|
اندماج ثقافة الجبل والهور في دستور العراق
د. لميس كاظم
ان الفسيفساء الثقافي العراقي هو احد مصادر الثروة الفريدة التي ميزت الشعب العراقي عن بقية الشعوب، فهذا التنوع العرقي والأثني والديني عاش واستوطن في ضمير الشعب العراقي منذ فجر السلالات، جعله شعب متعدد الأعراق خالي من الأحقاد القومية والدينية، لكن الحكومات التي وصلت الى سدة الحكم حاولت التفريق واللعب على الخلافات القومية والطائفية لأستمرار حكمهم. لقد تعرض الشعب الكردي في العراق الى اضطهاد من كل الحكومات بدرجات متبانية لكن الأكثر وحشية منها، هي الحكومة الصنمية، التي استخدمت كل المحرمات والمستباحات الدولية اللأانسانية لإبادته، لكنها رغم كل اسلحة الأبادة والتهجير العرقي، لم تستطع ان تسكت صوت الرصاص الذي وجهه الثوار الأكراد ضد الصنم . حُررَ الشعب الكردي قبل العربي في العراق واسس حكومة كردية برلمانية منذ عام 1992 بطرق ديمقراطية بعيدة عن القهر والتسلط، مارس فيها كل حقوقه المدنية والثقافية والسياسية بحرية كاملة دون وصايا. عندما سقط الصنم انضم الشعب الكردي الى جانب الشعب العربي في تأسيس جمهورية عراقية فيدرالية منتخبة. اليوم يشهد العراق حقبة جديدة من حكمة، وهو حكم الشعب العراقي بكل مكوناته. الجمعية الوطنية العراقية المنتخبة اقرت ان يكون الرئيس العراقي المنتخب هو من القومية الكردية ، وهي اول سابقة في تاريخ الشعب العراقي منذ تأسيس الجمهورية العراقية. استقبل اغلبية الشعب العراقي الحدث بنوع من الفخر والأعتزاز لأرثه الثقافي المتنوع، ليسجل انسجام كامل بين الأرادة السياسية والشعبية، يفتخر العراقيون بهذا الأنجاز. ان انتخاب رئيس الجمهورية من العراقيين الكرد سيعزز الأخوة بين الشعبين التي لم تنفصل وانما حاول الحكام والصنم تحديدا قطع الوصال بينهما. قرر الشعب الكردي بنفسه اختيار نظام الحكم فأتجه نحو الفيدرالية كنظام سياسي يعبر عن طموحه داخل حكومة عراقية تحقق للشعب الكردي كل حقوقة القومية والأدارية والاقتصاديةعلى صعيد كردستان والحكومة العراقية. ان مبدء الفيدرالية ثبت في قانون الأدارة المدنية وسيثبت في الدستور الجديد والأهم هو ان يجد الدستور الجديدالحماية والتطور للفيدرالية من سطوة التجاوزات وبنفس الوقت ان يكون الراعي والمراقب على الفيدرالية بأنها النموذج الأمثل لتحقيق العدالة السياسية والأجتماعية لعموم الشعب الكردي وباقي الأقليات المتعايشة على نفس الرقعة الجغرافية. ان الأندماج السياسي حصل منذ فترة طويلة بين الأحزاب الكردية والعربية عندما كان الجبل الحاضنة الحقيقية لكل الثوار العراقيين بغض النظر عن قوميتهم، طوال تأريخ العراق السياسي، واستطاعوا ان يشكلوا نسيج عراقي سياسي مندمج تكلل عنه الحكومة العراقية الحالية، لذلك رغم أختلاف في الأيدلوجيات، فالتقارب السياسي بين الأحزاب العراقية موجود ومتبادل فيما بينهم. ان مايهمنا كشعب عراقي هوان نحقق التقارب الأجتماعي والثقافي بين كل المدن العراقية العربية والكردستانية، لذلك يفترض بالدستور ان يضمن تطور ثقافة الأندماج الثقافي بين القوميتين، الذي يسمح بأحتفاض كل ثقافة لخصوصياتها مع توسيع التزاوج الثقافي بينهما لنصبح شعب عراقي متوحد الثقافة الوطنية العراقية. تلك الثقافة التي تسلط الضوء الساطع على كل الثقافات العراقية وتبرز تأريخها وسبل تطورها. ان سياسة الحكومات السابقة ولدت تمايز ثقافي مصطنع يعطي افضلية للقومية العربية على القومية الكردية كمحاولة لطمس حقوق الشعب الكردي الثقافي ، لذلك من الضروري جدا ان يثبت الدستور مبدء المساوات الثقافية وتحقيق التكامل الثقافي لكل المدن العراقية، بحيث يصبح العراق نسيج واحد متنوع الأرث الثقافي. ان ماخربته الحكومات السابقة في التباعد الثقافي بين الشعبين ترك بصماته على مجمل النشاط الفكري بين الثقافتين وولد مساحة متباعدة بين ثقافة الجبل والهور والبدو، لذلك ماهو مطلوب من الدستور ان يضمن فقرات تحمي الثقافات والمحاولة لتقصير المسافة بينهما عبرجسور ثفاقية مستمرة وان يتوسع التداخل بينهما، اذ من الضروري جدا فتح مشارب ثقافة الجبل والوادي لتتالف وتتداخل مع مشارب ثقافة الصحراء والهور والعاصمة. ان الدستور الجديد ملزم بحماية الثقافة العراقية بكل مناهلها من النعرات الشوفينية التي تغذي لثقافة تمجيد القومية الأفضل والطائفة الأفضل والأهم هو حماية الشعب العراقي من المفاضلة في الحقوق والواجبات الثقافية، تلك التجاوزات التي تعطي الحق للثقافات القوميات الكبيرة الاجهاز على حقوق الثقافات الصغيرة. ان الأندماج الثفافي يمر من خلال تقارب وتوحيد نشاطات المؤسسات الثقافية لكل المدن العراقية. فالمدن الكردستانية قد قطعت شوطا كبيرا في تطوير ملاكاتها الثقافية والأجتماعية نتجية الأستقرارا السياسي والتي تنعمت به منذ الكثر من 13 سنة، ولذلك لابد من النهوض بالأعمار الثقافي لعموم المدن العراقية مستفيدون من التطورالثقافي في المدن الكردستانية. ان اشاعة ثقافة احترام كل ثقافات المجتمع العراقي وحقها في التعبير عن وجودها وتطورها بشكل خاص ومشترك سيساعد على تحقيق بدايات الأندماج الثقافي ، لذلك من الضروري ان تكون النشاطات الثقافية والمهرجانات الثقافية مشتركة من كل المدن العراقية. ومن الأفضل ان يقام المربد الثقافي القادم في احدى المدن الكردستانية لتتداخل رقصة الهيوة الجنوبية مع الدبكة الكردية والجوبية العربية. ان تحقيق التعايس السلمي بين العرب والأكراد سيوطن مفهوم الفيدرالية الأجتماعية بين القوميات الكبيرة والصغيرة، وسيقوي اواصر العلائق بين ابناء كل المجتمع العراقي، فضمان الدستور لحقوق المواطنة المتساوية لكل ابناء العراق سيساعد على كسر تلك الفوارق الأجتماعية. ان الدستور ملزم بأشاعة السلم الأجتماعي بين كل القوميات العراقية واعتبار ابناء العراق متساوين في المواطنة ومن درجة واحدة. ابراز وانتشار ثقافة تبادل العادات والتقاليد الأجتماعية بين المدن العراقية والمصالحة الأجتماعية بين المدن العراقية سيعزز الأخوة بين القوميات المختلفة. ان الدستور ملزم بنزع فتيل كل الأحقاد والنزاعات القومية والدينية في كل المدن العراقية وتصالح ابناء العراق فيما بينهم، فالشعب العراقي كان ضحية للتفرقة القومية والطائفية التي مارستها الحكومات السابقة ضد القوميات والاقليات لزرع الفتن والتمايز والأحقاد. ان الشعب العراقي من خلال تماسكه وعدم الأنجرار الى كل اشكال الحروب الأهلية قبيل واثناء وبعد سقوط الصنم، اثبت حقيقة ساطعة الشروق انه شعب متاخي غير طائفي يحمل السلام والمحبة بيد والتسامح والتأخي باليد الأخرى، وهذا هو دليل حب الشعب العراقي لأهله بكل اطيافه القومية والدينية.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |