ثقافة اندماج المنظمات المهنية في الدستور الجديد

 

د. لميس كاظم

lamiskadhum@hotmail.com

 

 

تأسست المنظمات المهنية في العراق في نهاية العقد الرابع من القرن المنصرم، بمبادرة من القوى السياسية الشيوعية واليسارية بمختلف تلاوينها كضرورة مهنية للتعبير عن اهداف جماهير واسعة من شرائح المجتمع العراقي. اتسمت اهداف هذه التنظيمات بجانبها المهني وبأسلوب عمل له بعض الخصال الديمقراطية مما استقطبت جماهير كبيرة من ابناء الشعب العراقي،  ونتيجة لنضالهم المطلبي،  تحولت تلك التنظيمات الى قوى جماهيرية لها حضور مهني مؤثر في الشارع العراقي السياسي. هذا التوسع الهائل،  جعلها هدف من قبل الأحزاب الأخرى، ونتيجة لدورهاالمؤثر، بادرت الكثير من الأحزاب الى تأسيس منظمات مهنية مستقلة خاصة بها، وبدلا ان يكون على سبيل المثال لا الحصر اتحاد طلابي مركزي عراقي واحد، تأسس في العراق العديد من التنظمات الطلابية، كأتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية، اتحاد طلبة كردستان ، اتحاد الوطني لطلبة العراق، واتحادات اخرى .

  هذه التنظيمات تحولت الى مراكز لنشاطات تلك الأحزاب وتخندقت مع أحزابها وتمرضت بأمراضها واصبح الأحتراب المهني بين تلك التنظيمات يدخل ضمن الأحتراب السياسي ووفق مزاج الشارع السياسي وبات العدو الفكري والمهني  والسياسي مشترك من قبل اعضاء هذه التنظيمات  واحزابها وباتو يتصدون للمعارك السياسية فيما بينهم  اكثر من المعارك المهنية المشتركة التي من المفترض مجابهتها وامتلك كل تنظيم الحق الشرعي في تمثيل الطلبة او الشبيبة او المراة، كل على انفراد . 

 كبر الخلاف بين اعضاء المنظمات المهنية التابعة للأحزاب السياسية بشكل طردي  متناسبا مع خلافاتهم  وتحول الى احتراب فكري، توسعت المسافة بينهم لحد القطيعة في نشاطاتهم ،حتى بعد ان اصبحو في خندق المعارضة المشترك. فتصالحت احزاب المعارضة في شكلها السياسي لم ينعكس على المنظمات الديمقراطية بل راح كل حزب يؤسس اكبرعدد من منظمات المجتمع المدني كواجهة للكسب الجماهيري وبنفس الوقت لاحتكار العمل المهني في الشارع العراقي.

 اليوم يعيش العراق حقبة زمنية جديد بعد الأنتخابات، حقبة تأسيس دولة المؤسسات الدستورية والمهنية، فمن مهمات الدستور هو توحيد كل المنظمات المهنية بأطار مركزي موحد لأدارة النشاط المهني للبلد بطرق سلمية، واعتماد مبدء انتخاب اعضاء قيادات المنظمات المهنية ديمقراطيا، هو الأسلوب الأنجع في العمل المهني وليس مبدء المحاصصة الطائفية اوالقومية. ان الأهداف المهنية مشتركة لكل شرائح المجتمع واحزابه، إذ لايجوز لكل حزب ان يبقى له تنظيم طلابي وشبابي ونقابي وتنظيم للمرأة خاص به، لان الطلبة على سبيل المثال اهدافهم ومطاليبهم واحدة في كل شرائح المجتمع، فالطالب الفقير والغني له نفس المطاليب وان اختلفت توجهاتهم الطبقية وكذلك الطالب الشيوعي الكردي والمسلم  والقومي والمستقل له نفس المطاليب المهنية وان اختلفوا في تفكيرهم السياسي لكن الهدف مشترك والخطوط العريضة لتحقيق طموح الطلبة مشتركة مع الأختلاف في بعض التقاصيل الجزئية فالكل يطمح من اجل حياة طلابية افضل.

  ان توحيد هذه المنظمات المهنية في تنظيمات مركزية ستخلصها من سطوة الأحزاب السياسية عليها وستحقق مطاليب اكثر لشرائحها الأجتماعية.  فليكن النضال من اجل المطاليب المهنية مشتركة حتى وان اختلف مع هذا الحزب او ذاك لان المطاليب المهنية تختلف تماما عن المطاليب السياسية.

 ان توحيد هذه المنظمات هو الحل الملائم للمضي في الصلح الفكري والمهني بين اعضاء هذه التنظيمات. لان طبيعة التناحر الجديد الذي وفره الدستور العراقي هو تناحر سلمي بنّاء بين اعضاء  المجتمع، اي اننا نختلف في الفكر لكننا نتفق على بناء الوطن ومؤسساته المهنية، هذا الأتفاق مقرون بالفعل وليس الخطاب السياسي المنمق ، وماهو مطلوب من الجميع هو اعادة جدولة المفاهيم الفكرية داخل العقل السياسي القيادي المتصلب وداخل برامج الأحزاب السياسية  المتزمته اولا ومن ثم العقل الشبابي والمهني.

 لقد سقط الصنم وسقط افكاره لكن لم تسقط الأمراض التي اصابت العقل السياسي العراقي المعارض  من جراء حربه ضد الصنم. لذلك من الضروري التخلص من عقلية المؤامرة والأجهاز والتشهير بالأخر وحب السطوة على ملاكات الأخرين.

 ان جماهير الأحزاب الفائزة والخاسرة كانت ولا تزال ضحية الأحتراب السياسي والفكري بين تلك الأحزاب ، وهي ادواتها المباشرة في المعترك السياسي، مما ولد نفور كامل بين بعضهم البعض وحتى وصل الأمر الى المقاطعة الأجتماعية . لذلك من واجب الأحزاب السياسية ان تعيد تثقيف كوادرها على مبدء التعايش السلمي والصلح الفكري والأجتماعي مع بقية اعضاء الأحزاب العراقية. اما اذا بقيت العقلية القديمة تلك التي تكرس مبدء راي الشيعي هو الأصح وراي الشيوعي هو خطا لانه كافر  ورأي القومي خاطئ لانه شوفيني وراي السني خاطئ لانه هّدام، فانها ستقود البلد الى كارثة حقيقية وسنعود الى التوجهات الصنمية بأسلحة ديمقراطية.

 ماهو مطلوب لنجاح التجربة الدستورية هو اعادة اعمار العقل السياسي القيادي سلميا بعد سقوط الصنم  بحيث يستقبل الراي المخالف عمليا وليس شعارات وخطب ويقتنع به ، إذا كان يخدم الوطن ،علنا وبدون خوف مهما كان منابعه الفكرية . اذا نجح في تخطي هذه العقبة  فهو سينتقل تلقائيا الى اعادة اعمار البنية التحيتة لأعضاء حزبه السياسي الذي يسمح بالأختلاط الفكري والمهني والأجتماعي مع بقية الأحزاب العراقية.

 لذلك فان ثقافة الدستور ملزمة باشاعة احترام  ثقافة الفسيفساء الفكري  المتنوعة والقبول بها كأعمدة مهمة في بناء في المجتمع وتكريس مبدء التوافق الفكري البناء لأعمار الوطن. اذ اثبتت التجربة العملية لكل البلدان الديمقراطية ، بأنه لايمكن لحزب  او فكر واحد ان يبني الوطن وخير دليل على ذلك هو دور حزب الصنم في تهديم العراق.

 اهم خطوة يقدم عليها السياسة العراقيين هو ان يتصالحوا مع انفسهم وان يتخلص من اثارعقلية الصنم التي سطت على جزء من اسلوب تفكيره  وعملهم السياسي كرد فعل غير مباشر لسياسته تجاههم، ومن ثم يتصالحوا مع بقية اعضاء المجتمع بأعتبارهم اعضاء صالحين مع التحفظ على القتلة. اننا يجب ان نعمل بمبدء الوطن ملك الجميع  وهو دائما ليتسع للجميع وكلهم ابنائه ولهم نفس الحقوق والواجبات.

 ان اشاعة ثقافة النشاطات المهنية المشتركة لكل المنظمات المهنية سيقلص الفجوة والجفاء الحاصل بين التنظيمات المهنية لاننا لايمكن ان نبني عراق جديد ديمقراطي بعقلية الأحتراب ومصادرة حق الأخرين في النشاط والفكر.

 ان الدستور ملزم باشاعة مبدء ثقافة الأختصاصات والأستقلالية في العمل بين كل مؤسسات المجتمع المدني،  فعلا سبيل المثال لا الحصر، المهام السياسية من اختصاص الأحزاب والمهام المهنية من اختصاص المنظمات الديمقراطية، لذلك لايجوز مطلقا تحويل المنظمات المهنية الى واجهة للصراع الفكري والأحتراب السياسي، فالكل له حق العمل والأبداع واثبات الكفائة والنزاهة شرط ان يكون مستقل في نشاطه المهني وبعيد عن الولاء الحزبي وهذا لايعني حرمان اعضاء هذه المنظمات ان يلعبوا دورا سياسي، لكن ليس داخل هذه المنظمات.

 لندع الماضي وامراضة تسقط مع الصنم ونفتح صفحة بيضاء جديد نكتب بها دستورالعراق الخالي من اي حقد او ثأراو تسلط وان يكون الفعل الديمقراطي سيد الموقف وليس الخطاب العذب.

 

 

 

 

 

 

                                                                                  

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com