا يعرف حقيقة الدور الأردني في العراق ، وعليه ، في هذه الحالة أن يطلع على خفايا الأمور ، قبل أن يوزع التهم على العراقيين ، أو يتحدث بما يتناقض والحقيقة المرة .

   إن الأردن ، هو الجار الأخطر على العراق ، ولذلك يجب فضحه وتحذير العراقيين منه ، فهو من أكثر بلدان الجوار دعما وتشجيعا لسياسات النظام البائد ، سواء خلال فترة الحرب العراقية ــ الإيرانية ، أو خلال فترة أزمة احتلال الكويت ، وما رافقها ولحقها من حرب وانتفاضة شعبية ضد النظام ، وكل ذلك من اجل التنكيل بالعراقيين ، ومواصلة الاستفادة من العراق اقتصاديا ، وبشكل ملفت للنظر .

      كما انه الأخطر في مساعيه الرامية إلى عرقلة تقدم العملية السياسية الجديدة في العراق ، من خلال التآمر ووضع العصي في عجلتها ، والتحريض ضد الأغلبية ، وتكرار التهم والشكوك في الولاءات ، والتدخل المباشر في كل صغيرة وكبيرة .

   لقد انتعش الأردن اقتصاديا ، وتحول من غور صغير وارض يباب ، إلى بلد نامي ، بأموال العراق ، وعلى حساب دماء العراقيين ومعاناتهم .

   إن الأردن ، هو البلد الوحيد الذي شارك ملكه المقبور ، الطاغية صدام في حربه على الجارة إيران ، ولا زالت الذاكرة العراقية تحتفظ بتلك الصورة التي تجمعهما في جبهة القتال وهما يسحبان حبل المدفع الذي أطلق أول قذيفة في تلك الحرب اللعينة .

   وهو البلد الوحيد من دول الجوار الذي فرض الضرائب على العراقيين المقيمين على أراضيه .

   وهو البلد الذي طالما سلم المواطنين العراقيين اللاجئين إليه ، إلى سلطات الأمن والمخابرات العراقية زمن النظام البائد ، ليلاقوا حتفهم المحتوم .

   انه البلد الذي رفض ، حتى آخر لحظة من عمر النظام المقبور ، احتضان المعارضة العراقية ، بل انه لم يفتح لها ، حتى أبواب الزيارة ، بل عمد إلى تسليم احد ابرز قادتها إلى النظام المقبور ليقتل في أقبية السجون والمعتقلات ، باستثناء حركة واحدة لقيت في الأردن الحضن الدافئ ، لأسباب مخابراتية معروفة .

   إن العراقيين ليستغربون ، بل ليضحكون من سخرية القدر ، عندما يوصف رد فعلهم الغاضب هذا ضد الأردن ، على انه نكران للجميل ، وكم أتمنى أن يبادر الإعلام الشجاع إلى فتح ملف العراقيين الذين مروا على الأردن زمن النظام البائد ، ليطلع المغفلون على مدى (الجميل الكبير) الذي قدمه الأردنيون (ملكا وحكومة وشعبا) إليهم ، أيام المحنة ورحلة العذابات . 

   إن العراق لم يستفد من منفذه على الأردن ، أبدا ، على العكس ، فلقد استفاد الأردن من ذلك بشكل كبير ، كما استفاد من هذا المنفذ ، الإرهابيون المنتشرون في المنطقة الغربية من العراق .

   إن الأردن الذي تحول إلى المنفذ الوحيد للعراق بعد سقوط النظام البائد ، يستفيد بشكل كبير من حركة المال العراقي ، كما انه يستفيد كثيرا من كل نشاط سياسي أو دبلوماسي أو أكاديمي ، يخص العراق ، يقوم على أراضيه ، إذ أن مثل هذه النشاطات تدر عليه بالملايين ، كما انه يستفيد كثيرا جدا من عقود تدريب الشرطة والحرس الوطني العراقي الجديد ، في الوقت الذي لم يكن فيه العراق بحاجة إلى مثل هذا التدريب ، إذ أن في العراق الكثير من الأكاديميات القادرة على بناء الأجهزة الأمنية المطلوبة ، لما فيها من كفاءات وكوادر فنية متدربة ، سواء في العاصمة بغداد أو كردستان العراق ، إلا أن إصرار الأردن على تدريبهم على أراضيها ، الهدف منه أمرين ، الأول ، لزرع حاضنات الإرهاب في صفوفهم ، ليعودوا إلى العراق ، استعدادا لاستقبال الإرهابيين الذين ستبعثهم المخابرات الأردنية لاحقا ، والثاني لنهب أموال العراقيين .

   ولا شك ، فان منفذ العراق عبر الكويت (الجنوب) أفضل بكثير من منفذه على الأردن (الغرب) ، وهنا يلزم أن أبين الحقائق التالية :

   فمن اجل أن لا يكون كل رد الفعل الشعبي الضخم والكبير هذا ، ضد الأردن كقفزة في الهواء ، اعتقد انه يجب أن تنتهي الأزمة ، بنتيجة واضحة جدا ، وان ترسو على بر نهاية واضحة وملموسة .

   إنها الفرصة ، لمعاقبة الأردن .

   أما المشروع الذي اعتقد انه الوحيد الذي يساوي ثمن كل هذا الغضب الشعبي ، فهو :  تحويل منفذ العراق الأول والاهم ، من الأردن إلى الكويت ، وبعبارة أخرى ، من منطقة الغرب الإرهابي السلفي البعثي ، إلى منطقة الجنوب المسالم الهادئ ، ضحية النظام الشمولي البائد .

   ولشرح فكرة المشروع ، اسرد التفاصيل التالية :

   أولا ؛ إن أي منفذ هام للعراق مع أي من جيرانه ، يعتبر بمثابة المكافأة لهذا الجار ، ولا اعتقد أن الأردن يستحق مثل هذه المكافأة ، على الإطلاق ، ولو أن احدا من جيران العراق ، يستحق مثل هذه المكافأة ــ مع الأخذ بنظر الاعتبار الظروف السياسية التي تحيط بالعراق ــ فهو الكويت ، التي لنا معها علاقات صداقة وطيدة واستراتيجية ، وعلى مدى فترة زمنية طويلة ، اعتقد انه قد حان الوقت لاستثمارها.

   كما أن الكويت ، هو البلد الجار الذي عرض سمعته ، وخاطر بأمنه وجازف بقراره السياسي الوطني ، من اجل المساهمة في تحرير الشعب العراقي من ربقة الاستبداد والديكتاتورية ، عندما فتح أرضه وما عليها ، أمام القوات الاميركية التي شنت الحرب على النظام البائد ، قبل عامين ، والتي انتهت بتغيير الأوضاع في العراق .

   ثانيا ؛ ليس للكويت أية أطماع اقتصادية أو مشاريع طائفية ، فهي ، كما نعرف ، بلد شبعان ، كما يقولون ، لا يطمع لا في بترولنا ولا في أموالنا ، ولا في أي شئ آخر ، أما الأردن ، فهو بلد طامع بكل ما هو عراقي ، حتى النظام السياسي ، يطمع الأردن في أن يكون له دور في صياغته .

   كذلك فان الأردن ، يأوي عائلة الديكتاتور وأيتامه ، طمعا في أموالهم ، أو لمقايضتهم بشئ ما في المستقبل ، أما الكويت ، فحالها حال العراقيين ، متضررة من النظام البائد ومن كل ما يتعلق به .

   كما أن بيننا وبين شعب الكويت أواصر متينة ، سيساهم مثل هذا المشروع  في إنعاشهم سياسيا واقتصاديا وثقافيا وفكريا ، بما يقوي الكويت ضد الخطر الوهابي السلفي الإرهابي الذي يتربص بها وبالعراق ، وهذا ما يصب في صالح البلدين ، على المستوى البعيد.

   ثالثا ؛ إن مثل هذا المشروع ، سيساهم في إنعاش مناطق الجنوب ، اقتصاديا وتنمويا ، إذ كما هو معروف ، فان مناطق الممر ، ستستفيد منه اقتصاديا ، ما يساهم في التقليل من ظاهرة البطالة ، والإسراع في إعادة البناء ، وغير ذلك ، وسيكون كل ذلك بعض المكافأة التي يلزم أن يشعر بها ويتلمسها ضحايا النظام البائد ، الذي كان يحاربهم في لقمة العيش ، من خلال التجاهل المتعمد لمناطقهم ، وعلى مختلف الأصعدة .

   في المقابل ، فان الاستعاضة بالكويت عن الأردن ، سيساهم في تجفيف منابع القدرة الاقتصادية عند المناطق الممتدة من بغداد إلى الأردن ، (مناطق تمركز مجموعات العنف والإرهاب) وهو ابسط عقوبة يجب أن يتحسسها الإرهابيون ومن يقف وراءهم في تلك المناطق .

   كذلك ، فان الممر الجنوبي آمن إلى درجة كبيرة ، بالامكان تامين كل الطرق في هذا الاتجاه ، على العكس من الممر الغربي الذي تحول إلى مسلخ للتجار والسائقين والناس المارين من هناك ، كما انه تحول إلى مصدر اقتصادي ومالي كبير للإرهابيين ، الذين يعمدون إلى سياسة الاختطاف لابتزاز مختلف الجهات .

   ولعل ذلك من جملة الأسباب التي تدفع ببعض المؤسسات والهيئات ، المعروفة بارتباطاتها الخفية مع الإرهابيين ، للدفاع عن الأردن ، لان أي عقوبة من هذا النوع يتعرض لها الأردن ، هي في الحقيقة عقوبة مزدوجة ، ستشملهم ، والإرهابيين على وجه التحديد ، علما بان تلك المناطق لم تشك من ظاهرة البطالة ، لان جل أهلها هم من أيتام النظام البائد ، الذين إما هربوا بأموال الشعب إلى مناطقهم عندما سقط النظام ، وإما ممن يشارك في عمليات الخطف ، واستلام التعويضات ، فهم بالتالي مستفيدون بشكل كبير من ظاهرة الإرهاب ، والتي هي بالنسبة لهم ، مصدر إثراء كبير ومهم ، ولذلك يتسترون عليه .

   إن تنفيذ هذا المشروع ، سيساهم في تجفيف المنابع الاقتصادية للإرهابيين ، في المنطقة الغربية ، ويجفف الأرضية التي يقفون عليها ، وينتشرون فيها .

   رابعا ؛ إن تحويل الطريق الاستراتيجي من الأردن إلى الكويت ، سيعزز من فرص بناء النظام الديمقراطي ، فكما هو معروف ، فان المتحمس لبناء العراق الجديد ، هم ضحايا النظام البائد ، من الشيعة في الجنوب والكرد في الشمال ، أما الآخرون  في غرب البلاد ، فسوف لن يتحمسوا لها أبدا ، لأنها ستأتي على حساب السلطة المطلقة التي فقدوها بسقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003 .

   إن العداء الموروث بين الكويت والأردن ، بسبب السياسات غير الحكيمة للأخير ، سيساعدنا على تحقيق هذا المشروع الذي اعتبره ، في حقيقة الأمر ، أكثر من استراتيجي ، للتخلص من المخاطر الكبيرة التي يمثلها الأردن على العراق ، وعلى شعبه ، واخص بالذكر ، على الأغلبية منه .    

   خامسا ؛ إن الأردن ، وكما هو معروف ، الحديقة الأمامية لإسرائيل ، كما أن الملك وحكومته ، هما الشرطي الذي يحرس حدود بلاده معها ، فالأردن ، بعبارة أخرى ، المنفذ الذي تتسلل منه إسرائيل إلى العراق ، والمعبر الذي تعبر منه إليه ، ولذلك ، فان غلق هذا المنفذ ، سيساهم في الحيلولة دون تسلل إسرائيل إلى العراق الجديد .

   كما أن استمرار هذا المنفذ مفتوحا ، يفيد إسرائيل اقتصاديا ، بشكل كبير، ولا اعتقد أن من مصلحة العراق الآن ، تقوية الاقتصاد الإسرائيلي ، والتبذير برؤوس أمواله ، في الوقت الذي هو وأبناءه بأمس الحاجة إليها ، فليس من الحكمة أن تمر حركة المال العراقي إلى دولة طامعة فيه ، سارقة له (الأردن) وأخرى عدوة تتربص به (إسرائيل) .

 

 

 

 

 

 

                                                                                  

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com