سقط الصنم في قلب بغداد

 

د. لميس كاظم

lamiskadhum@hotmail.com

 

سقط الصنم في ساحة الفردوس قلب بغداد النابض، وسط احتفالية مهينة لاتليق بمقام الصنم ولا بمقام المحتفين به.

سقط الصنم وسقط الفكر والولاءات وهرب الجسد والعقل.

 سقط الصنم ولم تسقط بغداد الجريحة التي ادملتها تلك الصواريخ التي دكت كل اضرحتها وعتباتها المقدسة

 حوصر الصنم  في ساحة الفردوس فأستسلم بدون مقاومة والناس ظلت باهته منذهلة من الحدث، كيف يحدث ذلك بسرعة، كيف يسقط الصنم ويهرب الجسد.

 اُسقط الصنم قبل ان يمسح دموعة وحال وصوله لحديقة الفردوس تبرء التراب العراقي الطاهر منه واعلنت رفض دفنه في كنفها. حقا اين سيدفن الطاغية، فأرض العراق برئية من جسده.  

انهال المحتفون به  ضرب النعل بدل الهتافات الذي اعتاد سماعها  بالروح بالدم نفديك يابن العوجة ... ذهل الصنم من شدة البصاق والنعل التي استقبل بها وعندها ادرك انه في ايادي امينة.

 اما ابو تحسين ذلك العراقي الشهم الذي ترك اللصوص والسراق يعبثون ويسرقون بممتلكات الصنم والعراق واستفرد بصورة الصنم، غنيمة دسمة لاتعوضه عن كل الغنائم، سحب نعالة من رجله ليحتكم القبضة علية بين يدية وبدء يحاكم الصنم على جرائمة التي ارتكبها بحق شباب ونساء واطفال ودمار العراق، الناس منهمكون في حصد الغنائم، وابو تحسين مستمتع في محاكمته، ففي كل جريمة يذكر الصنم بها ، يصدر حكمه المباشر عليه بضربة نعال وتفله او اكثر غير قابلة للأستئناف، كما كان الصنم يحاكم ثوريي العراق بالأعدام والقتل الجماعي غير قابل للتمييز. الفرق بينهما في المحاكمة هو ان ابو تحسين يمتلك النعال كأقوى سلاح والصنم كان يمتلك حمامات التيزاب والمقابر الجماعية، كما ان  ابو تحسين حاكمه علنا اما الجماهير بلا خوف والصنم كان يحاكم ويقبر الأبرياء سرا.

 استمرت محاكمته ابو تحسين لساعات طوال وهو يحاكمة ويبكي على ابناء العراق الذي دفنهم الجلاد وهم احياء، تعبت ذاكرته في استحضار كل جرائم الصنم وعجزت يداه عن الضرب ...قبل طلوع الفجر غفى ابا تحسين ونام بعمق، مبتسم  مرتاح الضمير كأنه انجز كل مايريد في حياته، فقد نال من الصنم وفرغ كل حقده التي ظل جاثما على صدره اكثر من ربع قرن.

والكل يتذكر ويقول نعال ابو تحسين على رأس صدام اقوى من كل المحاكمات الخمس نجوم التي ستنظم له.

ان نعال ابو تحسين على رأس صدام قد دخل التأريخ وممكن ان يحتفظ به في المتحف  التأريخي كسابقة فريدة من نوعها، فهو اول نعال عراقي يحاكم الطاغية ويسقطه على راسه بلا خوف ولا ترد.

نعال ابو تحسين على راس صدام هو افضل شعار للحملة الأنتخابية القادمة، وابو تحسين هو افضل مرشح للحملة الانتخابية القادمة ممكن ان يتبناه احد الأحزاب وسيكتب له الفوز وحصد الأصوات.

 فرح العراقيون بسقوط الصنم لكنهم حزنو على حرق بغداد ونهب امتعتها وبكو على سرقة اثارها وحلتها الثقافية النادرة التي يفتخر العراقيون لندرتها.

سلبت بغداد مدينة الحب والسلام ولم تسلم مفاتيحها الى اهلها ولم تسلم عهدتها الى شعبها.

 بكت الجنائن المعلقة بدموع فاضت انهارا لتغرق حضارات اور واشور واكد وسومر وبابل  وتسألت من يفرح بهذا العرس الذي اغتصبت فيه عشتار وقبرت سمير اميس واختطفت زبيدة من حضن هارون الرشيد.

 استسلمت بغداد وهي فرحة حزينة بلا مقاومة بلا حراس بلا  قتلة بلا فجور وعهر السلطان وابنائه واقربائه.

نامت بغداد مبكرة وهي متعبة من سهر الليالي الفاحشة التي تغتصب بها عرائسها اللواتي لايجرئن على الأعتراض بل يجبرن على الرقص في ليلة اغتصابهن.

نامت بغداد مطمئنة مدركة انها تخلصت من هذا الكابوس الي ظل يؤرقها اكثر نصف قرن.

سقط الصنم وسقطت الهتافات والشعارات  والتحديات الكذابة التي لم تصمد ساعة واحدة فهذه ليست اول مرة تسقط بغداد بخيانة من حكامها وهروب قادتها مختبئين ومتنكرين بلباس غير عراقي، فهم نفس الحكام الذين هربو من بغداد في الحكم السابق، مرتدون العباءات النسائية ليفلتوا من حكم العدالة.

لكن هروبهم في هذه المرة كان مختلف، فقد اختلف الحكام مع المحتكمين وخرجو عن طور طاعتهم فارادو ان ينزلوا بهم اقصى العقوبات علنا ليكونوا عبرة لمن اعتبر.

هرب الأبطال  حماة الديار اصحاب المأثر الوطنية النبيلة، سارقون معهم كل ثروات البلد، معتقدون انها ممكن ان تحميهم من حكم المحتكم.

هرب الطغاة وهم يدمرون ويحرقون وينهبون اخر ماتبقى من خيرات البلد.

 بكي أشقاء الصنم على سقوط امبراطورية القادسية الفاشلة التي خلد بها كل جرائم الأنفال وحلبجة وابطال الأنتفاضة التي قبرهم في تراب العراق.

بكى اصدقاء الصنم على رحيله المفاجئ بدون حفلة وداع او مكرمة من مكارمة التي كان يغرقهم بها ليصفقوا زورا لأنتصاراته التي حققها وليدونو المذابح  بحق شعبه انتصارا.

بكي اصحاب الاقلام الصفراء  لهروب الصنم مبكرا، وهو لم يسدد كل تعهداته لهم فلم يحصلوا الى القليل من السيارات الفارهة والقصور الجميلة التي ستبقى شاهدا على كلمتهم الرذيلة التي امتدحو بها الصنم وكان اطفال العراق بلا حليب بلا اكل بلا جسد. فهذا حال الصنم سخيا كريما على اصدقائه ولئيم خبيث مجرم بحق شعبه.

 عُثر على الطاغية بخيانة من اهله واصحابه كالخيانة التي وشت به وبحكمه، فاخرج من الحفرة كالمتسول الذي فقد اكله ونقوده ولم يتحمم دهرا، لم اتصور ان اغنى حاكم في العالم ممكن ان يختبى بهذا الجحر المقرف، حرج من الحفرة وخرجت معه جرائمه وروائحه الكريهة التي زكمت كل ارض العراق، وحال فصحه كان كالسلجوق  المريض الذي اضهر مدى تخلفه وقلة معرفته باداب الفحوصات الأدبية.

عامان مضت والعراق ينزف من جرائمه التي حصدت الأبرياء ، فهذه هي اخر مكارمه لشعبه.

عامان مضت واسلحة مرتزقته تحصد اجساد العراق، لم يتكفِ انه سلم العراق شعبا بلا ثروة بلا حضارة بلا أعمار بلا حاضر، بل كثف من حقده في حصد اكثر عدد من الضحايا، لم تكفية دماء العراقيين التي سفكها، لكنه يبقى متعطش لدماء العراقيين طالما هو على قيد الحياة. 

حين شاهد احتفالية تنصيب رئيس الجمهورية بدلا عنه اشتاط غضبا وسال رفاق دربه القابعين في الزنانة معه؟

لماذا انتخبو غيري؟هل يحق لي الأعترض على تنحيتي؟ فانا لم ارتكب جرائم بحقهم؟

وسأعدهم باني ساكون مطعيا وفيا هذه المرة... نظر الية الرفاق باحتقار

 وقالو له اذا ثقو بك في المرة الثالثة سيكونون اغبى منك

فأنت خير مجرم انجبته امة الأسلام لشعبه.

سخرو منه علنا وطلبو منه الصمت ليستمتعوا بمشاهدة العرس الأنتخابي الشفاف الذي حرمو منه بسبب ولائهم وخوفهم وجرمهم معه؟

 

 

 

 

 

                                                                                  

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com