قصة قصيرة

عتاب

صبيحة شبر

sabiha_kadhum@hotmail.com

أنهيت استعدادك للخروج ..كل صباح تقومين بأعمالك اليومية، المتكررة .. قبل ان تتأهبي لمغادرة المنزل، تهيئين جميع ما يلزم .. لطعام الغداء ..تجمعين أقداح الشاي، وكؤوس الحليب .. المستعملة في الإفطار، تضعينها في مغسلة الصحون، تفتحين صنبور المياه، ليسهل عليك تنظيفها .. حين تعودين ..ترتدين ملابس العمل، التي اقترحها المسئولون، كنت قد هيأت كتبك ودفاترك، وأقلام الكتابة، وأقلام السبورة، ليلا خشية من النسيان، رب سهو بسيط .. يجعلك تقفين موقف المخطيء الذي عليه الاعتذار، تصممين على القيام بكل واجباتك، وبشكل تام، ومتقن، لا تحبين كلمات التقريع، واللوم، تضعين لوازمك في الحقيبة، تدخلين قدمك في الحذاء البسيط ..الذي ابتعته حديثا ... ليحفظك من تعب الوقوف طوال النهار، ألام ظهرك كانت تئن باستمرار ... مطالبة إياك ببعض الراحة، تتهيئين لمغادرة المنزل، وأنت تمرنين نفسك على الهدوء، والسيطرة على الانفعالات، وعدم السماح لأي إشارة تصدر منك ... تدل على نفاذ الصبر او الملل، او انك في الطريق السريع ... الى اشتعال الغضب، او استبداد القلق، يكفيك ما عانيت من خسارات .. بسبب اشتعال غضبك هذا، وعدم فهم الناس عدالة أسبابه، وانه عليك دائما ان تضبطي أعصابك، وتحبسي انفعالك، داخل اعماقك .. خشية من ان يخرج الى النور ....

- اريد منحك تقديرا، يليق بك، كتب عنك الموجه الفني شهادة تقدير بامتياز......

يراك واقفة .. تتأهبين للمغادرة .. دخل الحمام، تناول صابون الحلاقة، والفرشاة، واستفسر عن المرآة، أجبته بهدوء عن مكانها المعتاد، وأنت تغلين كالمرجل.....

- أسعدني تقدير الموجه، منحك امتيازا، قال انك الأفضل بين الجميع .. سأخبرك بأمر .. أرجو ان يكون بيننا ..اقترحت ان نجري احتفالا بسيطا في الصباح .. حيث يكون الأساتذة والطلاب ... حاضرين كلهم ... ونقدم لك وساما، تقديرا على جهودك الكبيرة في العمل معنا ....

 وضع الصابون على الفرشاة، واخذ يمررها على ذقنه، بهدوء، نظر إلى صورته المنعكسة، في المرآة، وقد ظهر عليه الانتشاء، أعجبه وجهه المطلي بالصابون الأبيض ....

- كنت تبكرين في الحضور، حين لم تكونوا تملكون السيارة .. فرحت لك، اشتريتم سيارة بسيطة، فكرت ان معاناتك المستمرة .. كل صباح .. في الاستيقاظ مبكرة، والهبوط للعثور على سيارة أجرة، فكرت ان جهادك العسير قد خفف عنك أخيرا ....

يمرر الفرشاة المطلية بالصابون ...على الجانب السفلي من وجهه .. وقد اكتسى بطبقة كثيفة .. وهو ينظر بتمعن .. الى صورته المنعكسة في المرآة بشكل مكبر، تلوح على محياه علامات الارتياح الكبير، لم تعتادي ان تسأليه لم هو مرتاح هذا اليوم ؟؟، لأنك تتوقعين الجواب :

- الا تحبين لي الراحة ؟؟؟

الفرح يتضاعف في نفسه، فينطلق صوته عاليا يردد أغنية مشهورة للعندليب الأسمر ....

- حين اشتريتم السيارة، أخذت تتأخرين .. أسبوع كامل .. وأنا انظر إليك، وأخشى ان يوجه لك احدهم انتقادا، ويتهمني إنني انحاز لك .. انا احبك يا منال، أنت أفضل من يعمل معي هنا، تعملين دائما بإخلاص .. منقطع النظير .. رغبت ان أتحدث معك .. بشأن التأخير، تراجعت عن قراري، وحدثت نفسي مؤنبة إياها .. انك طوال عامين كاملين، كنت نعم العاملة الماهرة، تصلين الى مقر العمل .. قبل قرع الجرس .. بربع ساعة على الأقل

 صوت الغناء يرتفع .. ينظر الى صورته المنعكسة أمامه، يغني بصوت أجش .. أنت واقفة .. الحقيبة في يدك، تفكرين في أن تعجلي ... بالخروج من المنزل ...والعثور على سيارة أجرة .. تنقذك من هذا التأخير الممض لأعصابك، ومن الظهور، أمام المسئولين .. بمظهر المقصر .. غير الحريص على واجبه ....

- أحببت ان أحدثك بشأن التأخير.. لقد استمر أسبوعا كاملا، ثم تذكرت قيامك الجميل، بالواجب .. طوال عامين كاملين .. فشعرت بتأنيب كبير، قلت لنفسي .. الذنب ليس عليك، وأنت مجني عليها ....

أعجبه منظره، الرغوة البيضاء .. تغطي الجانب الأسفل من وجهه ..الانتشاء يبدو واضحا على محياه، يعلو صوته الخشن الأجش، يبتعد خطوات عن المرآة، يسير يمينا وشمالا، يستبد بك العجب وأنت ترينه .. يأخذ بالرقص .. رافعا ذراعيه .. مقلدا إحدى الراقصات المشهورات ..

- أنت عزيزة علينا، كنت مثالا للعمل المتفاني الماهر، والموظف النشيط، الموجه يكتب عنك التقدير بامتياز .. الطلاب يحبونك، زملاؤك يقدرونك ... اقترحت أن نكرمك غدا صباحا .. سوف أنسى أمر تأخرك لمدة أسبوع كامل .. وأفكر بالأمور التي أنت تجتهدين بها،حاولي غدا ان تصلي مبكرا

حركات نشوى تتوالى، والرغوة البيضاء تغطي الوجه، بالجانب الأسفل ...تحدثين نفسك ان تسارعي الى الجري الى الباب، هابطة الى الشارع .. لتستقلي سيارة الأجرة، وتصلي في الوقت المناسب ...

تنظرين الى الساعة، انها السابعة والدقيقة الخمسون، لو هبطت الآن، لما استطعت العثور بسرعة على سيارة الأجرة ....

تتوالى حركاته الراقصة، مصحوبة بصوته المغني العالي، وهو يردد أغنية مشهورة .. للعندليب الأسمر، يلتفت إليك بملل ظاهر، يتناول المنشفة الصغيرة، يمسح بها الصابون المتبقي على جانب وجهه الأسفل، يقول بنفاذ صبر :

- انتهيت

تنظرين الى الساعة، إنها السابعة والدقيقة الخامسة والخمسون، يستولي عليك هدوء عجيب، تجدين الا جدوى من الكلام او الاعتراض او حتى الاحتجاج، يربت على وجهه المحلوق .. حديثا بإعجاب، يصب قطرات من العطر على راحة يده، يضعها على وجهه، مدلكا إياه، يعود الى أغنيته المشهورة، يتناول محفظته الأنيقة، يغادر المنزل، تتبعينه على مضض، يفتح باب السيارة، تفتحين أنت بابك، يسألك :

- هل تودين الإسراع ؟؟؟

- لا داع للسرعة ....

 تنظرين الى الساعة، انها الثامنة والدقيقة العاشرة، تدركين ان الطلاب قد وقفوا .. لتحية العلم كما العادة كل يوم، وان الجميع قد حضروا، الا من رغبت المديرة في تكريمها ...

تصلين مكان العمل، الهدوء يخيم على كل شيء، نظرات من العتاب تنطلق لتشيعك الى فصلك الذي كان ينتظر.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com