تعصب طائفي ..أم عصبية بدوية

 

د.باسم عبدا لله المظفر

basim_amh@yahoo.com

 

  لعب العامل الجغرافي دورا أساسيا في طبيعة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية  للمجموعات السكانية التي هاجرت من البلدان المجاورة وسكنت العراق, خصوصا مجموعة القبائل العربية البدوية التي هاجرت من الجزيرة العربية ودخلت العراق من المنطقة الغربية الصحراوية, حيث مرت بعدة مرا حل حتى وصلت إلى مرحلة الدخول إلى المدن وألأستقرار بها و ما يتبع ذالك من التأثر بالقيم الاقتصادية والاجتماعية للمدينة. 

  كان الغالب الأعظم لسكان العراق في أواخر العهد العثماني من القبائل البدوية تعيش في صحراء قاحلة قليلة الموارد الاقتصادية, فكان هذا عامل عدم استقرار أنتج عادة الترحال بحثا عن المرعى والماء مما يتبع ذالك من رغبة في مهاجمة مناطق أخرى التي بدورها أولدت روح الغزو والتفاخر به  وكذالك التعصب للقبيلة كنوع من الدفاع الذاتي أمام مصاعب العيش في الصحراء.

  فظهر الإقطاع كحل من قبل الدولة العثمانية لمحاولة توفير الوسائل لإجبار البدو على الاستقرار بربطهم بالأرض والزراعة , مما يتبع ذالك من تحلل من بعض القيم البدوية الخشنة والمتمردة, وظهور قيم اجتماعية أخرى لها علاقة مع الطبيعة الجغرافية الجديدة , وهي مرحلة تعتبر أكثر تتطورا واستقرارا من المرحلة التي سبقتها.

  لقد كانت الأراضي الزراعية في الفرات  الأوسط وجنوب العراق أكثر خصوبه من نظيرتها في الفرات الأعلى, مما جعل الإقطاع يعطي تأثير أكثر على القبائل التي سكنت هذه المناطق أكثر من التي سكنت في الفرات الأعلى التي أحتفظت بكثير من قيمها البدوية....خفت لدى القبلي الريفي قيم كانت تعتبر شبة مقدسة  لدى البدوي منها روح الغزو والتعصب للقبيلة(و مكوناتها ) فعلية أن يتعود على احترام جيرانه من الأراضي المجاورة  للقبائل الأخرى , وأصبح أكثر اتصالا بالمدينة, ومما يتبع ذلك تأثره بثقافة المدينة ذات المكونات الدينية والقومية المختلفة.

 وقد دفعت العلاقات إلا إنسانية بين الإقطاعي والفلاح , مئات الآلاف من سكان الفرات الأوسط والجنوب نحو الهجرة نحو المدن , فكان هذا عاملا( غير مقصود أصلا ) إلى التقرب أولا والدخول ثانية إلى المدينة والذوبان فيها مما يتبع ذالك من تحلل كبير من قيم الريف ( وقيم البداوة التي سبقتها ) ,,, ثم جاءت الدولة العراقية الجديدة وضغوطاتها الشديدة على سكان الفرات الأوسط والجنوب  ليدفع مئات الألأف  نحو الهجرة ( على مدى أجيال ) إلى خارج العراق حيث دخل معظمهم إلى مرحلة تطورية جديدة باتصالهم وتفاعلهم وتعلمهم ثقافات أخرى أكثر تسامحا,,,,( ليعود قسم منهم لكي يديروا عملية التغير الحالية ).

 هذه المراحل لم يدخل بها سكان  الفرات الأعلى فلم يكن للإقطاع تأثير يذكر عليهم , ولم تكن الدولة العراقية شديدة عليهم بل حدث العكس حيث تم التأكيد على القيم البدوية في هذه المناطق , فبعد ظهور دولة العشيرة ( بعد 1963 ) ولغرض الحفاظ على  ا لسلطة غنيمة القبيلة  والتي  سلبت ( بطريقة البدو ) جند الآلاف من أفراد هذه القبائل في سالك الأجهزة التي تحمي هذه الغنيمة , أجهزة تربي لدى الفرد الخشونة والعنف وحب السيطرة وإذلال الآخرين ( وهي قيم بدوية أصلا )  و هذا يحتاج إلى  التركيز على التعصب للقبيلة المسيطرة على السلطة ومكوناتها القومية الدينية والطائفية, وتصاحب هذا مع  ضعف الدوافع التي  تدفع سكان هذه المناطق  عدا القليل نسبا  للهجرة نحو الداخل ( المدن ) أو الخارج كالتي  دفعت أقرانهم من المناطق الأخرى, وبهذا فقدوا عامل أساسي في التطور .

  لقد  كان التغير   الفكري( وليس العسكري ) مفاجئ لسكان هذه المنطقة في سنة 2003 ولم يكن مفاجئا لسكان العراق الأخريين,,, بسبب الاختلاف في مستوى التطور الحضاري بين سكان هذه المنطقة والمناطق الأخرى للعراق,,,,, يصعب على من يحمل قيم  التعصب للقبيلة ( ومكوناتها ) تقبل التعامل  بميزان متساوي  مع مكونات المجتمع الأخرى الدينية والقومية. فهو لم يمر بفترة من التعايش  مع مكونات أخرى مختلفة لكي يتعود على التعامل معها,بالإضافة إلى تأصل روح الغزو ( الروح العسكرية ) التي تربى عليها جيل بعد جيل فالغالب الأعظم لرجال هذه المناطق يمتهنون مهنة العسكر ( ضباطا لا جنودا )....   ويصعب علية أيضا تقبل الانصياع إلى أوامر حكومة لا يكون للقبيلة التي ينتمي أليها  المركز الأول فبها.

 فالتمرد والتعصب الآن ليس طائفيا بقدر ما هو قبليا بدويا,, والطائفة هي أحدى مكونات هذه القبيلة ( بالمصادفة ) وبسبب فقدان القبيلة لمركزها المتميز في السلطة فقد طغى هذا المكون بشكل عنيف كأسلوب انتهازي كمحاولة للتأثير على بقية الطائفة في المناطق الأخرى,فمن الصعوبة خوض هذه الحرب بمكون أخر( النسب القبلي مثلا ) لا يقنع الآخرين , وهذا يفسر تركز هذا التمرد في منطقة وضعفه في المناطق الاخرى ( نفس الطائفة ). وكذالك يفسر الطبيعة العنيفة والمتوحشة للمقاومة وهي متوازية للطبيعة الخشنة والبدائية للبدو.

     الأسلوب العسكري لن يكون لوحده هو الحل بل يجب أن يتناسق مع تغير في البنية الثقافية للمنطقة ( وستلعب وسائل الأنصال الحديثة دورا في ذالك ) وتغير في البنية  الاقتصادية كذلك من خلال ربط المصالح المادية لسكان هذه المنطقة بالداخل العراقي بدل الاعتماد على تجارة الحدود وخصوصا تجارة التهريب ( البضائع والأشخاص ) هذه التجارة التي هي أحدى أعمدة التمرد.

 ما يجرى الآن هو مرحلة أخرى عسى أن تكون الأخيرة, للصراع بين قيم البداوة وبقاياها القبلية و بين الدولة( المدينة ) وقيمها المتحظره. وربما سيستمر الصراع لجيل كامل حتى تتغير القيم التي تدفع نحوه وحتى يمل سكان هذه المناطق من الفوضى التي تسود مناطقهم  ويقارنونها بالتطور العمراني والاستقرار في المناطق الأخرى.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                                                                                  

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com