كلمة رئيس الوزراء المالكي في مؤتمر القوى السياسية للمصالحة الوطنية

 

نجوى الطاهر / بنت الرافدين

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَتَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً)

صدق الله العلي العظيم

 

ايها السيدات والسادة المحترمون

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ان مشاركتكم  في هذا المؤتمر تعد دليلا على ارادتكم القوية وحرصكم على سلامة العراق الذي يمر في اوضاع صعبة  , كما ان القبول بمبدا الحوار وتجاوز حالة الرفض المسبق اشارة في غاية الاهمية للتقدم نحو الامام. لقد مضى عام على اول انتخابات برلمانية حرة يشهدها العراق في تاريخه الحديث، على ضوء دستور دائم صوت عليه ملايين العراقيين وتشكلت بموجبه اول حكومة وحدة وطنية شاركت فيها جميع مكونات الشعب العراقي. ان الاهتمام البالغ الذي توليه حكومة الوحدة الوطنية للجانب الامني لم يمنعها من المضي قدما في عملية اعادة البناء في المجالات الاقتصادية والصناعية والزراعية والتجارية وتوفير الخدمات وتطوير البنى التحتية. ان مشاريعنا في مجالات الاعمار جارية او هي قيد التحضير والتنفيذ ضمن خططنا المستقبلية في عملية اعادة البناء في جميع المحافظات وقد هيئنا لذلك ميزانية كبيرة ستكون قادرة على احداث نقلة نوعية في جميع المجالات الحيوية وبما يساعد في توفير فرص عمل للعاطلين. لقد تمكنت حكومة الوحدة الوطنية وبالتعاون مع مجلس النواب خلال الستة اشهر الماضية في تحقيق انجازات كبيرة توزعت في المجالات المختلفة، فقد تم اقرار قانون الاستثمار الذي سيساعد في التنمية الاقتصادية وجذب رؤوس الاموال الوطنية والاجنبية واقرار تشريعات تحرير استيراد الوقود. وتضع الحكومة اللمسات الاخيرة على مشروع قانون النفط الذي يشكل ركنا اساسيا في تحقيق العدالة في مجال توزيع الثروات الطبيعية وفي مقدمتها النفط الذي هو ملك لكل العراقيين كما اقرت الحكومة مشروع الاسكان الوطني الذي سيساهم في حل مشكلة السكن في البلاد وتعمل الحكومة وبالتعاون مع الامم المتحدة والمجتمع الدولي على انجاز ميثاق العهد الدولي وهو الميثاق الذي سيوفر دعما دوليا واقليميا لمشاريع الاعمار والبناء. لا بد علينا جميعا ايها الاخوة ان نتخلى عن ثقافة فرض ارائنا على الاخرين بالقوة باعتباره النهج الذي اعتمده النظام الدكتاتوري البائد و الذي جر البلاد على مدى العقود الماضية الى الدمار والحروب. ان المرحلة الحساسة التي يمر بها عراقنا العزيز تتطلب منا ان نعمل بروحية الفريق الواحد للخروج بنتائج عملية وملموسة وان لانكتفي بالشعارات والخطابات, فالمصالحة الوطنية ليست شعارا نردده بدون عزم لتحويلها الى ممارسة يراها ويحس بها المواطن على ارض الواقع وان يتحمل الشركاء في العملية السياسية مسؤولية تطبيقها وتحمل تبعاتها. ان نجاح المصالحة الوطنية لابد ان ننظر اليه على انه ربح للوطن والمواطنين وليس ربحا لطرف وخسارة لاخر ان مثل هذا النجاح يستلزم توفير عنصرين اساسيين : الاول القبول بمبدا الحوار الهادف والثاني الارادة التي توصلنا الى حلول يرضى بها الجميع , وهذا يستدعي استحضار القواسم المشتركة وتشخيص الخلافات لتذليلها وتجاوزها لنحدد معا معالم المعادلة السياسية التي تتفق عليها جميع القوى السياسية بما يساهم في بلورة موقف وطني موحد ضد الارهابيين الذين يراهنون على تباعدنا وخلافاتنا. نريد من المصالحة الوطنية ان ترسم صورة الواقع السياسي للعراق الجديد لكي نقول لشعبنا ان قواه السياسية وكتله النيابية وحتى تلك التي عارضت العملية السياسية , تؤمن بان وقف نزيف الدم العراقي وانهاء الاحتقان الطائفي واصلاح الاضرار التي لحقت بنسيجه الاجتماعي هي اهداف مبدئية نعمل جميعا على تحقيقها بالمواقف والافعال وليس بالكلام فقط.ايها السيدات والسادة ليس هدفنا من عقد هذا المؤتمر والمؤتمرات التي سبقته تكبير حجم الامال والتطلعات فقط انما ايضا تحديد المخاطر والتحديات التي تواجه البلاد , ونحن نعتقد جازمين بان المصالحة الوطنية هي خشبة الانقاذ والطريق الوحيد المضمون النتائج للوصول الى تحقيق الامن والاستقرار والازدهار, لان البديل الاخر لا سمح الله هو الموت والدمار وضياع العراق  وتمزيق وحدته الوطنية. ان حكومة الوحدة الوطنية التي شكلناها على قاعدة التوافق بين الكتل البرلمانية المشاركة في العملية السياسية , تعني توسيع قاعدة المسؤولية في مواجهة التحديات , ومن الخطا الفادح التنصل عن المسؤولية او التهرب منها. ان المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية هي مسؤولية وطنية تضامنية , وليس من حق اي منا ان يجني ثمار العملية الديمقراطية دون تحمل تبعاتها او ان لا يتورع في اثارة الفتن واشاعة ثقافة الكراهية ونبش الماضي الذي كنا نتمنى ان يبقى في بطون كتب التاريخ. اننا نعتقد بان المصالحة الوطنية ليست شعارا سياسيا انما هي رؤية استراتيجية للحكومة التي تعمل باتجاهين متداخلين احدهما توفير الامن وتثبيت دعائم الاستقرار والاخر التسريع في عملية اعادة البناء والاعمار في جميع المحافظات.

اننا ندعو الى مراجعة جدية للتشكيلات السياسية الحالية واعادة بنائها على اسس وطنية وتشكيل اطار او جبهة وطنية موسعة تضم جميع المكونات السياسية وتكون فوق الانتماءات والولاءات الضيقة وبما يفسح المجال امام العناصر الكفوءة والمتخصصة لادارة شؤون البلاد بعيدا عن المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية. ايها الاخوة والاخوات نطالب مؤتمركم الموقر باتخاذ مواقف واضحة مقرونة بالعمل لتعزيز قدرة اجهزتنا الامنية والعسكرية في مواجهة المنظمات الارهابية والتكفيرية وحلفائهم من بقايا النظام البائد , هؤلاء الذين لايؤمنون بالعملية السياسية ولا بالحوار ويعتمدون ثقافة تكفير الاخرين وقتلهم واثارة الفتنة الطائفية في محاولة لاعادة عجلة التاريخ الى الوراء , وهيهات ان تتحقق هذه الاوهام لاصحاب النوايا الشريرة ونؤكد بما لايدع ادنى مجال للشك على خطورة التنظيمات المسلحة والميليشيات على الامن والسلم الاجتماعي وضرورة الاجماع الوطني على ان السلاح يجب ان يكون بيد الحكومة فقط لبسط الامن وفرض سيادة القانون. ومع ادراكنا للدور المشرف الذي قامت به بعض الميليشيات في اسقاط النظام الدكتاتوري، فانه لابد من حل هذه الميليشيات ودمجها في مؤسسات الدولة المختلفة. ان حكومة الوحدة الوطنية عازمة على معالجة التركة الثقيلة التي خلفها النظام السابق وانصاف ضحاياه ولذا اعلن امامكم عن تشكيل مؤسسة الشهداء التي ستعنى برعاية عوائل شهداء العراق من مختلف انتماءاتهم كما شرعنا في تاسيس مؤسسة السجناء السياسيين لتعويضهم عمالحق بهم من ظلم وحيف. ان الجيش العراقي الجديد قد فتح ابوابه امام منتسبي الجيش السابق من ضباط ومراتب وان حكومة الوحدة الوطنية على  استعداد لاستيعاب من لديه الرغبة في خدمة الوطن على اساس مهني وبما يتناسب مع حجم الجيش وقدرته على الاستيعاب. وستقوم الحكومة بصرف رواتب تقاعدية لكل الذين لايتم استيعابهم في الجيش. ان العراق اليوم بحاجة الى جيش قوي يحميه من الاعداء ويكون ولائه للوطن اولا وليس جيش امتيازات وانقلابات عسكرية ومغامرات طائشة . ان ضباط الجيش هم ابناؤنا الاعزاء الذين نكن لهم كل الاحترام والتقدير ونسعى لزجهم في جميع المواقع للاستفادة من طاقاتهم وخبراتهم ومهاراتهم بما يساعدنا على استكمال بناء قواتنا المسلحة وتسلم المهام الامنية في جميع المحافظات ومع تقديرنا للدور الذي قامت به قوات التحالف في مساعدة  العراق للتخلص من النظام الدكتاتوري فان الحكومة تدرك بان الوقت قد حان لتولي كامل المسؤولية على الملف الامني في البلاد. وقد تم الاتفاق بين الحكومة العراقية والقوات المتعددة الجنسيات على تسريع عملية نقل المهام الامنية الى القوات العراقية. وستقوم القوات المتعددة الجنسيات باسناد ودعم القوات المسلحة العراقية لحين استكمال نقل كامل المهام الامنية. ايها السيدات والسادة نحن نفرق تماما بين البعثيين الذين لم تتلطخ ايديهم بدماء ابناء شعبنا واولئك الذين ارتكبوا ابشع الجرائم بحق العراقيين ويواصلون اليوم سفك دماء الابرياء والاغتيالات وتفجير العبوات الناسفة والسيارات المفخخة وتدمير البنى التحتية, نفرق بين الحالتين لكي لا يلحق الاذى بالصنف الاول ولكي لا يفلت الصنف الثاني من عدالة القانون . وعلى هذا الاساس ادعو مجلس النواب الى اجراء مراجعة في الفقرات الدستورية وطبقا للقواعد الدستورية في هيئات النزاهة والاعلام والاجتثاث تضمن حقوق عوائل من تشملهم اجراءات الاجتثاث تجسيدا لمبدا التسامح ورعاية لجميع العراقيين. لابد لنا من التعاطي مع جميع القضايا الشائكة والمعقدة وفق قاعدة الالتزام بالدستور مع اعتقادنا ان مجلس النواب الموقر الذي شكل لجنة لاجراء التعديلات الدستورية يتفق معنا في هذه الرؤية . ايها الاخوة والاخوات لقد آن الاوان لاجراء تعديل وزاري لتنشيط الحياة في مفاصل الدولة واجهزتها المختلفة . وهنا لابد لي من التاكيد على اهمية مساهمة الكتل السياسية المشاركة في العملية السياسية بشكل جاد وفاعل لتسريع عملية اجراء التعديل الوزاري الذي نعتقد انه اصبح ضروريا في هذه المرحلة الحساسة ايها السيدات والسادة ان السياسة الخارجية التي اتبعتها حكومة الوحدة الوطنية تعتمد بالدرجة الاساس على مبدا عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى وعدم السماح لاي دولة بالتدخل في شؤون العراق الداخلية . وقد قمنا بزيارة غالبية الدول المجاورة لتحسين العلاقات مع هذه الدول في المجالات السياسية والاقتصادية والامنية. ويمكننا القول اننا نجحنا في تجاوز الكثير من المشاكل العالقة بين العراق ودول الجوار.وخلال الايام المقبلة سترسل الحكومة العراقية وفودا لزيارة دول المنطقة للتشاور معها بشان دعم العملية السياسية في العراق. وعلى ضوء استعدادها للمساعدة في استتباب الاوضاع الامنية في العراق سندعو الى عقد مؤتمر اقليمي يؤكد ويؤيد ماحققه الشعب العراقي من انجازات ديمقراطية ويساند حكومة الوحدة الوطنية ويقف الى جانبها في مواجهة الارهاب وانجاح المصالحة الوطنية. اننا نرفض ان يتحول العراق الى ساحة لصراع القوى الاقليمية والدولية كما ادعو مؤتمركم الى رفض الاستقواء بالاطراف الخارجية وادانة سياسة التحريض الطائفي والحظ على الكراهية والعنف. ايها الاخوة والاخوات عندما انظر اليكم ايها الحشد الكريم فانني ارى فيكم صورة المستقبل للعراق الذي نعمل سويا على ان يكون حرا وسيدا وامنا ومزدهرا . وحينما انظر الى الاحزاب والمنظمات السياسية التي تمثلونها , فانني اعتقد جازما بانها لابد ان تتحول الى ورشات عمل وطنية لتقوية النسيج الاجتماعي وتكريس الوحدة الوطنية. ان العراق سيبقى بيتنا الكبير والعزيز الذي يضمنا جميعا مع اختلاف ارائنا ومعتقداتنا كما ان الولاء يجب ان يكون للعراق اولا وليس للحزب او الطائفة او القومية , فالعراق للعراقيين وليس من حق اي جهة في العهد الجديد ان تمارس سياسة التهميش والاقصاء والتمييز ضد الاخر , فالعراقي يساوي اخاه العراقي في الحقوق والواجبات والوحدة الوطنية هدف مقدس شرعا وقانونا. ايها السيدات والسادة لابد لنا ان نستذكر في هذا اللقاء الوطني جميع المضحين من ابناء شعبنا العراقي العزيز ونقف وقفة اجلال واكبار للشهداء وذويهم وللجرحى والثكالى واليتامى، هؤلاء الذين ضحوا بارواحهم وقدموا اعز مايملكون من اجل ان يبقى العراق قويا وعزيزا وموحدا. الخيبة والخسران لاعداء الشعب الذين استسهلوا اراقة الدماء وارتكبوا الكبائر وانتهكوا الحرمات واحلوا حرام الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

نوري كامل المالكي

         العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org