احمد الطائي / بنت الرافدين

تقدر مراكز مجتمع مدني عراقي معنية بالقضايا الاجتماعية عدد الأيتام في العراق ممن تقل أعمارهم عن 18 عاما بقرابة مليون طفل. وتشير بعض الإحصائيات الي ان ثلث هذا الرقم اصبحوا أيتاما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق بسبب الهجمات المسلحة التي نفذها الجيش الأمريكي واعمال العنف المستمرة في العراق فيما كان الباقون قد فقدوا آباءهم في حروب سابقة او خلال الحصار.

 ولا يلقي ايتام العراق رعاية خاصة كأمثالهم في دول اخري، بل ان عددا كبيرا منهم لم يذهب الي المدرسة بسبب سوء أوضاع عائلاتهم المادية ما يدفع بعضهم الي العمل في مهن مختلفة. 

ورغم ان نظام شبكة الرعاية الاجتماعية الذي نظمته وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية قد شمل برواتبه قرابة 180 الف شخص، الا ان الأيتام ما زالوا في آخر سلم الاهتمام في الدولة، حيث لم تنشأ ومنذ ثلاث سنوات دور إضافية لرعاية الايتام الا قلة قليلة، فيما لم تكن قد أنشئت مثل تلك الدور في السنوات العشر الاخيرة بسبب ما كان يمر به العراق من حصار اقتصادي. 

وغالبا ما ينتمي الأطفال الايتام الي عائلات فقيرة حيث ان آباءهم لم يكونوا موظفين في الدولة لذلك فليس بمقدورهم العيش برواتب أسرهم التقاعدية، وتركت أعمال العنف في العراق التي غالبا ما يكون ضحاياها من المدنيين جيلا كبيرا من الأيتام لا يحصلون علي الرعاية الصحية او التعليمية او المعيشية. ويشير حامد سرحان البالغ من العمر 13 عاما ويعمل في بيع الثلج في منطقة البياع ببغداد الي انه يعمل منذ عامين في هذه المهنة التي يصعب عليه تحملها فهو يبدأ العمل من الساعة السادسة فجرا حتي الساعة السادسة مساء من كل يوم ويقوم بنقل الثلج بعربة يجرها حمار الي مكان عمله لبيع ما لديه، لكنه يشير الا انه بدأ يحمل هما إضافيا هذه الايام اذ ان عمله سيتوقف سبب قرب حلول فصل الشتاء وتوقف الناس عن شراء الثلج الذي كان يدر له ربحا وفيرا بسبب انقطاع الكهرباء الدائم وحاجة الناس للثلج. وحامد قتل أبوه في اشتباك بين مسلحين والقوات الأمريكية في بغداد قبل عامين حين كان مارا بمسرح الحدث. 

خبير اجتماعي يري ان العالم لا يهتم كثيرا بوضع الأيتام في العراق وان مبالغ المنح الدولية التي تعطي للعراق لا تشترط فتح ملاجئ أيتام او توفير فرص تعليم او صحة لهم، ويقول الخبير مهند سامي الذي يبحث في هذا الموضوع في رسالة ماجسيتر يستعد لمناقشتها حاليا، ان الايتام في العراق اصبحوا جيلا يكاد يكون مصابا بأمراض نفسية خطيرة، ففقدان الحنان الابوي والتعليم يجعلهم يشعرون انهم اقل من الآخرين، ويمضي الخبير الباحث بالقول انه وجد ان عددا كبيرا من الذين ادمنوا تناول المخدرات والحبوب المخدرة هم من الايتام الذين لم يوجههم احد ولم يردعهم احد من عائلاتهم بسب غياب الاب، وان انتشار مثل هذه الظاهرة يمكن ان تحول آلاف الأطفال الي مدمنين ومن ثم مجرمين يشعرون ان المجتمع حاربهم. 

وفي العراق لا توجد إحصائية ثابتة لمؤسسات حكومية عن عدد الأيتام فهناك الكثير منهم في الريف انصهروا بمزارع أخوالهم او أعمامهم، الا ان الخوف الاكبر علي الاطفال الايتام داخل المدن المشبعة بالمغريات والعنف واختلال الضوابط الاجتماعية علي عكس ما هو موجود في الريف الذي يتحكم ويصنع شخصية الفرد بانتمائه لعشيرته.

ورغم ان أدراج مكاتب الباحثين الاجتماعيين في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني تمتليء بدراسات ومقترحات لمعالجة هذه الشريحة الكبيرة في العراق الا ان اغلبها لم يؤخذ النظر به، بل يبدو ان انشغالات السياسيين بالقضايا السياسية الخلافية قد أبعدتهم عن الشعور بوجود هذه الشريحة، لكن في النهاية .. المجتمع هو من يدفع الثمن والمستقبل يحمل المفاجآت.