قصة قصيرة

حياة من جديد

نوئيل عيسى

تدهورت صحته واخذ منه الياس ماخذه وباتت الهواجس تعم لحظات حياته دون فكاك.

ضاقت به الدنيا فعزم على الخروج من مكمنه ...ارتدى ثيابه واخذ عكازته وتلقفه الشارع والهواء الطلق ...عب من الهواء ملئ رئتيه وهو واقف تحت مظلة بجانب عمود النور يرقب حركة الناس.
احس بثمة خذر ينتشر في جسده الهزيل وثمة هاجس يدفعه الى ان يتحرك يسير الهوينة ليصل الى اقرب مقهى لعله يرى الاصدقاء الا انه تردد
- اولاد كلب لم يسال اي منهم عني!
توقفت عربة خيل بجواره وهبط منها رجل عجوز في الثمانين من عمره نظر اليه وغمزه ملقيا عليه تحية الصباح
- صباح الخير يارجل
- صباحك نور شباب..؟
التفت اليه العجوز وهو يرمقه بنظرة عتاب ...بادره ملوحا بعكازته
- لاتلمني لست اقول الا الحقيقة
وضحك مبتسما بينما ظل العجوز يرمقه دون ان يحول عنه نظره همس متسائلا
- هل من خطب يابني..؟
- هاه ... شئ من التعب
اقترب منه العجوز واخذ منه العكازة وضغط على كتفه ثم دفعه بهدوء
- تحرك يارجل اريد التجوال معاك
وما ان انتهى من كلامه مد له يده وتابط يد الشاب وجره عنوة حتى اصطف الى جانبه
-ماذا دهاك يارجل وكانك ابن المائة عام ..الله؟
وكاد الشاب ان يسقط ارضا الا ان العجوز شده اليه ببراعة شاب ابن الخامسة عشر ثم امسكه من كتفيه وهزه بعنف وقسوة
- هيه انا لااستطيع فهمك تحرك والا القيت بك على اسفلت الشارع
ابتسم الشاب وتبدد غضبه بعد ان شاهد في ملامح العجوز ثمة امارات من الالم والحزن فلف يده اليسرى خلف ظهر العجوز وصرخ
- ماذا تعتقد اتراني ميت
همس العجوز في اذنه
- لا انما ارى فيك حمار متقاعس مستسلم للياس
انتفض الشاب وعدل من قامته رغم الالم الذي سرى في كل اجزاء جسمه ... القى العكازة ارضا وتحرك بخطوات قوية وهو يسحب العجوز من يده عندها ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه العجوز وهما يسيران كانهما يهرولان واذ بالعجوز يهمس باذن الشاب
- يلا شباب
التفت اليه الشاب وهو يشعر ان الالم بدا يختفي من اجزاء جسده شيئا فشيئا وهمس
- نعم شباب .. ماذا تعتقد؟
- لاشئ
افلت العجوز يده من يد الشاب وهم على وجهه تاركا الشاب يسير بقوة عسكري يضرب الارض بقدميه محدثا صوتا رتيبا وكانها تهتف بمن حوله
- افسحوا الطريق للات من الموت المحتم شباب ولد للتو من العدم
وزم على شفتيه فرحا والتفت يمنه ويسرى باحثا عن العجوز لااثر له وهمس لنفسه
- من اين خرج علي هذا الانسان؟
وبعد هنيهة همس لنفسه
- لعله الحياة جائتني على شكل عجوز ودبت في كل اعظائي ؟!بعد ان استسلمت للموت؟
بصق بعيدا ... ووصله صوت يقول
لاحياة مع الياس ولاياس مع الحياة؟
التفت واذ بالعجوز خلفه يتبعه كظله هتف به
- اتتبعني يارجل ؟ ماذا تريد مني بعد؟
ضحك العجوز ضحكة مجلجلة لفتت انظار كل من على الرصيف وصفق يد بيد وهو يهتف
- اتعرف لفني الضجر وكاد يقتلني فانفلت نحو الشارع لاصادفك بغته فرايت فيك خير اناء لاصب فيه ضجري!!
قهقه الشاب واجابه وهو يكاد ياخذ العجوز في احضانه
- هاقد اعاد الي ضجرك الحياة من جديد بعد ان يئست منها تماما!
ولف احدهما الاخر وتعانقا وهتفا لبعضهما البعض
- هاقد اصبحنا على خير حال
وتمتما
- الحمد لله

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com