نص كلمة المالكي بمناسبة
مرور عام على تشكيل حكومة
الوحدة الوطنية
خاص
/ بنت
الرافدين
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الشعب العراقي
العزيز
ياأبناء الرافدين
أيها الأخوة والأخوات
السلام عليكم ورحمة
الله وبركاته
عام مضى على تشكيل أول
حكومة منتخبة دائمة في
تأريخ العراق الحديث، هذه
الحكومة التي حظيت بتأييد
الكتل النيابية المشاركة
في العملية السياسية
والتي أجمعت على دعم
البرنامج الوطني ومنحت
الثقة للحكومة، ومن هذا
الإجماع، فقد توكلنا على
الله وبالإعتماد على ثقة
الشعب في تنفيذ برنامج
الحكومة، وهي مهمة لاشك
أنكم تعرفون أنها صعبة
ومعقدة وتواجه تحديات
ضخمة.
كان عام ألفين وستة
إختباراً حقيقياً لإرادة
الحكومة والشعب، لقد كنّا
أمام مفترق طرق، إما أن
يبقى العراق موحداً
ونسيجه الإجتماعي
متماسكاً وقوياً، أو أن
ينزلق إلى حرب طائفية،
حرب هي من أقذر الحروب
عبر التأريخ.
لقد نجحنا في تجاوز
خطر الحرب الطائفية بعد
تفجير مرقدي الإمامين
العسكريين، هذه الجريمة
البشعة التي نفذها
التكفيريون وحلفاؤهم من
أزلام النظام الدكتاتوري.
لقد أصبحت الحرب الطائفية
التي كانت تهدد وحدتنا
الوطنية خلف ظهورنا.
كما شهد عام الفين
وستة نهاية الدكتاتور
وحكمه البغيض الذي جر
البلاد إلى حروب ومغامرات
طائشة، تلك الحقبة
المظلمة التي عانينا منها
أشد المآسي والآلام،
وقدمنا فيها مئآت الآلاف
من الشهداء في السجون
والمعتقلات والأنفال
وحلبجة والمقابر
الجماعية. لقد إنتهى وإلى
غير رجعة حكم الحزب
الواحد والطائفة الواحدة
والقائد الظرورة ونهج
التمييز والإقصاء
والتهميش.
لم يكن نجاحنا في
تجاوز الحرب الطائفية
ونهاية الدكتاتور بدون
تضحيات كبيرة، لقد نزفنا
دماً وذرفنا دموعاً
وواجهنا صعوبات، إنه ثمن
باهض ندفعه اليوم في
مواجهة الإرهاب، وهو ذاته
الذي دفعناه على مدى خمسة
وثلاثين عاماً، فالطريق
إلى الحرية والعدالة
والديمقراطية والمساواة
لايمكن إلا أن يكون صعباً
وشاقاً.
أيها الأخوة والأخوات
منذ اليوم الأول لتشكيل
حكومة الوحدة الوطنية
التي تشرفت برئاستها،
أطلقت مبادرة المصالحة
والحوار الوطني، ولم
ينطلق الإعلان عن
المبادرة من حسابات
سياسية أو حزبية أو
طائفية إنما هي رؤية
إستراتيجية لإعادة بناء
الدولة وتكريس ثقافة
الحوار والتسامح ونبذ
الخلافات الجانبية وطي
صفحة الماضي.
لقد وضعنا المصالحة
الوطنية على راس أولويات
عمل الحكومة وسخرنا لها
كل الإمكانيات وقلنا في
أكثر من مناسبة إنها قارب
النجاة للعراقيين والخيار
الوحيد لتجاوز المحنة
والعبور إلى بر الأمان
ويؤسفنا ان البعض قد تمرد
على الحوار والمصالحة
وسيكون لنا معهم موقف
شديد وفق القانون.
مبادرة المصالحة
الوطنية، أفرزت مؤتمرات
للعشائر ومنظمات المجتمع
المدني والقوى السياسية
والضباط والمثقفين في
عموم العراق،
كما وفرت الأرضية
المناسبة لإجراء تعديلات
دستورية تكون فيها سلطة
القانون هي الفصل وذلك من
خلال تقديم مشروع
المساءلة والعدالة إلى
مجلس النواب.
إن مشروع قانون
المساءلة والعدالة يضمن
حقوق الشهداء ويفرق بين
من تلطخت أيديهم بدماء
الأبرياء ومن أجبروا على
الإنتماء لحزب البعث
المنحل، فالمشروع يوفر
إطاراً قانونياً ومحاسبة
عادلة ويطوي صفحة الماضي
الدموية. إن القانون الذي
نريده حكماً وحاكماً
لايعني التساهل مع
المجرمين من البعثيين
وتضييع حقوق الشهداء
والسجناء بل هو إحقاق
للحق وإعادة الإعتبار لكل
الذين تعرضوا للظلم
والتعسف والإضطهاد.
أيها الشعب العراقي
الكريم
مشروع المصالحة
الوطنية، نعتبره السلاح
الأقوى في محاربة
الإرهاب، وكنا على ثقة
كاملة بأنه سيفلح في دحر
التكفيريين وحلفائهم على
الرغم من تشكيك بعض القوى
السياسية التي كانت تراهن
على أن تتحول المصالحة
الوطنية إلى جسر لعودة
القتلة والمجرمين، وهيهات
أن يتحقق هذا الوهم،
فالعراق الجديد لامكان
فيه لحزب البعث الحافل
تاريخه بالانقلابات
والتآمر ولعتاة الجريمة
والإبادة الجماعية.
ولايفوتني هنا أن أدعو
العشائر العراقية المخلصة
ومنظمات المجتمع المدني
لتشكيل مجالس إنقاذ وطني
في جميع محافظات العراق
والوقوف إلى جانب قواتنا
المسلحة للقضاء على آفة
الإرهاب الذي يستهدف
العراق، أرضاً وشعباً
وتراثاً عظيماً،
فالإرهابيون يدمرون البنى
التحتية ويقتلون الأساتذة
والأطباء والمهندسين
وعمال النباء والصحفيين
والرياضيين والفنانين
فضلاً عن النساء والأطفال
كما يضربون المساجد
والكنائس والجامعات ويطال
حقدهم الأعمى معالم بغداد
التأريخية والمدنية
والثقافية.
أيها الإخوة والأخوات
إن معركتنا مع الإرهاب
مفتوحة وطويلة، ولايضنن
أحد أن هذه المعركة
ستنتهي اليوم أو غداً،
فالتحديات الأمنية التي
تواجه عراقنا العزيز
بالغة الخطورة، ومايزيد
في صعوبتها التدخل
الخارجي الذي لم يعد
خافياً على الجميع، كما
أن إستجابة وخضوع بعض
القوى السياسية لتأثيرعدد
من الدول قد أدى إلى
تعقيد الملف الأمني الذي
لم يعد تحدياً داخلياً،
وهو مايدعونا إلى المزيد
من اليقضة والحذر، وسيأتي
اليوم الذي نكشف فيه عن
تورط جماعات وشخصيات
سياسية في تأجيج الأعمال
الإرهابية ولن نتردد في
فضح الدور التخريبي الذي
تقوم به بعض الأطراف
الاقليمية والدولية التي
لايسرها أن ترى العراق
قويا يعيش تجربة
ديمقراطية ومصمم على
إقامة دولة المؤسسات.
إن هذه الجهات التي
نعرفها جيداً ستدفع ثمناً
باهضاً من أمنها
وإستقرارها في حال لم
تتوقف عن سياسة إرباك
العراق أمنياً ليبقى
ضعيفاً، فالعراق القوي،
الديمقراطي، التعددي هو
الضمانة الوحيدة لمنع
عودة الدكتاتورية وصمام
الأمان للإستقرار
والإزدهار في المنطقة.
يرتكب خطأ فادحاً، أي
مكون من مكونات الشعب
العراقي أن يستقوي
بالخارج، لأن ذلك من شأنه
أن يؤدي إلى صراع القوى
الإقليمية والدولية على
الساحة العراقية كما إننا
ندعو جميع الحريصين على
وحدة وسلامة أرض العراق
وسيادته أن يكفوا عن
التدخل في شؤوننا
الداخلية، فالعراقيون
وحدهم القادرون على حماية
بلادهم والذود عن
كرامتهم. إن شعبنا الذي
سطر ملاحم إنتخابية في
فترة زمنية قياسيةوعصيبة
وأقام مؤسساته الدستورية
على أنقاض الدكتاتورية
يرفض منطق الوصاية
والتفكير بالنيابة عنه.
أيها الاخوة والأخوات
إن إستكمال بناء
قواتنا المسلحة مهمة
وطنية ومركزية نعمل
لتحقيقها في أقرب وقت
ممكن وهي عملية تقربنا
يوماً بعد آخر من تسلم
المسؤولية الامنية
الكاملة ومسك الملف
الأمني في عموم البلاد.
لقد قطعنا في هذا المجال
شوطاً كبيراً وأصبحنا
نسابق الزمن في التدريب
والتأهيل والتجهيز
بالأسلحة والمعدات
العسكرية الحديثة لتأخذ
اجهزتنا الامنية زمام
المبادرة والمسؤولية في
حماية الوطن والمواطن
وتمهد لإنسحاب القوات
المتعددة الجنسيات من
البلاد، وستبقى هذه
المهمة في مقدمة أولويات
برنامجنا في عام ألفين
وسبعة.
وبهذه المناسبة أدعو
جميع العراقيين إلى تحمل
مسؤولياتهم ومساعدة
قواتنا المسلحة لتتمكن من
القيام بواجبها في ظل
سيادة القانون واحترام
حقوق الانسان.
إن خطة فرض القانون
التي دخلت شهرها الرابع
هي خطة مهنية تكاملية يتم
تنفيذها على مراحل ، وقد
قلنا منذ اليوم الاول
انها لاتستهدف اي مكون
اوطائفة ، انما هي لحماية
الموطنيين وحرب مفتوحة
على الإرهابيين. إننا
عازمون على الضرب بيد من
حديد جميع الخارجين عن
القانون من المنظمات
الإرهابية والميليشيات
والجماعات المسلحة التي
تعبث بأمن البلاد فلايمكن
أن نبني دولة في ظل
ميليشيات متعددة الولاءات
والإنتماءات والمصالح
وسنعطي الفرصة كاملة لمن
يلقي السلاح طوعاً ويعود
إلى الصف الوطني وسوف
نستنفذ كل الحلول
السياسية قبل الشروع
بالإجراءات العسكرية التي
نتمنى أن لانضطر لإتباعها
لفرض سلطة القانون.
لقد نجحنا في خفض
معدلات القتل الطائفي
بدرجة كبيرة وتمكنّا من
إعادة الحياة إلى عدد من
المناطق في بغداد التي
كان يسيطر عليها
الإرهابيون ، وعلى الرغم
من عملية التشويش
المقصودة التي تقوم بها
بعض الأطراف والشخصيات
المعروفة الحال والنيل من
سمعة قواتنا المسلحة
وأجهزتنا الأمنية، فإننا
نطالب السلطة القضائية
بملاحقة هؤلاء وإحالة
ملفاتهم للعدالة
لمحاسبتهم بإعتبارهم
يشجعون الإرهاب ويحرضون
على الكراهية والفتنة
الطائفية.
أيها الإخوة والأخوات
يخطيء من يظن أن بناء
الدولة ومؤسساتها
وأجهزتها المختلفة محصور
بيد الحكومة فقط، إننا
جميعاً مسؤولون على أن
يسترد العراق عافيته
ويحقق أمنه وإستقراره
وإزدهاره ولاشك أن هذه
المهمة الشاقة والصعبة
والطويلة لايمكن أن تتحقق
في فترة قصيرة، إنها مهمة
تدريجية يتطلب إنجازها
عملاً تضامنياً وتضحيات
من الجميع ولايجوز للقوى
السياسية المشاركة في
العملية السياسية الوقوف
حيال ذلك موقف المحايد أو
المتفرج أو المتصيد
للأخطاء،
وقد لمسنا ذلك وللأسف
الشديد من بعض الذين
وضعوا أنفسهم موضع
المراقبين والمتربصين عن
بعد بدل أن يضعوا أيديهم
بأيدينا لبناء العراق
الجديد.
إن التعاون بين السلطات
الثلاث يتم بطريقة
تكاملية ودون أي تدخل من
جانب أي سلطة في شؤون
السلطات الأخرى، لقد
رفعنا مع شركائنا في
العملية السياسية
شعارالتعاون والتكامل
والمراجعة لتحقيق
أكبرقدرمن التفاهم القائم
على أساس الضوابط
الدستورية بهدف مراجعة
البرامج والتشريعات وبما
يخدم المصالح العليا
للبلاد.
لقد أسسنا في عام
الفين وستة لعلاقات
إقليمية ودولية متوازنة
مع العديد من دول العالم،
ونجحنا في تطويرعلاقات
العراق مع هذه الدول في
المجالات المختلفة. لقد
وقّع العراق مع ستين دولة
ومنظمة دولية على وثيقة
العهد الدولي في شرم
الشيخ، وهي الوثيقة التي
تمثل إلتزامات متبادلة
بين العراق والمجتمع
الدولي،
نتوقع أن يجني العراق
منها نتائج طيبة سوف
تنعكس على الإقتصاد وبناه
التحتية ومسيرة البناء
والإعماروتشجيع
الإستثمارات الأجنبية
وتوفير الأمن والإستقرار.
لقد تمكنت الحكومة
وبالتعاون مع مجلس النواب
من التصديق على مشروع
قانون الإستشمار الذي يعد
خطوة في غاية الأهمية
لتطوير الإقتصاد وإعادة
بناء البنية التحتية
المدمرة وتوفير فرص
للعاطلين عن العمل كما
أقرّت الحكومة أكبر
ميزانية في تأريخ العراق
تم تخصيص جزء مهم منها
لإعادة البناء والإعمار.
كما قدمت الحكومة مشروع
قانون النفط الذي تمثل
مصادقه البرلمان علية،
قفزة نوعية في عملية
البناء وتطوير صناعة
النفط وتوزيع عادل للثروة
وتكريس لوحدة العراق
وسيادتة.
أيها الإخوة والأخوات.
إن تجسيد تطلعاتكم
وآمالكم هي في صميم
برنامج عملنا ونصب أعيننا
وقد عاهدنا الله
وعاهدناكم على المضي
لتحقيقها ولن نألو جهداً
للوصول إلى هذا الهدف.
همومكم الحياتية
اليومية ليست غائبة عنّا،
نتابعها لحظة بلحظة ونعمل
بكل جد ومثابرة من أجل
تحسين الخدمات ورفع
المستوى المعيشي وأن
جهودنا ستتواصل ولن
يثنينا النهج التخريبي
للعصابات الإرهابية عن
خدمتكم أو يفل من عزمنا
عن سماع همومكم
ومعاناتكم.
إن مايساعدنا في
الإستمرار في تحمل
المسؤولية، شعورنا هو
أنكم تدركون حجم التحديات
والمخاطر الداخلية
والخارجية التي تواجه
عراقنا العزيز، وهو
مايزيدنا إصراراً على
مواصلة الطريق لبناء عراق
حر، ديمقراطي، تعددي،
إتحادي.
والسلام عليكم ورحمة
الله وبركاته.