النص الكامل لكلمة المالكي التي ألقاها امام الكونغرس الأميركي
بسم الله الرحمن الرحيم
سيادة رئيس المجلس
السيد نائب الرئيس
السيدات والسادة اعضاء الكونغرس المحترمون
انه لمن دواعي سروري ان اكون اول رئيس وزراء عراقي منتخب دستوريا واخاطبكم انتم الممثلون المنتخبون للشعب الامريكي واشكركم لمنح هذه الفرصة للحديث هنا امام مجلسكم الموقر.
دعوني ابدأ بشكر الشعب الامريكي باسمي وباسم الشعب العراقي من خلالكم على دعمه لشعبنا للخلاص من الدكتاتورية، والعراق لن ينسى من وقف معه في محنته سابقا ولاحقا وضحى من اجل حريته.
اشكركم على تصميمكم المستمر على مساعدتنا في الحرب ضد وباء الارهاب، حيث نخوض معركتنا من اجل الدفاع عن ديمقراطيتنا الناشئة وشعبنا الذي يتطلع الى الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وحكم القانون وهذه كلها ليست قيما غريبة انما قيم عالية لكل بني البشر، انها تمثل التجسيد الاسمى لعقيدتي وديني انا ومعي كل شخص يحمل روح التحرر في داخله.
ان الحرب ضد الارهاب تمثل مواجهة حقيقية مع اولئك الذين يريدون اطفاء شعلة الحرية وفي هذه المعركة نحن نقف في الصف الاول للدفاع عن القيم الانسانية، اعلم ان البعض يشكك في كون العراق جزءا من الحرب ضد الارهاب، دعوني اتحدث بكل وضوح، نحن اليوم امام معركة بين اسلام حقيقي تشكل فيه حرية الانسان وحقوقه متبنيات اساسية وبين الارهاب الذي يتلفع بعباءة الاسلام زيفا وزورا وهو في الحقيقة يشن حربا على الانسانية والاسلام والقيم والمبادئ وينشر الكراهية بين البشر مخالفا فيما جاء في قرآننا الكريم [ انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ]، وفي الحقيقة فان الارهاب لا دين له فديننا يقول [ من قتل نفس بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا ]، آلاف من الارواح التي ازهقت بشكل مأساوي في (11) من سبتمبر عندما اطل ادعياء الاسلام بوجوههم القبيحة على العالم وآلاف اكثر يموتون اليوم وبشكل مستمر في العراق على ايدي الارهابيين انفسهم الذين يَظهرون ويُظهرون استهانة لا نظير لها بكل معاني وقيم الحياة الانسانية، خسارتكم في ذلك اليوم كانت خسارة للانسانية وخسائرنا اليوم هي خسارة لكل الاحرار في العالم، واينما تخسر الانسانية على يد الارهابيين هي خسارة لكل البشر.
ان من واجبنا جميعا ان نهزم هذا الارهاب في كل العالم والعراق اليوم يقف في الواجهة ضمن هذا الصراع وسيشهد التاريخ بان تضحيات العراقيين لم تذهب سدى في معركة حرية الانسان، وان العراقيين متحالفون مع جبهة التصدي للارهاب في العالم وسيسجل لهم التاريخ هذا الموقف الانساني الشجاع.
ان مصير بلدنا وبلدان العالم مرتبط ببعضه، اذا سمح للديمقراطية بان تفشل في العراق وللارهاب بان ينتصر فلن تحققوا النصر ولن نحققه ابدا في الحرب عليه في المناطق الاخرى في العالم.
سيادة الرئيس...
نحن نبني عراقا جديدا على اساس ديمقراطي، ونشيده من خلال اعتقادنا بالحفاظ على حقوق الانسان وبعكس ماكان يفعل صدام بتدميره عن طريق انتهاك كل تلك الحقوق، نبني بلدنا من اجل ان تتمكن الاجيال العراقية القادمة ان تعيش بسلام ورخاء وامل.
لقد ذاق العراقيون اليوم طعم الحرية وسيدافعون عنها بكل ما اوتوا من قوة ليمتلك كل انسان حقوقا لا يمكن مصادرتها، تلك الحقوق في القرآن الكريم [ ولقد كرمنا بني آدم ]، انا اؤمن بان حقوق الانسان تلك ليست قوانين مصطنعة كتبت من اجل فئة من الناس بل انها حقوق سماوية لكل بني البشر، واستنادا الى هذا الاعتقاد الراسخ سنقوم ببناء بلدنا حيث يعيش شعبنا بلا اغلال ويتنفس الحرية حيث سيادة القانون فيه لا يعلو عليها شيء، هذا هو العراق الجديد الذي يخرج من بين رماد الدكتاتورية ومجازر المتطرفين، دولة تحترم الاتفاقيات الدولية ولا تتدخل في شؤون الآخرين وتعتمد الحوار وسيلة لحل الخلافات، وتسعى جاهدة لتطوير اقوى العلاقات مع الدول التي تتبنى مبادئ الحرية والسلام.
نعمل مع الاحرار في العالم بجد من اجل ان يعود العراق ليأخذ مكانته التي تليق به ويلعب دوره الايجابي في محيطه الاقليمي والدولي كلاعب اساسي ونشط في بسط الامن والاستقرار واعطاء نموذج يحتذى في العالم في التعامل الايجابي بين الدول والشعوب من خلال نبذ العنف واللجوء الى الحوار البناء في حل المشكلات بين الامم والشعوب ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول والحكومات.
لقد حققنا تقدما في اصلاح الضرر الذي سببته سياسات النظام السابق وبالخصوص بشأن علاقاتنا مع جيراننا، ان وجودي اليوم وسط جو من الرغبة في اقامة العلاقات الدولية هو مثال على السياسة التي يتبعها العراق الجديد.
ايها السيدات والسادة...
في فترة قصيرة من الزمن تحول العراق من الدكتاتورية الى الادارة الانتقالية وصولا الى حكومة ديمقراطية كاملة، حصل هذا على الرغم من كل الجهود الجهيدة للارهابيين المصممين على ان يدمروا الديمقراطية ويدمروا العراق، ولكن شجاعة شعبنا وقفت بوجههم وتحدى العراقيون الارهابيين في كل مرة وضعوا فيها على المحك وخاطروا بحياتهم من اجل ان يذهبوا الى صناديق الانتخابات واكدوا مرة تلو الاخرى وهم يلوحون بفخر بأصابعهم البنفسجية بان اختيارهم سيبقى هو ذاته على الدوام، الامل بدلا من الخوف، والحرية بدلا من القمع، والسمو بدلا من الاذعان والديمقراطية بدلا من الدكتاتورية، والاتحادية بدلا من استبداد المركز.
يجب ألا يكون هناك شك بان الفضل في كون عراق اليوم ديمقراطية تقف بثبات على قدمها يعود الى تضحيات شعبنا العراقي والى تضحيات كل الذين وقفوا معنا في هذه المحنة من الامم والشعوب، فشكرا لهم على تضحياتهم.
لقد اجمع العراقيون بكل فئاتهم على المشاركة في اول انتخابات برلمانية تجري وفق دستور دائم بعد ثمانية عقود من الدساتير المؤقتة والانظمة الدكتاتورية، الشعب العراقي ينتخب من كتبوا الدستور الجديد والشعب العراقي هو اقر ما كتبه ممثلوه، ونجح العراقيون في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية استنادا الى الاستحقاق الانتخابي ممثلة العراقيين بكافة اديانهم واعراقهم واتجاهاتهم السياسية.
لقد كانت المسيرة محفوفة بالمخاطر وكان المستقبل غير مضمون وفي الوقت الذي قلل فيه العديدون في هذا العالم من شأن عزيمة وتصميم الشعب العراقي وبدوا متأكدين من ان العراق لن يصل ابدا الى المرحلة الحالية لكن القليل من الدول والشعوب التي وضعت ثقتها بنا وفي طليعتها انتم موقفكم هذا يستحق منا الامتنان".
يمكن احيانا ان نغفل درجة التحول الذي جرى في العراق وسط اجواء العنف العبثي منذ التحرير لكن بلدنا شهد تطورات عديدة في مجالات السياسة والاقتصاد والمجتمع المدني، لقد انتقلنا من دولة حزب واحد تتحكم بها نخبة متسلطة الى نظام متعدد الاحزاب تمثل السياسة فيه ميدان عمل ورأي لكل الناس وتتنافس فيه الاحزاب بشكل حر.
الاعلام العراقي الذي كانت تسيطر عليه الدولة اصبح اليوم حرا بالكامل ومن دون اي رقابة وهو امر لم يشهد له العراق مثيلا منذ تأسيس دولته الحديثة كما هو امر لعله غير مألوف لدى غالبية دول المنطقة.
كما كانت الدولة تهيمن على الاقتصاد في العراق، هذا الاقتصاد يسير اليوم بخطوات متسارعة نحو اقتصاد السوق الحرة، في الاعوام الثلاثة الماضية ارتفع نصيب الفرد من الناتج القومي الى الضعف، وتشير التوقعات الى ان الاقتصاد العراقي سيستمر بالنمو المطرد، لقد ارتفع المستوى المعيشي لأغلب العراقيين وشهدت السوق بوادر رخاء اجتماعي، حيث اصبح بامكان العديد شراء مواد كان من شبه المستحيل اقتناؤها من قبل الانسان العادي.
وتوافقا مع توجهاتنا الرامية الى اعتماد اقتصاد السوق قدمنا للبرلمان مشروع قانون للاستثمار يرفع العوائق التي تقف حاليا بوجه الشركات والمستثمرين الذين يرغبون بالعمل في العراق.
وفي الوقت الذي تحقق لنا فيه كل تلك الانجازات الاقتصادية، فان التحول الاكبر حدث في المجتمع العراقي، لقد انتقلنا من المقابر الجماعية وغرف التعذيب والاسلحة الكيمياوية الى سيادة القانون واحترام حقوق الانسان، انتقلنا من مصادرة الحريات الى فضاء واسع من الحرية وقد وفرت الحريات وحقوق الانسان التي تبناها العراق الجديد وثبتها الدستور بيئة صالحة لتأسيس عدد متزايد من مؤسسات المجتمع المدني، هذه المنظمات تتطور باستمرار من حيث اساليب العمل وميادينه بالشكل الذي مكنها ان تعكس التطور الاجتماعي الايجابي الذي يشق طريقه في العراق على الرغم من استمرار العنف، الحقوق التي اقرها الدستور يتساعد ايضا في تعزيز دور المرأة في الحياة العامة ويوفر لها فرصة اكبر في تطوير مشاركتها سياسيا، اشعر بالفخر عندما اقول بان اكثر من ربع اعضاء مجلس نوابنا من النساء ومع ذلك يبقى لدينا الكثير مما نريد تحقيقه في هذا المجال.
سيادة رئيس المجلس
السيد نائب الرئيس
ديمقراطيتنا الناشئة تواجه تحديات وعوائق عديدة ولكن تصميمنا القوي على النجاح لن يسمح لأي تحد ان يعيقنا، واكبر خطر يواجهه شعب العراق اليوم هو الارهاب، الارهاب الذي يمارسه المتطرفون اولئك الذين لا يعيرون اي احترام للحياة ويعتمدون على الخوف الذي يتسبب به تخريبهم وجرائمهم الشنعاء.
لقد قام هؤلاء بتهييج جروح حقبة الدكتاتورية، كما قاموا بفتح جروح جديدة في الجسد العراقي، عراقنا اليوم، عراق حر، وهذا ما لا يطيقه الارهابيون، انهم يريدون ان يضعفوا حكومتنا المنتخبة ديمقراطيا عن طريق القتل العشوائي للمدنيين، انهم يريدون ان يحطموا مستقبل العراق عن طريق قتل خيرة علمائنا وقادتنا السياسيين وقادة المجتمع، وفوق كل ذلك يريدون ان ينشروا الخوف والرعب.
لا تتصوروا بان هذه مشكلة عراقية، ان جبهة الارهاب تمثل تهديدا لكل البلدان والشعوب الحرة في العالم، هذا التهديد خطير وجدي وان حيرتنا اليوم تقع في مرمى التحدي وتقع على عاتق كل دولة وشعب يحترم حريته ويعتز بها.
معركة العراق ستحدد مصير هذه الحرب اذا تمكنا، وسننجح ان شاء الله، من خلال شراكتنا المتواصلة ان نهزم الارهابيين وفكرهم في العراق فلن تقوم لهم قائمة اخرى.
من اجل انجاح العملية السياسية في العراق اطلقت مبادرة المصالحة السياسية والحوار الوطني التي تسعى الى تقريب المجاميع المستعدة لقبول منطق الحوار والمشاركة، غصن الزيتون هذا يحمل تأييد الكتل البرلمانية العراقية كما انه يحمل تأييدا اوسع من قبل قطاعات واسعة من الشعب العراقي، انا مصمم على انجاح هذه المبادرة ولكن على اعدائنا ان لا يسيئوا الفهم ويروا في يدنا الممدودة للعفو بادرة ضعف، ان اي شخص يسعى الى ايذاء العراقيين سيلاقي المصير الذي لاقاه الزرقاوي في العراق.
في الوقت الذي تمثل فيه الجهود السياسية والاقتصادية اهمية عالية فان دحر الارهاب في العراق يعتمد اساسا على بناء الاجهزة الامنية العراقية كما ونوعا، ان اتمام بناء هذه الاجهزة يمثل اساسا لازما لانسحاب القوات المتعددة الجنسيات، وفي ذلك الوقت فقط حين تتكامل قدرات القوات العراقية تكون مهمة القوات المتعددة الجنسيات قد اكتملت، وان قواتنا قد استكملت الكثير واكتسبت الخبرة الاكثر ميدانيا تؤهلها لالحاق الهزيمة بالارهابيين وتسلم الملف الامني وبسط الامن في البلاد.
الامر الآخر الذي يعيق الاستقرار في العراق هو وجود الميليشيات المسلحة لقد قلت في اكبر من مناسبة تصميمي على حل كل الميليشيات دون استثناء وحصر السلاح بيد الدولة وضمان الامن للمواطنين، حتى لا يحتاجوا الى آخرين للدفاع عنهم.
المهم تحقيقه هو ان تبدأ عملية اعادة الاعمار الآن، ففي الوقت الذي تعاني فيه اجزاء محدودة في وسط العراق من عدم الاستقرار، بقيت مناطق واسعة من العراق آمنة ولكن مهملة لفترة طويلة من الزمن، هذه المناطق كانت الاكثر حرمانا في زمن النظام السابق وكانت الاكثر بسالة في جهاد العراقيين من اجل الحرية، علينا ان نجعل من هذه المناطق المستقرة مثالا لباقي البلد.
مشاريع اعادة الاعمار في تلك المناطق ستعالج مشكلة البطالة، الامر الذي سيضعف الارهاب ويمكن لهذه المناطق ان تشكل تجارب تتطلع المناطق الاقل استقرارا الى حذوها، ولاشك ان اعادة الاعمار ستغذي النمو الاقتصادي وتظهر الصورة التي سيكون عليها عراق مزدهر ومستقر وديمقراطي واتحادي.
السادة اعضاء الكونغرس...
في جهودنا هذه نحتاج الى مساعدة المجتمع الدولي، جزء كبير من المنح التي خصصت للعراق انتهى به الحال لدى المتعاقدين الامنيين والشركات الاجنبية التي تعمل بهامش ربحي ضخم، نحتاج الى ان يكون هناك اعتماد اكبر على العراقيين والشركات العراقية مع مساندة واسناد اجنبيين لاعانتنا في بناء العراق.
اننا نعيد بناء العراق على اسس جديدة وقوية ألا وهي الحرية والامل والمساواة، ديمقراطية العراق مازالت ناشئة ولكن ارادة شعبه قوية، ان وجود هذه الروحية والتطلع الى التحرر هو الذي جعلنا نغتنم الفرصة ونحقق الديمقراطية، لقد واجهنا الطغيان والقمع ايام النظام السابق ونواجه اليوم نوعا آخر من الارهاب لم نرضخ في ذلك العهد ولن نرضخ اليوم.
لن نسمح بان يصبح العراق نقطة انطلاق للقاعدة والمنظمات الارهابية، ولن ندع الارهابيين يحرمون العراقيين من احلامهم وآمالهم ولن نترك الارهابيين يقررون مستقبلنا، لعقد من الزمن جاهدنا لوحدنا من اجل الحصول على الحرية وفي عام 1991 عندما حاول العراقيون ان يستثمروا فرصة ضعف النظام وانتفضوا ضده وجدوا انفسهم لوحدهم مرة اخرى.
ان شعب العراق لن ينسى الدعم المستمر لنا ونحن نؤسس ديمقراطيتنا الآمنة المستقرة، دعونا لا نسمح بما حدث في 1991 بان يتكرر لان ذلك ان حصل فلن يكون التاريخ رحيما مع احد منا على الاطلاق.
الايام القادمة قد تكون صعبة والتحديات قد تكون جسيمة، العراق ودول العالم تحتاج الى بعضها من اجل هزيمة الارهاب الذي يحاول ابتلاع العالم الحر، بوقوفنا جنبا الى جنب سنكون من المنتصرين لاننا لن نكون عبيدا للارهابيين، فقد خلقنا الله احرارا.
ثقوا بان العراق سيكون مقبرة للارهاب والارهابيين دفاعا عن الانسانية في كل مكان.
وشكرا جزيلا لكم.