ثقافة القائد السياسي

 

د. لميس كاظم

lamiskadhum@hotmail.com

 

 

القائد السياسي له دور حاسم  في تغير مسار شعبه نحو اي اتجاه يرغب،  فهناك قادة عظام وجهو دفة الحكم بالأتجاة الديمقراطي وحققوا لشعوبهم اعلى درجات الأزدهار والتطور وبلغت انجازاتهم  الرقي مما خلدها التأريخ وتقدمت بلدانهم لتصل الى مصاف الدول المتطورة، وهناك قادة عجاف وجهو دفة الحكم نحو القمع والفردية والتسلط وحققوا كوارث اقتصادية وبشرية فاقت الخيال وحولوا بلدانهم من بلدان غنية  مزدهرة الى بلدان فقيرة في ادنى مستويات التخلف والجهل والأمية.

القائد يروض الديمقراطية بالطريقة التي تناسبه  وفق كفائته وثقافتة السياسية والمدنية ويسخر كل مؤسسات البلد  لخدمته ، فتمسك الحاكم بموقعة الى الأبد يأتي من قصر فهمه لطبيعة المهام المناطة بالرئيس وكيفية وصوله الى سدة الحكم ، وعشقه للكرسي الذي سيحقق كل رغباته وشهواته ويفك قسم من عقده النفسية. فبمجرد الظفر بالكرسي يكون قد وضع القيود الحديدية لحمايته من اي محاولة لزعزة عرشة وبالتالي يصبح كرسي الرئاسة مُلك  له ولعائلته مدى الحياة ،  وتتحول ثروات البلد الى ثروة شخصية عائلية يتمتع بها مع عائلته وحاشيته لتثبيت موقهة ولترفه وبذخه .

 ان ثقافة الحاكم وخبرته السياسية والأكاديمية  وممارسته للديمقراطية مهمة جدا التي تكسبة خبرة واسعة تأهله للتعامل مع الكرسي بقدر من المرونة وتأهله لمعالجة  كل المعضلات بشفافية اكثر من الحاكم الجاهل والفاشل دراسيا والمعقد نفسيا.

لقد شهد القرن المنصرم على قادة قليلي الخبرة  والثقافة والممارسة الديمقراطية اوصلوا بلدانهم الى حافة الدمار وحملوا شعوبهم كوارث بشرية وبيئية. هنا لابد من المرور على السيرة الذاتية لاهم ثلاث قادة فطاحل حكموا بلدانهم بسلطة فردية  وهم:

 ادولف هتلر  1889ـ 1945 ولد في 20 نيسان 1889 في برونو ( النمسا)، وانتقل الى مدينة لينز ودخل المدرسة الابتدائية، وكان تلميذا متفوقا، إلا انه بعد انتقاله إلى المدرسة الثانوية تكاسل ولم ينجح في دروسه، وفشل في مادة الرياضيات والفرنسية . ومن أهم أسباب انحدار مستواه الدراسي اهتمامه بالفنون ورغبته في أن يكون فنانا.

عام 1907 انتقل هتلر إلى فيينا (النمسا) في محاولة منه لتحقيق حلمه الفني. ولكن محاولته انتهت سريعا عندما رسب في امتحان الدخول إلى كلية الفنون الجميلة. توفى  والده وهو في مقتبل عمره ومن ثم والدته ايضا.

من  1909 ـ 1913 عاش هتلر حياة تشرد في شوارع فيينا ونام على مقاعد المتنزه وأكل في مطاعم فقراء الصدقة وقام في غرف رخيصة بالإيجار ، واعتمد على الحسنات في تامين الوجبات الغذائية الأساسية. عام 1913 انتقل هتلر إلى ميونيخ في ألمانيا، وعندما بدأت الحرب العالمية الأولى تطوع للخدمة في الجيش الألماني. رفع إلى رتبة عريف فقط.

عام 1919 انتسب هتلر إلى حزب العمال الألماني الذي ما لبث أن صار اسمه "حزب العمال الوطني الاشتراكي الألماني"، ومن حروفه الأولى تكونت كلمة "نازي".في 9 تشرين الثاني 1923 قاد هتلر ألفين من قوات العاصفة لاحتلال مقاطعة بافاريا واستبدال حكومتها، ولكن المحاولة فشلت والقي القبض على هتلر وحوكم ثم سجن لمدة خمس سنوات بتهمة الخيانة. وفي السجن ألف هتلر كتابه الشهير "كفاحي"، وقد ضمنه كل معتقداته ورؤيته لمستقبل ألمانيا. في انتخابات 1932 نال الحزب النازي ما يقارب ال 40% من الأصوات وصار اكبر حزب في ألمانيا. وفي 30 كانون الثاني 1933 قام الرئيس الألماني بول فون هايندنبرغ بتعيين هتلر مستشارا على ألمانيا. وما لبث أن صار حاكما فرديا وحصر السلطات كلها بيده. وبوفاة الرئيس الألماني (1934) صار هتلر الزعيم الأوحد وأعطى نفسه لقب "فوهرر" (القائد). حال استلامة للسلطة اراد الأجهاز على الديمقراطية والفوز بالحكم الفردي المطلق فأصدر ثلاث مراسيم تحقق حلمه، الاول لحالة الطوارئ ، والثاني سمح لتوقيف أي واحد شكّ بشكل خبيث إنتقاد الحكومة والحزب النازي، والثالث سمح لمؤسسة المحاكم الخاصّة لمحاكمة المنتهكين السياسيين. عندها بدء باعتقالات وقتل وسجن طالت عشرات الألأف من اليسارين والشيوعيين الألمان وشن حملة لأبادة اليهود تعزى احد اسبابها الى ان والده كان غير شرعي من علاقة جدته برجل يهودي في النمسا.

عرفت فترة حكم هتلر لألمانيا بعهد "الرايخ الثالث"، وأتاحت الفرصة لبث معتقداته بين الألمان بما يشبه غسل الأدمغة, وعبادتة الفرد وتقديس العرق الأري. بدأت الحرب العالمية الثانية عندما اجتاحت ألمانيا الأراضي البولندية (1939) كمقدمة لتوحيد كافة الناطقين بالألمانية. لم يحتمل هتلر صدمة الهزيمة، فانتحر وهو مركز قيادته تحت الأرض في 30 نيسان 1945، وبعد سبعة أيام أعلنت ألمانيا الاستسلام.

 اما القائد الثاني هو الزعيم السوفياتي السابق جوزيف فيساريونوفيتش   ستالين 1879 - 1953.

وُلد ستالين في مدينة "جوري" في جمهورية جورجيا من اب إسكافي يدعى "بيسو"، وأم فلاحة تدعى "إيكاترينا". وكان "بيسو" يضرب ستالين بقسوة في طفولته. ترك "بيسو" عائلته ورحل وأصبحت أم ستالين بلا معيل! وعندما بلغ ستالين 11 عاماً، أرسلته أمّة الى المدرسة الروسية للمسيحية الأرثودوكسية ودرس فيها حتى بلوغه 20 سنة. عادت بداية مشاركة ستالين مع الحركة الإشتراكية الى فترة المدرسة الأرثودوكسية والتي قامت بطرده من مقاعد الدراسة في العام 1899 لعدم حضوره في الوقت المحدّد لتقديم الإختبارات. ومن ذاك الوقت، إنتظم ستالين ولفترة 10 سنوات في العمل السياسي السري وتعرض للإعتقال، بل والإبعاد الى مدينة "سيبيريا" بين الأعوام 1902 الى 1917. وتأهّل لشغل منصب عضو في اللجنة المركزية للحزب البلشفي في عام 1912. وفي عام 1913، تسمّى بالإسم "ستالين" وتعني "الرجل الفولاذي". وفي العام 1922، تقلّد ستالين منصب الأمين العام للحزب الشيوعي وحرص ستالين ان يتمتع منصب الأمين العام بأوسع أشكال النفوذ والسيطرة. بدأ القلق يدبّ في لينين المريض من تنامي قوة ستالين، ويُذكر ان لينين طالب بمنع ستالين من استلام السلطة لنزعته الفردية وتعصبه القومي، الأ ان الرسالة لم تصل الى اللجنة المركزية  بوشاية من زوجته وضغط ستالين.

 بوصول ستالين للسلطة المطلقة في 1930، عمل على إبادة الكثير من أعضاء اللجنة المركزية البلشفية وتغييب  وقتل كل من يعتنق فكر مغاير لفكر ستالين او من يشك ستالين بمعارضته او عدم ولائه له. لكنه كان متفاني في حبه للوطن والكرسي وقام بنقل الإتحاد السوفييتي من مجتمع فلاحي الى مجتمع صناعي متطور مضاهي للدول الكبرى مما مكن الإتحاد السوفييتي من الإنتصار على دول المحور في الحرب العالمية الثانية واصبح قوة هامة وحاسمة في سياسية الحرب الباردة ومظلة لكل الثوار  والدول المتحررة في العالم.

 اما الكارثة الأكثر شرا في تأريخ البشرية جمعاء فهي السيرة الذاتية لصدام حسين التكريتي. ولد  27.04.1933  ــ وقريبا سيسدل الستار لقبره على جرائمه الشنيعة.

  ترعرع الصنم في عائلة سنية فقيرة تعمل في الزراعة بقرية العوجة بالقرب من مدينة تكريت ،قد توفي والده حسين المجيد قبل ولادته بعدة أشهر فقامت على تربيته أمه وزوجها "إبراهيم حسن" الذي كان يمتهن حرفة الرعي. أكمل صدام دراسته الابتدائية في مدرسة تكريت وانتقل إلى مدرسة الكرخ الثانوية في بغداد ولم يكمل دراسته الثانوية. ثم حاول الالتحاق بأكاديمية بغداد العسكرية لكن درجاته الضعيفة حالت دون ذلك. في الثانوية كان حياة البلطجة والضياع  هي السمة المميزة له.

تأثر الصنم  بأفكار وكتابات المفكرين القوميين وبالأخص البعثيين وفي عام 1956 انتمى الى حزب البعث ،  وفي بداية عمله الحزبي عمل كجاسوس لعفلق.تعرض لعملية اعتقال دامت ستة اشهر بسبب اتهامة لقتل احد افراد الشرطة، في اكتوبر 1959 اطلق النار على موكب الزعيم عبد الكريم قاسم لكن محاولته فشلت،فهرب الى سوريا ومنها الى القاهرة  وفي عام 1960 التحق بالصف الخامس الإعدادي بمدرسة قصر النيل لإكمال دراسته الثانوية والحصول على شهادة التوجيهية وفي عام 1961 دخل كلية الحقوق لكنه لم يكملها وعاد الى بغداد ليساهم في حمامات الدم التي نصبها ضد حكومة عبد الكريم والحزب الشيوعي. سجن لغاية  1966 وهرب من السجن لينصب المسؤل الفلاحي والنسائي في الحزب واسس جهاز حنين لأغتيال قادة المعارضة الوطنية.

 خطط لانقلاب 1986 بقطار امريكي ونجح وعين نائب رئيس الجمهوريةومن يومها بدئت رحلته الدموية الثانية في تصفية اعداد كبيرة من قادة المعارضة العراقية التي استمرت لغاية توليه السلطة عام 1979 وعندها احكم قبضته الحديدية ونصب المشانق من جديد للشيوعيين والأكراد وحزب الدعوة وحزب البعث وكل من يعارضه وهو افضل قائد في ابادة ابناء شعبه، فالأنفال والمقابر الجماعية شاهد حي على جرائمة.

من خلال السيرة الذاتية لهولاء القادة الثلاث وان اختلفت درجات قهرهم لشعوبهم الأ انهم تمييزو بخصال مشتركة ابرزها :

 ضعف الرعاية العائلية التي اكتنفت حياتهم، فهم عاشوا في بيئة عائلية مشوهة، إذ لم تتوفر لهم طقوس عائلية مستقرة في تربيتهم ولم يحضوا بالرعاية الأبوية التي فقدوها في مقتبل اعمارهم، والتي لها دور مميز في التأثير على بناء شخصياتهم والأهم هو فقدان الحنان الأمومي الدافئ الذي يفقدهم الهدوء النفسي مما يجعلهم بعيدين عن الألتزام الأخلاقي والعائلي والتمسك بقيم اجتماعية سليمة التي هي حجر الأساس للممارسة ديمقراطية في المستقبل.

فشلهم الدراسي وعندم اكمال دراستهم الأعدادية والجامعية وّلد عندهم عقدة الضعف في الشخصية وعدم اكمال طموحهم الأكاديمي يجعلهم استخدام كل الوسائل للوصول الى تحقيق هدفهم. التعليم الأكاديمي مهم للقائد السياسي ويلعب دور كبير في اعطاء الثقة بالنفس في معالجة مشاكل البلد التكنولوجيا والعلمية.

هولاء القادة تعرضوا الى السجن والتشرد  والأبعاد مما خلق شخصية متطرفة وعدائية بعض الشئ ، فحرمانهم من معايشة  والتمتع بالحياة بطرق مدنية متحضرة تبعدهم عن تطوير ثقاقتهم المدنية التي تأهلهم للنظر الى المستقبل بواقيعية ووضوح فحياة التشرد الجوع والحرمان تقوي الوجه المظلم للشخصية. كذلك حالة الفقر والعوز في فترة مراهقتهم وشبابهم جعلتهم عرضة لكل الطرق المتهورة التي توصلهم الى تحقيق اهدافهم.

 ثقافة هؤلاء القادة كانت مستقة من الجانب السياسي فقط وهذا غير كافي لبناء الشخصية القيادية التي تعالج اخطر مشاكل البلد. ان القائد السياسي يجب ان يتحلى بثقافة سياسية ومدنية واجتماعية وعلمية، فكل جزء يكمل جانب من شخصيته ويوفر لها الأنسجام المتكامل لقيادة البلد بهدوء وحكمة واتخاذ قرارات معتدلة.

 من تابع تحديدا شخصية الصنم يلاحظ بوضوح انها اتسمت بجانب استعراضي سطحي بعيدة عن المنهجية ومحاربة لكل منافس في كل المجالات  العلمية والسياسية وكذلك اتسمت بالشبق المعرفي الذي يحاول ان يكون متفهم بل وافضل من كل العلماء والساسة، فهو مصاب بعقدة الأنا القاتلة التي لاترى سواها لذلك كان يكثر من صوره ومراياه ليرى فقط نفسة.  وخوفي ان يكون مصاب بحالة من الأنفصام في الشخصية التي قد يجدها القضاة سبب لتخفيف الحكم علية .

 المهم ان العراق تخلص من هذا الطاغوت ونحن نشهد عراق ديمقراطي يحكمة قادة جدد من ابناء عوائل عراقية عريقة ولهم ارث نضالي شريف ومؤهلات علمية متميزة وممارستهم تتجه نحو الديمقراطية وظاهرة الأنا ليست واضحة في الوقت الحاضر ونتمنى ان لاتظهر مستقبلا.

 

 

 

 

 

 

 

 

                                                                                  

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com