|
ثقافة الطفولة في الدستور الجديد
د. لميس كاظم
التطرق الى ثقافة الطفل في الدستور الجديد، بأعتباره عضو اساسي من اعضاء المجتمع، مهمة تتطلب المعالجة السريعة . ان الطفولة هي الأمل الذي سيبني عراقنا الديمقراطي القادم، فعالم الطفولة جميل ومليئ بالحب والمودة، لايعرف الطفل من العالم سوى الأبتسامة والبراءة والنوم، عالم خالي من المشاكل والعقد الأجتماعية يسودة نظام امومي واحد يعطي كل الأيعازات والحنان في اشهره الأولى. يكبر الطفل وتكبر معه الواجبات والحقوق ويتقاسم الزوجان المهام التربية ومعالجة احتياجاته ومشاكله الحياتية. يدخل المجتمع ومؤسساته المدنية كشريك اساسي وحاسم في تربية الطفل، لذلك بات واجب على العائلة والمجتمع التعاون في تربية الطفل على اسس سليمة. المجتمعات المتحضرة تراهن على الطفولة السعيدة التي توفر الدولة الكثير من اجوائها متيقنة تماما ان هذه السعادة ممكن ان تخلق نواتات طيبة تتحول الى قوة صالحة في المجتمع. لم يشاهد اطفالا في العالم العربي بوئس كالذي عاناه اطفال العراق في زمن الصنم نتيجة الرعب والخوف الذي تعرضو لهو من ابتزاز وقهر واغتصاب كأي عضو من اعضاء المجتمع،ولم تتمتع الطفولة بحماية كاملة ومورست عليها عملية غسيل فكري كاملة في كل مراحل تطورها ليتم تكريس ولائها للصنم ولافكاره الهدامة والشريرة، التي تنمي عبادة الصنم وسيادة قانون مجتمع الغابة. فأطفال العراق لم يستمتعوا او يتذوقوا طعم الطفولة، خصوصا اثناء فترة الحصار الجائر على الشعب العراقي، وانما كبرو مع المشاكل وتحملوا هموم الحياة وهم في نعومة اظفارهم ، فحالة الجوع والعوز والأهمال في التربية والتعليم الفاسد، دفعهم للنزول مبكرا الى سوق العمل والشوارع بحثا عن لقمة العيش وكانوا عرضة للأبتزاز والأغتصاب والتسول. وتعرضوا لاشد الأمرض فتكاً بسبب نقص في التغذية ومواد التلقيح والأدوية والفيتامينات الضرورية ونقص الكادر الطبي والعناية الصحية لنمو الأطفال وكذلك نقص في مؤسسات الأطفال التربوية والخيرية التي تقلصت بل وباتت مؤسسات شكلية بعيدة عن اهدافها الأنسانية النبيلة. لقد سقط الصنم وسقطت معه كل الولاءات والأفكار الشريرة الخبيثة التي تؤرق عالم الطفولة البريئ. لكن الرعب والأحلام الشريرة ظلت ترافق أطفال العراق واستمرت تلك الكوابيس لما حضروا بعد سقوط الصنم لمشاهد قتل وترهيب وانتهاكات ترعبهم مدى الحياة. ان حالة الخوف ضلت تلاحقهم ليل نهار وفي كوابيسهم من جراء الذبح وعمليات النحر البشري والدماء التي سالت في شوارع وبيوت العراق والأهم تكريس ثقافة العنف في الأعلام والصحف والتلفزة والشارع، كلها ولدت حالات الفزع والصدمة النفسية لنفسية الطفل العراقي التي تؤرق حياتهم وستنعكس على سيرة حياتهم ونفسيتهم حتى عند بلوغ سن الرشد بل وستلازمهم لفترات طويلة. سقط النصم وبقى الطفل وارث المجتمع كل مؤسسات وكادر الطفل التربوي الذي تربى على اساليب صنمية في التربية. اننا امام حقبة سياسية واجتماعية جديدة وماهو مطلوب بالدرجة الأولى هو بعث الأمن النفسي للطفل وحماية حقه في ممارسة الطفولة في كل مراحلها ومن ثم اعادة بناء ما اتلف افكار اطفالنا الأبرياء من مفاهيم شوفينية وتسلطية واستبداية ومخابراتية، وفي نفس الوقت اعادة هيكيلة وبناء كل المؤسسات والأفكار التربوية التي تربي الطفل على الحياة الديمقراطية الجديدة. سقط الصنم وظلت اسس ولاءات وافكار زرعها في البذرات الأولى لاعضاء المجتمع العراقي ، لذلك على الدستور الجديد ان يؤمن الحماية القانونية لاعادة اعمار ثقافة وديمقراطية الطفل التي هي حجر الأساس المجتمع القادم. ونامل ان يكون للطفولة حيز كبير وفقرات مفصلة في الدستور مما يفسح المجال والأمكانات الى خلق السبل الجديدة والحديثة لمعاجلة تربية وتطوير الطفولة في العراق. ان الدستور العراقي ملزم بأشاعة ثقافة السلم الأجتماعي في تربية الطفل، القائمة على نبذ كل اشكال العنف الأجتماعي والأخلاقي، وهذا يتطلب اعداد برامج تربوية سليمة خالية من مفردات القتل والحرب والذبح والضرب. ان هذه الثقافة تشترط الغاء البرامج الثقافية والأعلامية السابقة التي اعتاد التمتع بها والبدء بحوار الثقافة السلمية القائمة على التسامح والعفو والمحبة والأطراء. سقط الصنم وبدئنا نؤسس لمجتمع الموسسات الدستورية والقانونية، والذي عماد بنائه وتطوره قي المستقبل هم اطفال اليوم، لذلك من الضروري ان تكون الأرض صالحة وطيبة لزراعة هذه البذرات بتراب نقي وماء صافي واساليب عمل وافكار وقيم ديمقراطية سليمة لانتاج جيل جديد بأخلاق وقيم جديدة، تكون تربيتها منسجمة مع التطور الحاصل في البلد. إذ ان من السهولة ان تزرع بذرة جديدة في ارض خصبة وتجني ثمارها الطيب لكن من الصعوبة ان تصلح نبته فيها الكثير من العقد والأمراض في نفس الأرض. ان الدستور ملزم ان يحمي الطفولة من الضياع والتشرد وهو ملزم بصياغة فقرات تؤمن الضمانات الأقتصادية والأجتماعية والتربوية التي تحمي الطفولة من بداية مراحلها الأولى لغاية سن الرشد وايضا تضمين الدستور فقرات تحمي الطفولة من تجاوزات القانون والمجتمع عليه. ان اهم الفقرات التي يجب ان يتظمنها الدستور هي، توفير الأمان النفسي والأجتماعي للطفل في سير العملية التربوية ، فمهم جدا ان تبنى جسور الثقة والمحبة بين الطفل والمؤسسات التربوية بطرق ديمقراطية والحرص الشديد على توفير المتعة والحرية وممارسة الهوايات. ان اشاعة ثقافة التربية الوطنية الغير متحزبة لطائفة او لفكر تساعد الطفل على استيعاب مفردات الوعي والقيم التربوية بشكل عقلاني غير منفعل ومضخم وبالتالي ممكن ان يتطور وعيه لثقافة الأنتماء للعائلة والمجتمع ومن ثم الولاء لحب الوطن بمفاهيم ديمقراطية سليمة ومحايدة تبتعد عن الولاء لاي قائد اوصنم في كل المؤسسات التي تهتم بالطفولة، لان من المهم للطفل ان يشعر بأنتمائه الطوعي للوطن والمجتمع وماهي الواجبات و الحقوق المناطة به كطفل في المجتمع. ان الطفولة التي عشناها ويعيشها ابناء العراق حاليا ، تنمي اجواء غير ديمقراطية، مليئة بالولاء المتعصب، والمتحزب وضعف الشخصية. فالطفل مقمع من قبل اخية واخته والوالد والأم والجد وبقية افراد العائلة وكذلك من الطفل الأكبر في المدرسة والأستاذ وكل من هو اعلى سلطة منه، لذلك لايوجد مجال كبير للتعبير عن وجه النظروابداء الرأي. من الضروري جدا اشاعة ثقافة الأستماع لرأي الطفل ومناقشته من قبل العائلة اولا ومؤسسات الطفل ثانيا، وعدم الأستهانة والتسخيف برائه لكي يكتسب الثقة في التعبير عن وجهة نظره وحرية المناقشة والأختلاف في الراي مع مراعاة حدود الادب. نحن المثقفون لانمتلك الكثير من هذه الممارسات الديمقراطية في تربية الطفل، لكن الاطفال الذين ولدوا في مجتمعات اوربية او ديمقراطية، يمتلكون الممارسة الديمقراطية بقدر اوعى من ابائهم رغم التعليم العالي الذي يمتلكه الأباء، بسبب تعود الأطفال في الحضانة والمدرسة وفي كل اماكن واجواء البلد على السلوك الديمقراطي الحياتي اليومي بدون افتعال، بالوقت ان الكثير من الأباء المنحدرين من اصول عربية واسلامية، لم يمارسوا الديمقراطية لا في عوائلهم ولا في مجتمعاتهم ولا في مؤسساتهم الدينية والحزبية وهو يعيش حالة انفصام بين سلوكة الأجتماعي وشعاراته السياسية وبالتالي هناك فوارق كبيرة بينهم وبين ابنائهم في عملية ممارسة الديمقراطية. فنحن ننتمي لثقافة ابوية متسلطة شديدة الأنفعال وردود فعلها سريعة ومباشرة لحد القطيعة، تعاني من احباط نفسي داخلي وعدم الثقة بالنفس ومفتقده احيانا للصراحة، هذه الخصال كبرت مع الشخصية الى ان اصبحت جزء من تكوينها. نحن ضحية لزمن الخوف والرعب الذي عشناه في زمن انظمتنا القمعية والولاء لمؤسساته ونمارسة باللاوعي في قهر ابنائنا خوفا من اكتشاف حقيقة ممارستنا القمعية بحقهم.أما اطفالنا في الوقت الحاضر فهم ضحية مجتمع مارس كل اشكال الأضطهاد والقمع الأجتماعي والسياسي، وضحية قمع التربية العائلية، وضحية ثقافة الرعب والخوف من مشاهد الحياة الدموية. فحتى حكاياتنا التي كنا نسمعها من امهاتنا تتحدث عن السعلوة وعلي بابا والحرامي وزعتر والصنم كلها تدخل ضمن دائرة ثقافة الخوف والمبالغة. ان الدستور يجب ان يوسع ثقافة القبول بالرأي المخالف في تربية الطفل من قبل الطرفين واقصد الوالدين واطفالهم من جهة والكادر التربوي والأطفال من حهة اخرى في حواراتهم اليومية، والصعوبة التي تواجه الكادر التربوي هو انه غير مؤهل لثقافة القبول بالرأي المخالف، لأنه لايمكن ان يقتنع بالحوار مع الطفل وممكن ان يكون صائبا على اعتبار انه كائن صغير ومستضعف. ان الدستور ملزم بتثبيت ثقافة الحقوق والواجبات عند الطفل وهي تنمي حس المسؤلية عند الطفل تجاة مجتمعة، من خلال المحافضة على النظام ووعدم تكسير وهدر حاجيات المؤسسة والبيئة. ان تنمية هذا الشعور بالمسؤلية سوف يكبر مع الطفل وعند دخوله الى المدرسة يكون مدرك نسبيا لواجباتة المدرسية، الى ان يصبح عضو فعال في المجتمع وبالتالي لايحتاج جهدا في معرفة واجباته وماعليه من حقوق، هذه الثقافة تنمي عند الطفل احترام القيم وتنمي روح المسؤلية والأنتماء. ان من الضروري ان تنمى ثقافة المساواة بين الجنسين في اداء دورهم في وظائف المجتمع المختلفة، لان موروثنا الثقافي يربي ثقافة التمايز والقوة للرجل وهو صاحب القرار الحاسم في البيت والمجتمع . الدستور ملزم باشاعة ثقافة احترام تطبيق القانون والنظام اثناء تربية الطفل، هذه الثقافة التي تنمي عند الطفل الحدود في التعامل مع قوانين الأسرة والمجتمع وكيف تطبيقها ، والاهم ان يتعلم الطفل النظام الزمني المحدد، اي تنظيم مواعيد واكله ولعبة ودراسته لكي يتسنى له في مراحل عمره المتقدمة تنظيم وقته اليومي بدون مساعدة. أشاعة ثقافة تطوير وتنمية ملاكات الطفولة وثقافة المعلومات المعرفية وهي واحدة من ابرز النقاط التي يفترض ان يتضمنها الدستور. الدستور ملزم بتطوير ثقافة موسسات الطفل غير الرسمية تلك التي تنمي ملاكات الطفل الروحية والنفسية خارج اوقات المدرسة وتخصيص ميزانية مستقلة تهتم بالحياة الروحية والأنسانية للطفل. ان تنمية الملاكات الروحية التي يستمتع بها الطفل، هي بنفس الأهمية التي يحتاج لها الطفل في العملية التربيوية، فالغداء الروحي للطفل يلعب دورا كبيرا في بعث القيم الأنسانية النبيلة وحب البيئة والطبيعة داخل شخصية الطفل التي تتعارض مع العدوانية والعنف الملازمة لتربية الطفل. ان الأكثار من الموسسات والمشاريع المهتمة بتنمية ملاكات الطفل وتوفير ميزانية مستقلة لتنمية المشاريع والدراسات التي تطور وتهتم بالطفولة تساهم في خلق اجيال اكثر استقرارا في المستقبل. ضرورة العمل على انشاء مؤسسات ديمقراطية لتنمية الطفولة وابراز وترشيد مواهبه الخلاقة، كدور للرسم والموسيقى والغناء والكومبيوتر وغيرها من مختلف النشاطات التربوية والترفيهيةالتي تطلق ابداعات الطفل بأسلوب ديمقراطي خالي من القهر. اشاعة ثقافة الثقة والأعتماد على النفس وكسر حاجز الخوف والرهبة في الحوار الديمقراطي في البيت والمجتمع، وان من اهم وسائل التربية السليمة للأطفال هو الثقة والأمان النفسي الذي يشعر به الطفل وتنمية الشخصية المستقلة التي تعتمد على ابداعها ، فالطفل له عالمه الخاص وهو يستوعب الخطوات الديمقراطية التي تمنحها له وبالتالي سيكون سلوكه هو انعكاس لثقافة الوالدين في البيت وكذلك للاجواء التربوية في مؤسسات الاطفال والمدارس. اذ يفترض ان تكون المعاملة مع الأطفال شفافة وتربوية وحوار ديمقراطي مقنع يتستوعب الطفل اسباب التشجيع على السلوك والفعل الجيد وتجنب الفعل السيئ ، واعطاء الثقة به من خلال مدحه في الأعمال الجيدة بعيدة عن لغة النَهر والأمر والضرب. أن من المهم جدا الأبتعاد عن ترويع الطفل حتى اثناء الخطأ، فهو ليس معصوم من الخطأ، لكن المعالجة تكمن في اقناعة في ان هذا العمل هو غير صحيح واخذ الوعد وان كان غير واثق من تكراره لكنه يدرك انه في احد المرات ارتكب مثل هذا الخطأ ومن الأفضل ان لايكرره ثانية. تطوير لغة الحوار مع الطفل تكسبه الثقة والتعلم والعكس هو الصحيح فالأبتعاد عن التحدث معه واهماله وكسر معنوياته وضربه اثناء الخطا والأنتقاص منه وابراز عيوبه، كل هذه الأخطاء تساهم في كسر واحباط شخصية الطفل وتوليد عنده عقد اجتماعية وضعف في الشخصية. اعادة بناء ثقافة وديمقراطية المفاهيم المحايدة في تربية الطفل من اولويات الفقرات التي يجب ان يتضمنها الدستور الجديد. فالطفولة بعيدة عن مكر السياسة والتحزب والأصطفافات والولاءات الطائفية والقومية، فولاء الطفل لوطنه في التثقيف والتربية الوطنية الموحدة في كل مؤسسات الطفولة في العراق من شمالة وجنوبة. لذلك من الضروري توحيد المناهج التعليمية والتربوية لكل مؤسسات الطفولة. ان تطوير ثقافة موسسات ومراكز الأبداع الفكري والروحي عند الطفل وتوفير الدعم المالي الضروري، لها سيولد المؤسسات والجمعيات والنوادي التي تهتم بابداع الطفولة وتنميتها وتطويره في المستقبل ليشكل علم من اعلام المجتمع العراقي مستقبلا. ان الدستور الجديد معني قبل غيره في حماية الطفولة من امراض المجتمع السائدة والمكتسبة من النظام الصنمي السابق والعادات القديمة، لذلك من الضروري تشريع الفقرات التي تحمي الطفل في: حق الطفل في الحصول على مكان في دور الحضانة ورياض الأطفال المجانية. حق الطفل في الحصول على مقاعد دراسية مجانية من الأبتدائية ولغاية الدراسة الثانوية. منع الأغتصاب والأعتداء الجنسي لكلا الجنسين واعتبارة جناية يحاكم عليها القاون. منع القهرالأجتماعي والضرب في التعامل من قبل العائلة وكل مؤسسات المجتمع. منع التسول وتشغيل الأحداث في كل المؤسسات المجتمع. أن من الضرورات الملحة هو اشاعة ثقافة المعالجة النفسية للطفل لان اطفال العراق تعرضوا الى الكثير من الضغط النفسى قبيل واثناء وحتي بعد سقوط الصنم وما واكبها من ترويع وترهيب بحق الطفل مما ولد اضطرابات نفسية وسايكلوجية حادة تهيا للنزعة العدوانية وروح القتل والانفصام في الشخصية والكابة والصرع عند الكثير من الاطفال، وهنا من الضروري جدا ان يخصص الدستور فقرات لمعاجة الأمراض النفسية والأجتماعية لأطفال العراق ويخصص ميزانية خاصة لتخليص الطفولة من الشد النفسي الذي تعرضت له. لنناظل من اجل طفولة سعيدة.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |