كركوك.. مدينة تجتمع فيها كل القوميات والأديان

 

عند نهاية جبال زاغروس وعلى مسافة 230 كم شمال العاصمة العراقية بغداد تقع مدينة كركوك، فقد أوضحت الكتابات المسمارية على الالواح التي وجدت في اطراف قلعة كركوك عام 1927 ان كركوك الحالية هي مدينة «أربخا» او «ارفا» البابلية. وهناك مصادر أخرى اعتبرت مدينة «أربخا» جزءا من مدينة كبيرة وهي (عرفة)، التي كانت اسما لمدينة كركوك خلال عهد الدولة الآشورية. وقد عثر في المدينة على بقايا حضارة قديمة تعود إلى 3000 سنة حيث تعتبر قلعتها التي يعود تاريخها الى خمسة الاف عام من اهم المعالم الحضارية في المنطقة.

واعتبرت المدينة آنذاك معبدا للصواعق وآلهة ألمطر، وما زال هناك حي في كركوك اسمه حي عرفة. ومع بداية الاسلام تغير اسم المدينة الى «كرخيني» وكانت مدينة كركوك مركزا لولاية شهرزور العثمانية منذ القرن السادس عشر. وكانت الولاية تشمل الأراضي المعروفة اليوم بمحافظات كركوك والسليمانية وأربيل.

 كان الأمراء الكرد من الأردلانيين ومن ثم البابانيين يديرون شؤون الولاية على مدى قرون عديدة. ومع زوال إمارة بابان في 1851 أخذت الدولة العثمانية تحكم قبضتها على كركوك. وعندما أعيد تشكيل ولاية الموصل عام 1879 صار سنجق (لواء) كركوك ضمن حدودها الإدارية واستمرت المراسلات الرسمية في اطلاق تسمية شهرزور على سنجق كركوك حتى عام 1894 عندما تقرر العودة الى استخدام اسم كركوك بدلا من شهرزور تجنبا للالتباس الذي كان يحصل في المراسلات الرسمية بين شهرزور وسنجق الزور في بلاد الشام. من كركوك ينطلق الخط الرئيس لأنابيب النفط العراقية شمالا صوب سواحل البحر المتوسط، كما أنها مركز تجاري مهم في المنطقة بسبب وفرة المحاصيل الزراعية، حبوب فواكه.

 في العام 1972 أمّم العراق ثروته النفطية، ولما كانت كركوك من اول المناطق التي اكتشف النفط فيها فقد تم تغيير اسم المحافظة الى التأميم بينما بقي مركز المدينة يحمل اسم كركوك ذلك حسب مرسوم جمهوري أصدره مجلس قيادة الثورة السابق. ظلت هذه المحافظة والاراضي التابعة لها تحتفظ بهذه التسمية على مدى العقود الثلاثة الماضية حتى عشية سقوط النظام السابق في أبريل (نيسان) عام 2003 لتلغى تسمية التأميم وتعود إلى اسم كركوك. غير أن أحداً لم يكن يتصور ان هذه المدينة المختلف على هويتها قديماً وحديثاً يمكن أن تفجر خلافاً من نوع آخر لا تبدو نهايته قريبة حتى انه يبدو قريب الشبه بأهم ظاهرة طبيعية تتميز بها وهي النار الازلية المنبعثة منذ آلاف السنين التي تنفرد بها حقول «بابا كركر» النفطية هناك والتي تحولت في الماضي وبرغم كل الاحترازات الامنية إلى مكان سياحي يرتاده كل زوار كركوك، بمن فيهم الضيوف الاجانب من خبراء وباحثين وطلبة وفضوليين.

 وتتفق النخب السياسية العراقية على أن كركوك هي عبارة عن عراق مصغر حيث يتعايش فيها منذ أقدم الازمنة العرب والاكراد والتركمان والكلدوآشوريون.

,كركوك، ليست موشكة على الانفجار كما يصورها البعض، لكنها ليست بمأمن تماما من الانفجار، فالأمر مرهون بكيفية تعامل الساسة مع واقعها المعقد وبعدم دفعها الى الانفجار عن عمد لغايات سياسية كما قال الكثير ممن التقيناهم. أهل كركوك يمكنهم التفاهم والتواصل في ما بينهم بسهولة تامة لو تركهم الساسة يفعلون ذلك، وهم على الرغم من بعض الحساسيات، سواء المختلقة حديثا او المتوارثة من عهد النظام السابق، تجمعهم جملة من الهموم المشتركة التي لا يمكن تجاهلها، كالخدمات المنعدمة، وفرص العمل الضئيلة، والنظام غير المتوفر، والوضع الامني المتدهور والوضع الاقتصادي الصعب.

 اثناء التجوال في شوارع المدينة شعرنا ان لكل طيف من الاطياف المكونة للمجتمع الكركوكلي حكومته ومرجعيته السياسية ونظامه الخاص، حتى رجال الشرطة الذين يجولون في شوارع المدينة بهدف توجيه الارشادات اللازمة للمارة والسواق عن طريق مكبرات الصوت المرفوعة فوق سياراتهم، ترى كلا منهم يقرأ تعليماته بلغته فقط، متناسيا وجود مارة لا يفهمون تلك اللغة، ولربما يتحسسون منها.. الغريب ان معظم المستخدمين في سلك الشرطة كما لاحظنا هم من الذين يتقنون لغات كركوك الرئيسية الثلاث، واحيانا الاربع (باضافة السريانية). ونفس الحال ينطبق على الدوائر والاجهزة الحكومية، حيث اخبرنا عادل زنكنة، وهو موظف في المحافظة بأن مجلس المحافظة الذي يسيطر عليه الاكراد لا يملك أية سلطة حقيقية على الدوائر التي تُدار من قبل مديرين عرب أو تركمان، مضيفا ان المجلس حين يرسل قرارا الى احدى تلك الدوائر، يرسلها على شكل التماس وليس امرا ملزما، وتلك الدوائر بدورها تكون حرة في التجاوب مع القرار أم لا.. هذه الوضعية تسببت بطبيعة الحال في فشل معظم مشاريع الاعمار والتطوير في المدينة والتي لا بد من تكاتف مجموعة من الدوائر الخدمية وغير الخدمية لانجاح الواحد منها. وبالفعل، يمكن بسهولة ملاحظة خمول الجانب الاعماري في المدينة.

 عموما، عرفنا من بعض الناس العاديين ان المشكلة متأتية من عدم اشراك العرب والتركمان في الادارة، فهم ينتقمون لتهميشهم سياسيا بهذه الطريقة، أي انهم ولو كانوا خارج الادارة رسميا، الا ان نفوذهم الفعلي في مرافق المدينة الحيوية يتيح لهم امكانية اعاقة اعمال الادارة الكردية، وبالتالي فالادارة الكردية لا بد ان تلتفت لهذه الحقيقة لو ارادت فعلا تطوير المدينة وتفعيل اعمال الاعمار فيها.

 نائب رئيس مجلس المحافظة ريبوار طالباني قال خلال لقائنا به ان «القادة السياسيين الكرد طرحوا فكرة اشراك العرب والتركمان في العملية السياسية لادارة المدينة وقدموا مقترحات حقيقية وموثقة بهذا الصدد، ولكن يبقى الحق لقائمة التآخي (الكردية) في تشكيل الادارة بناء على الاستحقاق الانتخابي». واوضح طالباني قائلا ان «محافظة كركوك لم تتلق أية مساعدات خاصة من الادارة الاميركية، بل تعتمد فقط على حصتها المقررة من ميزانية الدولة العراقية وبعض المنح والمساعدات الاخرى التي تتلقاها من حكومة اقليم كردستان وبعض المنظمات والهيئات الاخرى». أما عن التنسيق والتعاون بين مجلس المحافظة وادارتي اقليم كردستان فقد أكد طالباني ان «مجلس محافظة كركوك وبالاستناد الى قانون ادارة الدولة للفترة الانتقالية يملك استقلالية ادارية تامة اسوة ببقية المحافظات العراقية ومن هذا المنطلق تحق له اقامة علاقات من نوع خاص مع اقليم كردستان أو أي وسط آخر، وهذه العلاقات الخاصة والطبيعية ليست دليلا على ضم كركوك الى الاقليم عمليا».

 


 

 

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com