|
قصة قصيرة كل حصار وأنتم بخير
بقلم محسن الصفار
دخل سعيد الصحفي العربي الشاب على رئيس تحرير المجلة الواسعة الانتشار التي يعمل بها منذ أشهر قليلة بعد أن استدعته سكرتيرة الرئيس، ودار بين الرجلين الحوار التالي بعد أن إستقبله رئيسه بحفاوة قائلاً: - عزيزي أهلاً وسهلاً بك لقد أثبت خلال الفترة القصيرة التي قضيتها هنا أنك صحفي جاد ومجتهد. - شكراً لك سيدي. - ومكافأة لك فقد قررت أن أدعك تكتب الموضوع الرئيسي لهذا العدد وهو عن غزة.
- نعم يا سيدي
فهو بصراحة موضوع يهمني جداً فلغزة معزّة خاصة
في قلب كل مسلم يتألم لحصارها الظالم . سأبدأ
على الفور وسيكون مقالاً مدوياً إن شاء الله. - ما هي سيدي؟ - أنت تعرف أن مجلتنا ليست مدعومة من أشخاص كبار في الدولة . - والقصد سيدي المدير؟ - القصد أن مقالك لا يجب أن يتعرض لبعض الحكومات العربية التي تشارك في حصار غزة بشكل فاعل وتفتخر بذلك، الله يرضى عليك لا نريد مشاكل مع المخابرات والأجهزة الأمنية ونتهم بالإساءة للعلاقات العربية الأخوية. - حسناً سيدي سأراعي ذلك في مقالي مع أني أرى أن العلاقات العربية لا يستطيع أحد أن يزيدها سوء !!. - جيد أنك فهمت عليّ ، موضوع صغير آخر. - ما هو سيدي؟ - أنت تعرف أن مجلتنا توزع في دول أوروبية وأمريكا ولا نريد أن نتهم بدعم اارهاب وتمنع مجلتنا من التوزيع, لذا لا تتطرق إلى المقاومة وحق الشعب الفلسطيني في محاربة الاحتلال لا نريد مشاكل من هذا النوع ، هل فهمتني؟. - حسناً يا سيدي مع أني لا أفهم كيف يكون دفاع شعب أعزل عن نفسه مقابل جيش جرار إرهابا - أحسن الله إليك وكذلك أرجو أن لا تتطرق إلى الأثرياء العرب وصرفهم للملايين من الدولارات على ألعاب نارية وعلى المطربات والراقصات بينما أهل غزة يموتون من الجوع، فأنت تعرف أن مصدر دخل المجلة هو من الاعلانات ومثل هؤلاء إذا احمرت أعينهم منّا فلن نرى إعلاناً واحداً وسنموت من الجوع وتعرف المثل يقول قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق. كظم سعيد غيظه وقال: حسناً يا سيدي هل من أوامر أخرى؟ - لا يأمر عليك ظالم أيها الموظف المطيع ولكن لا أريد أن أوصيك بأن تغض الطرف عن ذكر أطفال غزة وهم يموتون جوعاً ومرضاً بينما أجهزة الاعلام العربية مشغولة بمسابقة ملكة جمال الأغنام وسباق الهجن ومباريات الكرة بين مصر والجزائر ، لا نريد أن نغطي على مثل هذه المواضيع فهي غاية في الأهمية كما أن إيراد مثل تلك الصور في الإعلام يؤثر سلبا على السياحة في لبنان والبتراء والأهرام ... فلا نريد أن نتهم أننا نؤثر على الأمن القومي العربي . - سبحان الله وماذا بعد؟ - لا شيء هذا كل شيء شكراً لك.
- أنت متأكد
أيها المدير العزيز؟ لا شيء بعد؟ لا نريد أن
يغضب منّا أحد لا سمح الله !!. - حسناً سيدي. خرج سعيد غاضباً من رئيس تحرير المجلة الذي كلفه بكتابة مقال عن غزة بهذا الشكل. وفي اليوم التالي سلّم سعيد المقال إليه وكان على الشكل التالي : غزة منتجع صحي سياحي من الدرجة الأولى يعيش سكان غزة أجمل أيامهم بعد أن قرروا إتباع نصائح الأطباء في الوصول إلى نمط الحياة الصحية القائم على ترك كل أنواع الطعام التي تساعد على إرتفاع نسبة الكولسترول والضغط والسكر والملح والوزن . وكذلك التخلص من أهم مسببات التلوث وهي مشتقات النفط والبنزين ولهذا فهم لجؤوا إلى رياضة المشي المفيدة للجسم والعقل خصوصا لكبار السن والمعاقين والمرضى والنساء الحوامل والأطفال حتى . أما المستشفيات والعلاج فقد ثبت بما لا يقبل الشك بأن الدواء التقليدي يسبب الأمراض ويعطل جهاز المناعة لدى الجسم ومن الأفضل استخدام طرق العلاج القديمة "التداوي بالأعشاب" ,ولذا فإن أهالي غزة رجالاً ونساء وأطفالاً يتوجهون بجزيل الشكر إلى الحكومات التي تشارك في حصار غزة لما يوفرونه لهم من أسلوب عيش صحي وسليم بعيداً عن مغريات الحضارة الضارة بالصحة . كما يسألون الله أن يوفر لكل من شارك في هذا الحصار المفيد والجميل من الحكومات العربية الفرصة لعيش هذه التجربة الجميلة هو وعائلته وأولاده. وكذلك يتقدمون بجزيل شكرهم وخالص اعتذارهم للحكومة الاسرائيلية وحكومة الشقيق الأكبر عن اضطرارهما لتجنيد آلاف الجنود للتأكد من عدم وصول المواد الضارة آنفة الذكر الى منطقة غزة "الصحية" والله يقدرنا على مكافأتهم ! . أما بالنسبة لبيوتهم المهدمة فهم يشكرون جارتهم العربية على مشاركتها العظيمة في منع مواد البناء من الدخول إليهم فهي مواد تختزن الكثير من المواد مُسرطنة "تتسبب بالإصابة بمرض السرطان"فها هم قد عادوا إلى حياة البداوة والخيام حياة الآباء والأجداد العربية الأصيلة ، وكذلك فإن الامتنان موصول لمشاركة حكومة ذلك النظام العربي مع الصهاينة في الحصار عن طريق كونها السبب في وصول غزة لكتاب غينيس من خلال تحقيقها العديد من الإنجازات والأرقام القياسية فعلى سبيل المثال لا الحصر والله العاطي : - الرقم القياسي الأول : سجلت غزة كأكبر سجن في العالم وهذا ما كان ليكون لولا دعمكم الكريم فلكم الشكر والله يقدرنا على مكافأتكم . - الرقم القياسي الثاني : استطعنا عبر تعاونكم بأغلاق المعابر بتحقيق أكبر كثافة سكانية في الكيلومتر المربع الواحد في العالم وهذا مفخرة لكم كحكومة عربية شققققيقة. - الرقم القياسي الثالث : اختراع بيوت الطين غير مسبوقة مبنية دون اسمنت وحديد وغيره من المواد المسرطنة الأخرى . - الرقم القياسي الرابع : استطعنا بصمتكم على قصفنا بقنابل الفوسفور الأبيض والقذائف الكيماوية أن نسجل أكبر نسبة معوقين ومشوهين بين البشر ، فبيض الله وجوهكم. - الرقم القياسي الخامس : لأول مرة في التاريخ مليون ونصف غزاوي يهددون الأمن القومي لأكثر من ثمانين مليون نسمة وهذا إنجاز غير مسبوق. وأرقام قياسية أخرى لا يتسع المجال لذكرها نتركها لمقال آخر . وإليكم هذا الشعر العامودي هدية وهو بعنوان : تهانينا لمن نشكو مآسينا؟ ...ومن يصغي لشكوانا، ويجدينا؟ أنشكو موتنا ذلا لوالينا؟...وهل موت سيحيينا؟ قطيع نحن والجزار راعينا ومنفيون نمشي في أراضينا ونحمل نعشنا قسرا بأيدينا ونعرب عن تعازينا لنا فينا فوالينا، أدام الله والينا رآنا أمة وسطا، فما أبقى لنا دنيا ...ولا أبقى لنا دينا ولاة الأمر: ما خنتم، ولا هنتم ولا أبديتم اللينا جزاكم ربنا خيرا، كفيتم أرضنا بلوى أعادينا وحققتم أمانينا وهذي القدس تشكركم ففي تنديدكم حينا ... وفي تهديدكم حينا سحبتم أنف أمريكا فلم تنقل سفارتها ولو نقلت - معاذ الله لو نقلت - لضيعنا فلسطينا ولاة الأمر هذا النصر يكفيكم، ويكفينا تهانينا! أهلكم في محمية غزة الطبيعية
وكل حصار وأنتم
بخير.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |