|
الاصلاح ام الانهيار السياسي في نظام الحكم السوري
د. لميس كاظم
شهدت الدبلوماسية السورية خلال الشهرين المنصرمين حركة مكوكية نشيطة داخلية وخارجية لم يألفها النظام السوري طيلة حكمه ، فهو لاول مرة يدرك ان مستقبله السياسي يحترق بين نارين شديدتين اللهب، نار الخارج والداخل، كل منها تكفي لقبره والى الأبد. لكنه بدء بهدوء بالأستعداد واتخاذ الخطوات التي تحاول إطفاء الّسنة اللهب المتقدة تدريجيا. نار الولايات المتحدة التي تحاول تصفية الأنظمة الشمولية التي تفرخ لأرهاب. فقد بذلت الحكومة السورية قصارى جهدها لتتجنب المواجهة ، مدركة ان النار ستأكلها اذا استمرت في تزمتها، وهي تمر في اسوء وضع وضع دولي منذ استلامها للسلطة قبل اربعة عقود. لذلك قدمت العديد من التنازلات من طرف واحد مستفيدة بقوة من قسوة الدرس الذي لُقن لنظام البعث العراقي، ومن الممكن ان يكرر معها لانهما تؤمان لفكر واحد، وايمانا بان البعث كحزب وكنظام سياسي لم يعد ينسجم مع طموحات امريكا ويتعارض مع سياسة الشرق الأوسط الكبير . فسوريا تعتبر العقبة الكبيرة، بعد ايران، في تمرير مثل هذه السياسة ولذلك فهي الأكثر عرضة للضغط الشديد في سيبل تروضها واستجابتها الكاملة لكل الشروط التي تطلبها امريكا واسرائيل. أما سوريا فأخرجت اسلحتها وبدءت باسقاط الواح كبيرة من الكونكريت والرماد لاطفاء هذه النارالمعسورة، التي لاتطفأ بسهولة وكان اول خطواتها هي : 1. سلمت العديد من قيادات النظام الصنمي العراقي السابق لأمريكا ،المختبئون في سوريا والتي نكرت في السابق وجودهم، وهي مستعدة لتسليم المزيد وايقاف كل انشطتهم السياسية والمالية وابعاد الكثير منهم خارج سوريا ان استوجب الأمر. 2. وقعت سوريا هذا الأسبوع على الاتفاقية الدولية ضد الأرهاب، لأثبات حسن السلوك في المحفل الدولي، وتعهدت بالألتزام الكامل بتنفيذ بنودها، مما يتطلب منها تنظيف المدن والمعسكرات السورية من الحركات والتنظيمات الأرهابية وايقاف دعم الأرهابيون والغاء كل المسالخ والمعسكرات الأرهابية التي يتدرب فيها الوحوش العربية والأجنبية المتفجرة ومنعهم العبور من والى العراق. 3. كذلك ستحاول تفكيك وابعاد، كل التنظيمات الفلسطينية وكل التنظيمات التي تصنفها امريكا بالأرهابية، خارج الحدود السورية. 4. انجزت على عجل الكثير من خطوات الأنسحاب فيما يتعلق بقرار 1559. فقد سحبت قواتها واجهزتها المخابراتية من بيروت الى البقاع ورَحلت حوالي 4000 من قواتها الى داخل الأراضي السورية لغاية وصول لارسن، مبعوث الأمم المتحدة، وقد سلمته جدول زمني للانسحاب الكامل. لكن لارسن طلب منها التنفيذ الكامل للقرار، وهويقصد نزع سلاح حزب الله وتفكيك المقاومة المسلحة في جنوب لبنان. ان تصريح لارسن على ان مزراع شبعا سورية الأصل استنادا لاتفاقية ترسيم الحدود والخرائط بين البلدين الموجودة حاليا في ارشيف هيئة الأمم، هو كلمة حق يراد بها باطل، فالكل يعرف ومعترف بين البلدين ان مزارع شبعا ارض لبنانية واقعة تحت الأحتلال الأسرائيلي، واكدت هذه المعلومة من قبل وزيري الخارجية السوري واللبناني يوم امس ،فقد اعلنا ان مزارع شبعا هي ارض لبنانية. لكن هذا لم يفِ بالغرض فالأدارة الأمريكية تحاول الضغط على سوريا في التأثير على حزب الله لانهاء وجوده العسكري وان يتحول الى حزب سياسي. هذا الخبث السياسي الذي تمارسه امريكا في تقديم المطالب عبر المحفل الدولي لكي تدين سوريا دوليا على اعتبار ان القرار لم ينفذ بالكامل، لتسى لها فرض قرارات تعسفية دولية ضد سوريا. 5. ابدت سوريا حسن النية في بدء المفاوضات الغير مشروطه مع اسرائيل من نقطة الصفر، لكن اسرائيل رفضت ذلك منتظرة تنازلات اكثر، بالوقت الذي طُبعت العلاقات التجارية بين البلدين، إذ تم استيراد الفاكهة الأسرائيلية من مرتفعات الجولان كمحاولة اولية لتطبيع العلاقات مع اسرائيل. أن تنفيذهذه المطاليب لن يكفي لاطفاء النار الخارجية المسعورة. لان امريكا مدركة تماما ان الضغط الشديد على سوريا سيولد رفضها لكثير من الخطوات الدولية وبالتالي يسهل محاصرتها وتقويضها. اما النار الداخلية فهي الأشد لهبا، فالبعث السوري وعلى مدى اربعة عقود اقترف العديد من التجاوزات والأنتهاكات والتغييب والتصفيات بحق المعارضة الداخلية، وتفعيل وممارسة سياسة الحزب الواحد في الحياة السياسية اليومية، لكنه في الديكور السياسي كان يمتلك، الجبهة الوطنية القومية التقدمية الأشتراكية لصاحبها حزب البعث العربي الأشتراكي، كرمز للتعددية الشكلية. هذا التفرد السياسي وخنق الحريات السياسية والمهنية ولد احتقان سياسي ومهني شمل معظم القوى السياسية السورية المعارضة ناهيك عن الأزمة الأقتصادية التي ولدت احتقان اجتماعي واقتصادي شمل كل الفئات والطبقات الأجتماعية السورية، بأستثناء اعضاء حزب البعث واجهزته القمعية والمخابراتية. لذلك فالمجتمع السوري حاليا يتملك احتقان سياسي اجتماعي اقتصادي انفجاره يعادل قوة اعصار تسنامي. بالوقت نفسة دعت الخارجية الأمريكية في الاسبوع الماضي اقطاب المعارضة وحملة الأصلاح السوري الى واشطن للتباحث بالشأن السوري، وتطمينهم واعطائهم زخم من الدعم في نضالهم السلمي العلني ضد نظام الحزب الواحد، وهي ورقة ضغط ضد الحكومة السورية اثبت نجاحها في التجربة العراقية قبل اسقاط الصنم. كلمة حق تقال ان البعث السوري يملك اكثر حكمة وتوازن سياسي من البعث العراقي الصنمي. فهو يدير حُكمه بعقلية بعثية جماعية من النخب القيادية، إذ يدرك الخطر قبل وقوعه مما يجعله يتصرف بحكمة في الكثير من القضايا التي يراها تضر بمصالحه ومصلحة البلد وما ابداه من تنازل في الأنسحاب من لبنان الأ مبادرة واعية لحجم الخطر القادم. ونتيجة الضغط الخارجي القوي بادر الى اجراء مسح طفيف من الأصلاح السياسي الداخلي عسى ان يفي بالغرض اسؤة بباقي الدول العربية. فقد افرج عن المعتقلين في احداث القامشلي التي اندلعت في اذار الماضي والتي راح ضحيتها اكثر من 40 شهيد كردي، لكنه لم يفرج عن الكثير من المعتقلين السياسيين القابعين لسنين طويلة في السجون، وبدء للأستجابة لتسجيل الكثير من الأكراد الذين لايمتلكون الجنسية السورية، وسيناقش مؤتمر لحزب البعث في يونيو القادم قانون تأسيس الأحزاب. كل هذه التغيرات هي عبارة عن رتوش خفيفة تجرى على اطار اللوحة السياسية السورية الداخلية المثخنة بالجراح، وهي لاتفي بالغرض لااصلاح الوضع الداخلي الذي افسده نظام الحزب الواحد. المعارضة السياسية السورية الداخلية والخارجية استثمرت هذا الجزر التسنامي الذي حصل في شاطئ البعث السوري، فبادرو الى طرح برامج للأصلاح السياسي والأنتقال من مرحلة الدفاع الى الهجوم لتحقيق المطاليب الديمقراطية، وهو حق مشروع ومحاولة ذكية تحمل النفس الوطني لاضعاف دور وهيمنة نظام الحزب الواحد. فقد اصدر حزب الأصلاح السياسي السوري مبادرة لأصلاح الوضع الداخلي . كذلك اصدر تنظيم الأخوان المسلمين قبل ايام بيان يدعو الحكم السوري لعقد مؤتمر وطني شامل لكل اطياف المعارضة السورية بدون استثناء، خلال مدة اقصاها ثلاثة اشهر، لكن قبل هذا المؤتمر طلب من الحكومة السورية ان تجري جملة من الأصلاحات المهمة: كاطلاق سراح المعتقلين السياسين والغاء حالة الطوارئ والدستور المؤقت، والغاء قانون رقم 8 سيئ الصيت الذي يمنح البعث فقط الحق السياسي العلني في العمل، ثم توجه البيان الى القوات المسلحة السورية بنداء الى مساندة الثورة البيضاء المزمع اجرائها. هذه المبادرة الوطنية من اقطاب المعارضة السورية تعكس الحرص الشديد على اجتناب المواجهة مع امريكا ودرع خيار الحرب الذي من الممكن ان يعرض سوريا الى كوارث بشرية واقتصادية مهلكة، وهو بنفس الوقت ادانة شديدة للنظام السوري في معالجة الوضع الداخلي وسياسته الهوجاء التي اوصلت البلد الى هذه النتيجة والمواجهة. ان هذين الناران الداخلية والخارجية اللتان اضرمتا في وقت واحد، وضعت النظام السوري امام خيارين لا ثالث لهما، أما الأصلاح السياسي واقامة نظام سياسي تعددي ديمقراطي حر يسمح بالأنتخابات الحقيقية وحرية الأحزاب والتداول السلمي للسلطة أو اسقاط النظام الشمولي السوري واحلال البديل الديمقراطي مثلما حصل في العراق. انا اتوقع ان خيار الأصلاح السياسي هو الأكثر حضاً في العقل السوري الحاكم لانه مدرك تماما انه لايستطيع المواجه الخارجية ولن يجد من دول الجوار والعربية المساندة والتضامن، فالكل في مأزرق اصلاحي والشاطر هو الذي ينجو بأقل خسارة. كما ان الوضع والأقتصادي والسياسي والأستراتيجي السوري لايسمح لهل بتحمل عبئ اي حصار مثلما نُفذ ضد العراق، وهم مدركون ان أمريكا قادرة على اسقاطهم سياسيا، بل وستحاول هي ايضا في العمل ضمن الخيار الأول. تشير التوقعات بأن العقل البعثي السوري بكل سلبياته وسطوته وبطشه، ،من خلال سلوكه الأخير في التعامل مع الأزمة السورية اللبنانية، انه مستعد للتنازل والمضي في الأصلاح السياسي بدل الحرب ، فان فعل ذلك فهو عين العقل وخيار وطني، ممكن ان يجعله قوي في ادارة قواعد المعركة السياسية الديمقراطية القادمة، وستساعده في توسيع قاعدته التي هي اساسا اكبر قاعدة جماهيرية حاليا في الشارع السوري. ان النظام السوري سيُقدم على الأصلاح السياسي لانه مدرك للخطر الحقيقي وله قراءة واقعية للخطرالأمريكي. فهو سوف يحصن قواعده الداخلية ويوسع الأصلاح السياسي بجرعات مؤمونة، وهو غير مبالي من هذا الأصلاح، لانه وعلى مدى اربعة عقود من الحكم أسس وبَعّث كل مؤسسات المجتمع المدنية، ولذلك فهو يمتلك كل المؤسسات والقاعدة الحزبية القوية الواسعة والأمكانات المادية والحكومية، وسيقدم لها المزيد من الأغراءات المادية والسياسية، التي تحمية من اقوى المنافسين المعارضين، بنفس الوقت سيحتمي بقوىالمعارضة الوطنية القادمة مع الأصلاح السياسي للدفاع عن الوطن ضدالمحتل بعد ان اصبح وحده في مواجهة المخاطر. ان الحل الأمريكي في اسقاط الصنم العراقي اعطى دروس قوية للمنطقة، ارعب فيها اولا الحكومات الشمولية التي تغطرست بقوتها وبنفس الوقت ارعب الشعوب والأحزاب التي ستتحررعبر الخيار الأمريكي وما سببه خيار الحرب من دمار بشري وحضاري وما رافقه من ارهاب وقتل وانفلات امني. فهذا الخيار لايعطي قوة المثل ، لكن سيكون الدرس العراقي هو اخر الخيارات التي ممكن استخدامها. ان النظام السوري الشمولي مدرك انه مستهدف اكثر غيرة من الأنظمة العربية، لذلك سينحني اما العاصفة القادمة وسيحاول اغراق كل اصدقائه امام مد طوفان تسنامي على امل ان ينقذ نفسه بسلام لكنه لن يدرك ان هذا المد ممكن ان يغرقه اذا لم يستجيب بقوة للأصلاح السياسي الحقيقي. هذا ماستكشفة الأشهر القادمة.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |