مساهمة عراقية بارزة في معرض فني يجوب اوربا

 

يوسف أبو الفوز / بنت الرافدين

ان ظروفا عديدة متشابكة، وفي مقدمتها ازمة صحية تعرضت لها ، حالت دون كتابة هذا النص بوقت سابق ليعّرف وفي حينه بنشاط فني متميز، مما يستوجب الاعتذار للاخوة المبدعين الذين ترد اسمائهم خلاله ، فجهدهم ونشاطهم وابداعهم يستحق كل تقدير واعتزاز، ... وان تأتي متأخرا لافضل من ان لا تاتي ! 

شهدت العاصمة الفنلندية، هلسنكي، وخلال الفترة 1ـ 18 أذار 2007 تظاهرة فنية تشكيلية حيوية، حيث وبمناسبة الذكرى العاشرة لتاسيس (اتحاد الفنانين المهاجرين في اوربا )، وعلى قاعة مجمع الفنون، اقيم معرض فني للرسوم التشيكيلية تحت عنوان "الثقافة الثالثة".

كان افتتاح المعرض باهرا ولفت انتباه الصحافة المحلية والمتابعين، وحضره السيد ريستو روهونين Risto Rohonen مدير متاحف الدولة في فنلندا، والعديد من الفنانين والمهتمين بالفن التشكيلي ، وجمهور غفير من المشاهدين. ساهم في المعرض 23 فنانا من 12 جنسية ومقيمين في 5 دول اوربية، وهذا جعل المعرض يقدم تنوعا في ادوات الفنانين لتقديم ابداعاتهم فكانت ما بين الفوتوغراف والانشاء والكولاج، وما بين الاعمال التجريبية والتجريدية اضافة الى الاعمال التقليدية، وصاحب المعرض صدور كتلوك فني، باللغة الانكليزية، عن اعمال المعرض والفنانين المساهمين فيه، وساهم في تحريره اربعة من النقاد الفنيين، اثنين منهم من فنلندا، واثنين من العراق. ومن الجدير بالذكر هنا ان "اتحاد الفنانين المهاجرين في اوربا"، اسسه وفي 1.10.1997 وبالتعاون مع بضعة فنانين تشكيلين، الفنان العراقي "عبد الامير الخطيب"، المقيم في فنلندا. ومقر الاتحاد في مدينة هلسنكي، ويصدر مجلة شهرية باللغة الانكليزية اسمها (الوان كونية)، ولحد الان بلغ اعضاء الاتحاد قرابة 200 فنانا محترفا ينتمون لاكثر من 40 بلدا، واستطاع ان ينظم 17 معرضا عالميا في 7 بلدان اوربية. ولاتحاد الفنانين المهاجرين مساهمة فكرية فاعلة في حوارات حضارية تختص بمفهوم " الثقافة الثالثة" ونشاط الفنانين المنفيين والمغتربين في اوربا. وقال لنا الفنان عبد الامير الخطيب:

"ان مفهوم "الثقافة الثالثة " الذي يعتمده اتحاد الفنانين المهاجرين في نشاطه يختص بالثقافة البين بينية ، والتي هي ثقافة التطعيم بين ثقافة الفنان الاولية من موطنه الام ، وثقافة البلد المضيف التي يحتك بها ويعايشها ، وهي نتاج عن ثيمة معروفة بنفس الاسم وتعالج موضوع الصراع بين الانسانيات والعلوم الفيزيائية ، والقاسم المشترك بين الثيمتين اي صراع الانسانيات والعلوم الفيزيتائية والثقافة البين بينية ، هي نتائج سياسة العولمة".

وعن التحضيرات للمعرض اشار:

"كان هناك 70 مرشحا من الفنانين من اعضاء اتحاد الفنانين المهاجرين والمطلوب كان فقط 23 فنانا ، وهكذا كان هناك اختيار دقيق ووفق معايير اقتراب الفنان من موضوع المعرض".

وعن المشاركة العراقية في المعرض اضاف:

"هناك ستة فنانين عراقيين يشاركون في المعرض، من الذين لهم حضور على الساحة التشكيلية، وهم الفنان يحيى الشيخ (مقيم في النرويج ) علي النجار(مقيم في السويد ) محمد حسين عبد الله (مقيم في اسبانيا) حقي جاسم (مقيم في السويد ) وامير الخطيب ( مقيم في فنلندا)" .

في حفل الافتتاح الذي حضرناه ، وحيث غصت القاعة باكثر من 300 مشاهد ، اشاد السيد ريستو روهونين مدير متاحف الدولة في فنلندا ، بنشاطات اتحاد الفنانين المهاجرين وعبر عن الحاجة على مستوى بلد اوربي مثل فنلندا الى سياسة ثقافية تساهم في اشراك المبدعين الاجانب اكثر في الحياة الثقافية ، واشار الى كون المعرض يبين كم يمكن ان يكون الفنانين الاجانب مبدعين وبالتالي فاعلين في الحياة الثقافية . ساهم في افتتاح المعرض،وحضر الايام الاولى منه العديد من الفنانين العراقيين الذين لهم مساهمات فيه ، وكان لنا لقاءات معهم ودردشة حول مساهماتهم واهداف المعرض واجواءه. الفنان العراقي يحيى الشيخ، الذي له في المعرض مساهمة بارزة حازت على اهتمام الجمهور حيث قدم اعمالا تجريدية مستفيدا من حرفة صناعة الصوف ، فيها لغة شعبية وحنينا للدفء الانساني معلنا للمتابع ارتباطه بتراثه المندائي وقدسية المادة الطبيعية وبناءه لفضاءات تنقل المشاهد الى دلالات تتسع للتأويل الفلسفي . قال لنا :

"رغم ان عنوان المعرض يبدو ملتبسا للبعض وفضفاضا وكون المشاهدين من مختلف الثقافات الا ان المعرض وكمشروع ناجح استطاع تقديم نماذج مختلفة من الاعمال تحمل خصوصية واصالة معينة،وهناك فرصة امام الاوربييين متلقين ومؤسسات لدراسة هذا الانتاج الابداعي".

الفنان والناقد علي النجار، حاول من خلال عمله المشارك ان يقدم قراءته للجسد البشري وموضوعة الجنس وبتناول جرئ، يذكر بالتراث الفني السومري الذي كان يسمي الاشياء باسماءها، معلنا تمرده على الثقافة الشرقية السائدة الذكورية، قال لنا:

"المعرض اشبه بالمهرجان ، فيه العديد من الفضاءات، هناك  تنوع بارز في الاداء، وفيه نوع اكثر من الكم، وفي مساهمتي حاولت ان اشتغل على ذاكرة الجسد في منحى لأستعادة بعض من حريته خارج اطر المصادرة كالجنس او الدنس وهستريا القمع .

الفنان محمد حسين عبد الله ، الذي منذ مغادرته العراق عام 1991 ظل يتنقل بين ادوات فنية مختلفة، حاول في هذا المعرض من خلال قطع نحتية افترشت طاولة عادية عند مدخل المعرض، واشرطة ورقية وزعت على زوايا وارجاء قاعة المعرض تحمل نصوصا لها علاقة بمنحوتاته ، حاول ان يمس وشائج العلاقة مع الاخر ضمن اطار الحوار . قال لنا :

"اجد ان الهجرة اضافت الكثير على الصعيد الانساني والفني لتجربة الفنان ، والمعرض اكد على اهمية عمل هكذا مؤسسات ودورها في دعم نشاط الفنان البحثي ، ورغم ان بعض الاعمال ذات نزعة اوربية الا  ان غالبية الاعمال تثبت اصالتها وفيها استمرار للتجارب الوطنية وترفض التعامل معها وفق صيغة التعاطف ، وفي عملي سعيت الى هذا".

الفنان عبد الامير الخطيب، الذي بذل جهدا كبيرا ، لاقامة المعرض واشرف عليه ، اشترك بعمل ينتمي الى فن التركيب Installation ، ومن خلال ولعه بمحاولات توظيف البؤرة، بمعناها الفيزيائي ومدلولاتها الكونية، يقدم لنا قراءة لموضوعة الهجرة ، فطيوره العراقية (الوز العراقي) التي نزعت اقدامها وثبت بدلا منها جذور نباتية ، ترتفع محلقة متجهة  نحو ثقب / بؤرة في زاوية معتمة هو المجهول بالنسبة لها وما تحمله من تراث واصالة وطنية . ويرى الخطيب :

"ليس بالصدفة تم اختيار الزاوية مكانا للثقب الذي تتجه نحوه حركة الطيور ، فهو يأتي من عمق ذاكرتي كمواطن عراقي مسلم ، ومن تفاصيل معمارية في مفردات حياتنا (المقرنص) ، نحن الشعوب المبتلية بالهجرات نحو المجهول". 

وانتقل معرض "الثقافة الثالثة" الى مدينة كوبنهاغن، العاصمة الدانماركية، وفتح ابوابه امام الزوار للفترة 27 نيسان الى 28 ايار 2007 وذلك في مركز العاصمة في قاعة متحف البرج الدائري، وشهد اقبالا طيبا، وبهذا النشاط يقدم "اتحاد الفنانين المهاجرين في اوربا " تجربة ثرية جديرة بالتوقف عندها وتثمينها، فهي وكمؤسسة فنية شامله في عملها لكل اجزاء اوربا، استطاعت ان تشد الانتباه اليها والى اعمال اعضاءها ونشاطهم،وتوفير فرص العرض لهم واللقاء والاحتكاك باوسع دائرة من المشاهدين، وبالتالي التعريف بثقافتهم وجذورهم، وهي اليوم واحدة من اهم المؤسسات الفنية التي تحضى باحترام وثقة الكثير من المؤسسات الاوربية الحكومية وغير الحكومية.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org