(الرحى) رفيقة المرأة الريفية

حسين الهلالي

huseinalhilaly@yahoo.com

 

لقد عاشت المرأة الريفية في مجتمع مستغل،المنتج فيه الفلاح وزوجته المرأة الريفية،هذه البيئة التي يستغلها المالك المتنفذ ( الشيخ) ورجل الدين ويستغلها التاجر والمرابي وكذلك الموظف الحكومي، ويبقى الفلاح الرجل الوحيد المنتج واكبر عبأ في هذا الأ نتاج يقع على عاتق المرأة الريفية هذه المرأة المحرومة من ابسط حقوقها كإنسانية كادحة يلفها المرض والجهل ومستغلة من قبل أصحاب السحر والشعوذة ومحرومة من ابسط القواعد الصحية  وبالموت إذا مارست رأيها في القضايا العاطفية، لذاك تراها محملة بالآم حزينة تهرع إلى المآتم التي تقام في القرية أو المدن القريبة لتفرغ هذا الحزن وهذا الهم في البكاء وهناك العدادات اللواتي يستدرن الدمع من عيون النساء عن طريقة النعي.

وكانت المرأة السومرية ذات أداء حزين وهناك تشابه كبير بين الأ داء السومري الحزين واداء النعي الحزين لنسائنا ويقول الدكتور فوزي رشيد في مقاله الغناء القديم:- (( وزيادة على ذلك بأن النصوص السومرية قد عرفتنا على نوع آخر من الأ لحان السومرية الحزينة الذي اختصت النساء في ادائة حيث يستخدم بشكل خاص في المآتم وفي إحياء ذكرى الأموات والأ لحان التي كانت تستخدم في مثل هذه المناسبات لا تختلف بشيء عن الأ لحان التي تستخدمها ( العدادات ) في أيامنا الحا لية في المآتم والمناسبات المحزنة، والدليل على هذا الاستنتاج هو المرأة التي كانت تؤدي هذا النوع من الأ لحان تدعى باللغة السومرية0(أمارا) وفي اللغة الأ كدية ( أم وبي كأتي) وتعني حرفيا ام البكاء، أي معنا المرأة الخبيرة في استنزال دموع الآخرين)) أخذت البكائيات تنتشر بشكل جماعي بعد مأساة الحسين (ع) فقد كثرت النساء اللواتي يقمن بأداء (النعي) خلال التعزية الخاصة بهن في يوم عاشوراء قرب مراقد الأ ئمة(ع) ويستمع لهن النساء والرجال،ومن الرجال من اتخذ هذا اللون اسلوبا خاصا به في (التعزيزات الحسينية) وكان الشعر يقرأ لاكبر الشعراء الشعبيين في هذه المراثي، مثلا" للشاعر عبد الأمير الفتلاوي،هذا الشعر عن لسان الحوراء زينب وبطريقة ( النعي)


يحسين آنه اختك هاي يحسين
يحسين شوفي ياضو ا لعين
يحسين مدري مصرعك وين
يحسين اجتنه الكوم صوبين
يحسين للشر مستعدين
يحسين ولسلب النسا وين


ويقرأؤون من شعرالأبوذية بعد كل مجموعة من شعر النعي للابتعاد عن الرتابة ولتشويق المستمعين في المجالس ثم الأ ندماج بالمشهد الذي يحكي هذه المراثي،الأبوية كالآتي لعبد الأمير الفتلاوي:


الكلب ساخر على ابن أمي وداوي تضعضع ونهدم صبري وداوي
لا مجروح حتى اكعد وداوي لا غايب وكول ا تعود أليه


وقد اخذ هذا الأ داء من الرثاء منحا" آخر عندما اختصت به النساء الشاعرات الثكلى مثل الشاعرة فدعة وبعد ذلك انتشر في الأوساط الشعبية وحفظته هذه الأوساط لبلاغته الشعرية وقوة معانيه وتعبيره تعبيرا" صادقا" عن المأساة، والشاعرة فدعة لقبت بخنساء خزاعة كونها من النساء الثكلى التي تنوح ليل نهار على أخيها حسين بعد ان لطمت خدها وشقت جيبها ولبست السواد حزنا" عليه وبقيت طول عمرها هي تنوح وتبكي وتر ثي أخيها، في كالخنساء نعت أخاها صخرا" طول عمرها0
وشعر فدعة هو مايلي:-


اشما نوت يحسين أنا شيط والنوم عفته والغطيط
يلتعدل العوجة عدل ميط يمعزب الخطار تشريط
ردتك على كومك كليط يلجنهم بعقلك زعاطيط
علىخشومهم منقارقطقيط يفحل النخل يملجح العبيط


ثم تقول الشاعرة فدعة في موضع آخر مخاطبة أخيها حسين


يباب الكلب يحسين ملهود يجمع أيمده ويخزن جبود
ساده أوخز اعل عندك جعود شي تدعي وشي كلبها سود
يحسين جيف بثار عبود عكبك تظل زنودها بنود


وتقول في موضع آخر عندما أصيبت بمرض السل الرئوي حزنا" وكمدا" على أخيها


يا علتي من كبر نفر
وتشجي الزعر وتريد تكبر
ولونها بصخر ماع وتفسر
ولونها بشجر ماجان خضر
ولونها بسبع جار وتشمر
ولونها بحر ماح وتطشر
منحجيلك يبويه أتصير منكر


وكان هذا الأ داء قد تناول أغراض شتى، في الرثاء، وفي العتابة،وفي الخطاب المباشر، وكانت الآ لة الوحيدة المرافقة للمرآة الريفية هي ( الر حى) تبثها همومها وتبوح لها بأسرارها،وكل الترا كمات المعتمرة بصدرها المتأتية من الضغوط النفسية والهموم الاقتصادية والعوامل الأخرى آلتي كونت كتلة غائمة تحيط بنفسيتها تتفجر عندما تجدلها منفذا" (والرحى) هي المنفذ الوحيد والسهل والمباح لتفتيت هذه الكتلة عن طريق النعي ثم البكاء اللذان يشكلان توافقا لحنيا" فريدا" مع دوي (الرحى) وهذه الأم التي تركت وحيدة حيث تقول:-
أريدا ليباريني بعكله وريد اليحط نكلي على نكله
وفي موضع آخر تقول:-


حطيت حملي فوك علوه نخيت الغريب أوراد كره
نخيت ابن عمي اوكال بلوه


هذه الشكوى التي تتوجع بها هذه المرأة والتي فقدت كل شيء وكل شخص يمت لها بصلة وحتى الغريب ابتعد عنها، أنها تحكي عمق المأساة التي تعيشها في تلك العهود ثم هذه امرأة أخرى تخاطب أخيها بعد إن ابتعد عنها وحست بخيبة الأ مل:


هله ومرحبة للمجبل الجاي
حسبا لي الوالي جاي لحذاي / ورفن عيوني ولبطن اجلاي
وعطشانه آلك عطشه على الماي
ولدري بزماني ضاملى هاي
افرك اعتزازي وطشش اعضاي
نحرتج يبيده بغير ماي


وامرأة أخرى فقدت زوجها وتحولت من دار أهله ألي دار أهلها وبعد فترة من الزمن جاءت لتزور تلك الدار ونظرت الى بابها المغلق وخاطبته:


جيت ولكيت الباب مسدود
اظل واجفه لوردن اردود
وخاف من ارد أيصير منكود
مشه وين جف الجايب الزود


وكثيرمن الهائمات يبثن شكواهن الى هذه الآلة الصديقة في هزيع من الليل والعيون نائمة،ولوان هذه الآلة هي الوحيدة المصرح بها من الأهل للفتاة ان تقول شيئا" اثناء الطحن مادامت تنجز عملا" مفيدا" فهي تقول كل ما يعتمر بصدرها حول من تحب ولو بشكل رمزي واكثر الشعر الذي تناولته هو شعر ( ألد ارمي) او غزل البنات وقالت احداهن:

كل مرض مابيا ش خاله استريحن

ينلجم كلب اهواي لا00 لا تصيحن

وقالت أخرى


ثوب العرس بجفاك ملخته تمليخ
لهل الهوى يظل دوم خليته تاريخ


وقالت ثالثة


شوف اشكثر ميلات بيه الوكت مال
لكن فلا ذليت جدام الأنذال


وقالت رابعة


ابعيني اشوف اهواي وشتمر عنه
عمر العليه ناطور يكصر عسنه


وقا لت خامسة


ماير ضه تبجن حيل ابجن ابهيده
شماته مايدرون روحه ابوريده


ان هذه التراتيل الحزينة تتوافق توافقا" منسجما" مع حركة ( الرحى) فهي رغم انسيابيتها وترديد المرأة هذا الأنين معها بهدوء نقرأ في هذا الأنين وجعا" عميقا" ومعبرا" تعبيرا" صادقا"عما تضمره المرأة الريفية من ألم تراكمي دفين لا يمكن ان تبوح به في حالات أخرى غير هذه الحالة التي تنسجم مع الصوت المنبثق من حركة دوران هذه الآ لة الحجرية التي تثير في نفس المرأة الشجن والحزن والأ نين الذي يفضي بها الى البكاء، وتبقى المرأة ضمن ريف متخلف لم تمتد يد الأصلاح اليه في كل العهود التي مرت على العراق.

 

المصادر

1- الغناء العراقي القديم د-فوزي رشيد- الأقلام+العدد 3 السنة الثالثة تشرين الثاني1977

2-الأغنية الفلكلورية- عبد الأمير جعفر

3- فدعة الشاعرة- اوخنساء خزاعة

4- مقابلات خاصة مع بعض النساء

5- ديوان الفتلاوي- عبد الأمير الفتلاوي
 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com