استضاف مركز وودرو ولسن الدولي
للباحثين يوم الثلاثاء 26/9/2006 رئيس
الجمهورية جلال طالباني خلال وجوده في
واشنطن. و فيما يلي الترجمة الكاملة
للكلمةالتي ألقاها فخامته أمام
المدعوين:
أيها
السيدات و السادة
انه
لشرف عظيم و سعادة كبيرة أن أكون
بينكم هنا، متحدثاً باسم العراق
الجديد، في مثل هذا المركز المرموق
للتعلم والبحث العلمي.
سأطلعكم على آخر المستجدات التي طرأت
على مشروعنا الديمقراطي و معركتنا
الصعبة من اجل عراق حر يعيش بسلام مع
نفسه و مع العالم، و هو هدف لن نتخلى
عنه. و أملنا أن يكون العراق، في يوم
ما، مزدهراً كما هي الولايات المتحدة،
و أن تكون له مؤسسات مرموقة
تعنىبالصالح العام مثل مركز ودرو
ولسن. إن ودرو ولسن، بصفته رجلا عظيما
ورئيسا عظيما، يستحق أن يتذكره
العالم. لقد كان رجلا استحث مسيرة
الحرية للشعوب قاطبة. و لقد قمتم بعمل
رائع عندما أحييتم ذكراه بإنشاء هذا
المركز. إننا في العراق نقدّر كلماته،
لاسيما تلك التي قالها أمام الكونغرس
في عام 1917 "بأن الحياد لا يصبح
ملائماً أو مطلوباً، عندما يتعلق
الأمر بسلام العالم وحرية شعوبه"، كما
نقدّر أيضاً قوله في نفس الخطاب " يجب
جعل العالم آمنا للديمقراطية". لقد
كان ولسن أول رئيس أميركي يبدي
اهتماما حقيقيا بالشرق الأوسط، و إننا
في العراق لن ننسى انه قد أشار إلى
المنطقة العربية و كردستان و أرمينيا
بأنها تمثل محور اهتمام جميع الشعوب
الحرة في العالم. ولم يخل العراق من
مضاعفاتٍ خطيرة نتجت عن إحتوائه
لإثنين من هذه المكونات الثلاثة. و
على الرغم من أن المبادئ الأربعة عشر
تم تبنيها جزئياً في الولايات المتحدة
، فان هذه الوثيقة ألهمت الكثير من
شعوب العالم وزاد انتشار أفكارها مع
مرور الوقت. إن المبادئ التي تعرفها
الوثيقة، خصوصا التركيز على حق تقرير
المصير، كانت من الركائز التي استند
الى كفاحنا من اجل بناء الدولة
الوطنية. و بعد قيام الدولة العراقية
و تأسيس النظام الملكي، قام اعيان
العراقيين، في اجتماع تم في بغداد،
بتوجيه رسالة إلى الرئيس ولسن يطلبون
فيها دعمه من اجل تحديد صلاحيات الملك
بدستور. و قد قال الشيخ محمود، زعيم
الأكراد إبان فترة الحكم البريطاني،
انه استند في نشاطاته السياسية الى
المبادئ الأربعة عشر التي وردت في
كلمة ولسون. كما أن رجال الدين الشيعة
في الجنوب طالبوا أيضا بتطبيق تلك
المبادئ ملتمسين المساعدة من الولايات
المتحدة الأمريكية. إنني أود أن أقدم
شكري إلى السيد لي هاملتون، مدير مركز
ولسن، الذي هو صديق كبير للعراقيين
منذ سنوات عديدة، و كان كذلك حتى في
أحلك الأيام من عهد الاضطهاد، ونحن
نذكر دعمه كعضو في الكزنغرس ونشعر
بالامتنان له. إن الشعب العراقي
سيتذكر دائما ان الكونغرس الأمريكي
أقر مشروع قانون تحرير العراق عام
1998. وأود أن أقدم شكري أيضا إلى
الرئيس بيل كلنتون للمصادقة عليه،
ولإعلانه ان الحرية يجب ان تكون متاحة
للعراقيين، كما اشكر أيضا الرئيس جورج
دبليو بوش لتطبيقه هذا القانون. وإنني
إذ انقل لكم تحايا الشعب العراقي، أجد
أن كلمات الشكر تعجز عن أن تكون
تعويضاً لمن فقدوا أحباء لهم في
العراق. إننا نشعر بألمكم و نجلّ
تضحياتكم و لن ننساكم أبدا. و بفضل
المساعدة من الولايات المتحدة، إننا
نقوم اليوم بتحويل العراق إلى بلد
تحكمه الديمقراطية و تسوده قيم
التسامح و حقوق الإنسان و حكم
القانون. إن كل عراقي يريد ان يحيا
بكرامة كسب من تحرير العراق. ويشعر كل
عراقي اليوم بان له موقع في العراق
الجديد الذي لم يعد ملكا لعصابة حكمت
بالخوف والقمع. في عهد صدام كانت
غالبية العرب السنة مهمشة، بينما كان
صدام وعصابته يحكمون باسم هذه
الطائفة. أما اليوم، فان لدى العرب
السنة 58 نائبا في البرلمان، و منهم
أيضا نائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس
الوزراء ورئيس البرلمان، وجميعهم
منتخبون من قبل الشعب العراقي. أما
الغالبية الشيعية فقد كانت مضطهدة و
تعاني من التمييز لعقود طويلة، ولم
يكن لأبناء هذه الطائفة حتى الحق في
ممارسة شعائرهم الدينية. أما الآن فهم
مواطنون من الدرجة الأولى و يشغلون
مواقع رئيسية في الحكومة و البرلمان
من خلال ممثليهم المنتخبين بصورة
ديمقراطية. و كان الكرد مواطنون من
الدرجة الثانية، و عانوا من الإبادة
الجماعية و القصف الكيمياوي، لكنهم
اليوم أعضاء متساوين في المجتمع
العراقي ومشاركين فاعلين في إدارة
بلدهم العراق. و كان نظام صدام حسين
ينكر وجود التركمان في العراق، أما
اليوم فلدى التركمان أحزاب سياسية و
جمعيات و صحف و محطات إذاعة تنطق
باسمهم، و أصبحت اللغة التركمانية
تدرّس في مدارسهم. كما اعترف الدستور
العراقي الجديد بالكلدو آشوريين، و
اعتبرهم مكوناً مهماً من مكونات الشعب
العراقي، و اقر لهم جميع الحقوق
الدينية و الثقافية أسوة ببقية
أخوانهم العراقيين. إن لدى العراق
اليوم حكومة منتخبة تمثل جميع أطياف
الشعب العراقي بخلاف سلطة الطاغية
المتعطشة للدماء. و مع زوال نظام
صدام، فان دول الشرق الأوسط لم تعد
لديها أية مخاوف أو قلق من مغامرات
جديدة يقوم بها صدام و جيشه خارج حدود
العراق الدولية. كما فقد الإرهابيون
الدوليون في الوقت نفسه حليفا مهما
لهم في المنطقة. هذا الحليف الذي لم
يكن ليتردد عن تقديم العون و الحماية
لهم، و تشجيعهم على القيام بالإعمال
الإرهابية في المنطقة. إن المكاسب
التي تحققت من إزالة نظام صدام لم تكن
سياسية فحسب، إذ تم تحرير الاقتصاد من
سيطرة الدولة و نحن الآن نخطو خطواتنا
الأولى نحو خلق قطاع خاص فعال، و تعج
أسواقنا بالحياة رغم الوضع الأمني غير
المستقر. إن الطبقة الوسطى في نمو،
حيث يتقاضى الأستاذ الجامعي اليوم
حوالي 1000 دولار أمريكي في الشهر
مقارنة بـ 17 دولاراً كان يتقاضها في
عهد نظام صدام، و يمكن ملاحظة هذا
النمو بشكل خاص في المناطق الآمنة في
العراق. فخلال فترة حكم صدام، و
تحديدا في الثمانينيات كان في إقليم
كردستان العراق جامعة واحدة، أما
اليوم ففيه خمس جامعات، ويجري حاليا
إنشاء مبان للجامعة الأميركية في
السليمانية. إننا اليوم نعمل على
تجديد الأسس التي بني عليها العراق. و
نحن مستمرون في إعادة بناء ما دمره
ماضي البلاد الدموي، و لا نملك خياراً
إلا النجاح. إننا و لأول مرة في تاريخ
العراق، صادقنا على دستور يتضمن
الكثير من قيم الديمقراطية و حقوق
الإنسان و المساواة و حكم القانون و
الإدارة الجيدة. و لدينا الآن في
العراق برلمان يمثل الجميع و حكومة
وحدة وطنية تم تشكيلها بعد الانتخابات
التاريخية التي جرت في كانون الأول
الماضي. و من اجل تقوية الأسس التي
تسند إليها عملية اتخاذ القرارات،
اتفقت الكتل السياسية التي شكلت
الحكومة فيما بعد، على البرنامج
السياسي للحكومة، و على تشكيل المجلس
السياسي للأمن الوطني. و هنا، أود أن
أؤكد مجدداً على أن رئيس الوزراء نوري
المالكي كان و ما زال يمثل خيار جميع
الكتل السياسية الرئيسية في البرلمان،
فهو قوي و يحظى بدعم العراقيين كرئيس
لحكومة الإنقاذ و الوحدة الوطنية. و
لقد كانت مسيرته حتى الآن مشجعة، فبعد
فترة قصيرة من تسلمه منصبه، توجه إلى
البصرة و نجح في تهدئة الأوضاع هناك،
كما اصدر أوامره للجيش بمنع نشاط
الميليشيات كما حدث في مدينة
الديوانية. و يعلم العراقيون انه قام
بعدة زيارات ناجحة إلى دول الجوار
بالإضافة إلى زيارته إلى لندن و
واشنطن، في محاولة منه لحشد الدعم
الإقليمي و الدولي للعراق. لقد حظيت
مبادرته للمصالحة الوطنية بالدعم
الشعبي من قبل جميع مكونات الشعب
العراقي. و تجدر الإشارة هنا إلى أن
الشعب العراقي قد اختار المضي قدماً
في طريق المصالحة الوطنية رغم
الممارسات العدوانية لأذناب صدام و
محاولاتهم الإيقاع بين أبناء الشعب
العراقي. و تمثل عملية المشاركة في
الانتخابات الوطنية و الاستفتاء على
الدستور الخطوات الأولى على طريق
جهودنا للمصالحة الوطنية. لقد اخترنا
صندوق الاقتراع و ليس السلاح سبيلا
لحل خلافاتنا، و عززنا ذلك بخطة رئيس
الوزراء المالكي. وهي خطة هدفها إشراك
جميع مكونات الطيف السياسي العراقي،
التي تشجب الإرهاب و العنف، في
العملية السياسية. ويسعى أعداؤنا من
الإرهابيين الدوليين من القاعدة، و
أزلام النظام السابق و المستفيدين
منه، الى الإيقاع بين أبناء الشعب و
العودة بالعراق إلى الماضي الوحشي
الدموي.إن الجريمة المحسوبة التي
نفذها الزرقاوي و أتباعه بتفجير مرقد
الإمامين في سامراء، و هو من المقدسات
الدينية و الكنوز الثقافية للعراق، هي
دليل واضح على أجندة الإرهابيين التي
تمثلت في دفع البلاد نحو الحرب
الأهلية. كما إن تداعيات هذه الجريمة
شكلت أيضا مؤشراً قوياً الى حاجة
العراق لوجود القوات المتعددة
الجنسيات. و بفضل وجود هذه القوات في
العراق و حكمة زملائي في القيادة
العراقية، تم إحباط ذلك المخطط و
احتواء الانفجار المفاجئ للعنف. و نحن
ما زلنا بحاجة إلى مساعدتكم لإنقاذ
العراق من خطر العنف الدائم. إن
العراق يتقدم على مهل، في تعزيز قدرته
الذاتية على القتال في هذه الحرب،
والدليل على ذلك يتمثل في تخلي القوات
المتعددة الجنسية حديثا عن السيطرة
الكاملة لمصلحة الحكومة العراقية.
وتضم القوات المشتركة الآن جنوداً من
العراق أكثر من أي بلد آخر ممثل في
قوات التحالف. إن قدرة قواتنا تتطور
ببطء و لكن بخطى واثقة، فان العراق
سيكون قادراً على حماية نفسه بنفسه.
إن المخاطر في العراق كثيرة و كذلك
التحولات العالمية، و لهذا السبب
ينبغي أن تكون بلادنا محور اهتمام لكل
بلد ديمقراطي في العالم. استطيع أن
أؤكد لكم أن الانسحاب الفوري لقوات
التحالف، سيطلق العنان للإرهابيين و
يفسح أمامهم المجال، و ستضيع كليا
آفاق قيام عراق وشرق أوسط آمنين. و
رغم أنني لا استطيع أن أتعهد بموعد و
كيفية انتهاء الوجود الأميركي في
العراق، إلا أنني أستطيع تأكيد أن
الجنود الأميركيين لا يقاتلون عبثاً.
إننا في العراق ندرك ضخامة الموارد
التي قدمتها الولايات المتحدة، كما
انني ادرك أيضا أن الكثير من
الأمريكيين كانت لدبهم تحفظات على
قرار الذهاب للحرب. لكنني اطلب منكم
أن تتجاوزوا ذلك في سبيل دعم عراق
ديمقراطي حر، و من اجل مستقبل
للعراقيين خال من العنف و التطرف.
وأطلب منكم أن تضعوا في حسبانكم ما
يمكن أن يعنيه الفشل في العراق و ما
سيعنيه للعراق والولايات المتحدة
والمجتمع الدولي. إن مصلحة العراق و
الولايات المتحدة الأميركية متطابقة
في هذه القضية. أدرك أني بحاجة لمزيد
من الوقت للحديث عن الوضع في العراق،
و لكنني ساترك النقاط التي لم أتطرق
إليها إلى المناقشة وأسئلتكم. اختم
حديثي بتكرار ما قلته للشعب الأميركي
في رسالتي التي وجهتها إليهم الأسبوع
الماضي. أن الولايات المتحدة تتحمل
مسؤولية جسيمة في مساعدتنا. ومهما
كانت علاقاتنا معقدة فان أميركا
والعراق هما الآن أشقاء في العالم.