حكايات من ذاكرة الريف.. (12)

محمد المنشد .. والدرس للاخرين

حسين الهلالي

huseinalhilaly@yahoo.com

عندما يذكر اسم محمد المنشد في اي محفل من المحافل او اي ديوان او اية قضية كان له دور فيها تبرز صورته جلية واضحة مؤطرة بسجاياه الحميدة وكرمه وشمائله التي جبل عليها حتى وصلت سمعته الى الخليج، هذا الرجل لم يفتعل القضايا، ولا يفرضها قسراً، وانما هي تأتي تلقائية بتوفيق من الله، فالكرم من الله والتسامح من سجاياه والتسامح هي الصفة الغالبة على شخصيته التي عرفناه من خلالها، هذه الشخصية الودودة، واذا قلت ذلك فلست مغالياً ولا انا كاتب يكيل المديح للاخرين، اني لم اكتب لهؤلاء ابداً ولست كاتباً للسير بل رأيت ان اطرح هذه الشخصية التي رحلت عنا ونحن احوج ما نكون اليها الان لقد احبه الناس واحبهم واعطى بأفعاله درساً للاخرين من هنا اجتذبتني هذه الشخصية، وشيء قليل من الكتابة عن تلك القيم التي فقدناها في هذا الزمن الصعب.

واني اورد هذه الحكاية عن محمد المنشد وهي معروفة لدى الكثير في محافظة ذي قار عسى ان تخفف من غلواء الانفس وتروضها وترجع الى العقل والقيم التي تحملها القرية والديوان يسترد هيبته ويأخذ مداه في زمن مقبل على الديمقراطية وعمل الخير وقول الكلمة الطيبة والحفاظ على اموال الناس والكف عن السلب والقتل والارهاب، ففي سنة 1964 خلف المضيف وهي بمثابة حديقة متسعة نوعاً ما، ارسلوا له العامل مع التركتر وكان هذا العامل من اهل الرمادي، بقى عندهم عدد من الايام وكأنه عند اهله وواصل عمله، اما الذي يسهر على خدمته عزيز بن محمد المنشد البالغ من العمر انذاك ستة عشر سنة، وبعد وجبة العشاء كان هذا العامل يعمل ليلاً كعادته اما عزيز فبقى في مكانه دون علم العامل وعندما اخذ النعاس مأخذه منه سحب الغطاء ونام في نفس المكان، عند ذلك عاد العامل على ظهر التركتر بعد ان انهى حراثته الليلية، عاد الى مكانه وبين التعب والنعاس استمر في سيره باتجاه المكان وفجأة سمع صوت عزيز ينطلق من تحت العجلات، نزل وسحبه واذا به جثة هامدة لاحراك فيه، صرخ، وكان اول الراكضين الى المكان هو محمد المنشد وعندما علم بالفاجعة شهر مسدسه ووفر الحماية الى العامل الى ان جاءت الشرطة واخذته الى المركز للتحقيق، وفي الصباح ذهب اليه واستفسر عن التحقيق وقيل له قد انتهى، اخرجه من السجن ووضعه في سيارته وسار الى محطة قطار البطحاء واركبه القطار بعد ان زوده بالمال، وبعد عشرة ايام جاء رتل من السيارات يحمل اهله من الرمادي استقبلهم محمد المنشد وعشيرته، وبعد استراحة قصيرة قالوا: اننا جئنا وايها الشيخ لقراءة الفاتحة وان تقبلوا منا فصل المرحوم عزيز، قال لهم على الرحب والسعة اهلاً بكم اخوان اعزاء والفصل مقبول بدون تحديد او عد وكل شيء تقدمونه انا والعشيرة راضين عليه، عند ذلك قام كبيرهم وقدم له المبلغ، وبعد استلامه من قبل الشيخ محمد قال: يا ال غزي هذا فصل عزيز استلمته وانا بدوري اسلمه الى اخيه ابن الرمادي، وكان العامل قد جاء مرافقاً مع اهله وعشيرته، ساد الصمت الديوان ووفد الرمادي في ذهول، بدد الشيخ محمد هذه الشكوك عندما قال: هذا قراري الحقيقي والذي راجعته فيه، عند ذلك امر كبير الوفد بأن يذهب العامل لاستلام المبلغ ذهب العامل واستلم المبلغ بعد ان قبل الشيخ في جبينه، وقدم لهم الطعام، وبعد الاستراحة سافر الوفد الى الرمادي مودعاً من قبل الجميع.

وفي سنة 1967-1968 ابعد الشيخ محمد المنشد من قبل الانظمة السابقة الى الرمادي ضمن موجة التهجير والابعاد لرؤساء العشائر المؤثرين في مناطقهم، ومن اخلاق شرطة النظام انذاك ان تقوم بانزال عقال الشخص من فوق رأسه اذلالاً له وعندما اقترب الشيخ من باب السجن ليدخل مد الضابط يده الى عقال الشيخ واراد ان ينزله وما كان من الشيخ الا ان رفع يده وصفعه صفعة قوية على خده، فدبت حركة سريعة وصياح في باب السجن وفي داخله، واتصلوا في الجهات العليا في السلطة فجاءتهم الاوامر بأن لاتحركوا ساكناً الان واتركوه وشأنه، وعندما سمع اهل الرمادي وخاصة اهل العامل هرعوا الى السجن ومعهم رجال من كبار اهل الرمادي وطلبوا من مدير السجن ان يفتح ابواب السجن لهم يومياً على مصراعيه لتقديم الطعام الى محمد المنشد والسجناء تكريماً له ريثما يتم الافراج عنه، وعندما اطلق سراحه ودعوه توديعاً يليق به، في الوقت الذي انتشر الشر فيه والاعتداء الكيفي وكثرة (الكوامة) على اتفه الاسباب.

وقد رثاه الشاعر الراحل عبد الواحد الهلالي بقصيدة شعبية بمناسبة اربعينيته حيث قال:

( خاطبت اليراع ماذا اكتب من سيل الحزن الجلل فلك مع القريض رفقة طويلة ومع الشعر الشعبي معايشة السنين الطوال، فأجاب دون ان اختار هذه الاحاسيس فألىروح المغفور له الحاج محمد المنشد ال حبيب هذه قصيدتي)

القصيدة

نشف ضرع المحارم جفت الطيــبة * * * او ديوان المعارف فكد ترتيبه

بدر صدر الحليم اويكت منه الطيب * * * او يسجي ارض المصدية وتزهي بالتعشيب

بدر وسط الهنادس يشع عيب ايغيب * * * جان اوحادي الركبان يحديبه

حدتبيه الرجايب للعدل كرام * * * ابو لطيف وفي حبل الصدك لزام

يهنالك تكلفه الليل اابد ما نام * * * اله ومكصدك يتعناه ويجيبه

شهم والشهم يمهي اشما ملك ويجود * * * من منشد ورثها ولبس ثوب الجود

اله وياد الفراضة على العدل مشدود * * * يرجب الحك طريجه او عدل ترجيبه

فكدناه وفكدنه ابفكده الطيبات * * * الاخلاق الحميدة الماتصح هيهات

الكرم مثل السحايب دوم هطالات * * * اذا نيشن غالمنكر لازم ايصيبه

يملك نفس سمحة وللكلافة هديب * * * يتصاغر تواضع والتواضع طيب

يعجبك لو تكلم منطقه ابترتيب * * * الف وسفه على شخصه وحسن ترتيبه

وتد وعليه رحى العربان دوم اتدور * * * علم وبراسه نار عل البعد منظور

اله بسفر المجارم جم سفر مسطور * * * اواله ابمجلس العزة الصدر والهيبه

انتدب لرياض وسعة وزاد تقوى اوياه * * * عمل عنده يفيد اهناك يلكاه

وراه ذجره المعطر ينذجر خلاه * * * اسبب لنه بعد عن سجة الغيبه

اعزي اهله وعمامه او صحبته اوكومه * * * عليه كل نفس منهم تضل مالومه

سنة هل الحياة اليمشي ابيومه * * * وحادي الموت كل البشر يحديبه

هنياله اليخالف ذجر يذكر دوم * * * مثل ذجر ابو الطيف شايعتله علوم

يتغمد ابرحمته الباري القيوم * * * او كبره الهاطلات السحب يسجيبه

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com