قصة قصيرة

من وحي جلسات بوح نسائية

محاسن الحمصي

 

mahassen_h@hotmail.com1 

 

لف القبطان ذراعه حول خصري: "لا تخافي يا عصفورتي، أجيد قيادة الطائرات". حلق بي، وألبسني الفصول الأربعة كأثواب تسوّقتها في عواصم الجمال، بيتي المطارات، أغطيتي شراشف من حرير، طعامي المحار، رفقتي المشاهير، تسليتي المسارح ، رؤية الآثار. عشقت الطيران والدوران فوق الغمام ، ومن القمرة يستدير ويبتسم، تغافله غيمة، تهتز الطائرة من مطب ، أرتعد ، أفتح عيني على خاصرة باردة ، ويد تحمل كرة أرضية تدور في زاوية الغرفة، وقبطان غائب لعله هبط في مطار مجهول.

                                                           

2

أطفأ الأنوار عن قلبه ، أسدل أهداب الحزن ، عانق في سريرصقيع الوحدة طيفا راحلا

وقلّب الصور. جاءني بعد شهر يقرع بابنا يطلب شمعة، همس : صدق أجدادنا : موت

الزوجة كضربة المرفق، ألم مؤقت يزول ..!! ولأن شعلتي أوشكت أن تذوب، علت الزغاريد

وعادت الاضواء.. 

لما تزل تبحث عن مفتاح المعرفة، وتنبش كنوز ماضي العلم الجميل، أغرقت بريده أسئلة

ساندها بأجوبة شافية، تفتح أمامها الطريق لا تخلو من شفافية، غفت على ضفة نهر ينساب، يقطر عسلا وقارب أحلام ورقي يقربها من عالمه، وعلى الضفة الأخرى يستلقي أستاذ جليل، يقلب البريد، يتلو الرسائل بصوت رخيم، وزوجة تشاركه متعة السهر، تضحك من معجبة ساذجة، ثم تلف ذراعا حول رقبته بزهو، تقبل وجنته، وتنام مطمئنة، فبين كفيها يرقد قلب مخلص أمين.. 

تترك الساعة، تسرع عجلى تعلن حياتي معلّقة في دقيقة : "لمَ تترصدني تلك المرأة؟"، وعلى عصبي تضرب بصوت خال من أنوثة من عطف ورقة: "لديك دقيقة، الْحقْ حروفي واركضْ خلف كلماتي.. ابتلعْ الحرف الأخير.. "، أمسكُ بطاقة منتهية المفعول، وألعنُ هاتفا يسرق الوقت ويبدد الفرح..

يضحك حين تقابلني عيناه في جلسة، محاضرة، أو حفلة وهو يدرك أن أذني مع الأحاديث الدائرة والمناقشات والحوارات، ولا أضيع جملة تمر، لكن تركيزي منصب على الأقدام والأحذية..! أراقب شكل الحذاء، لونه، مقاسه، وأحكم على شخصية من يرتديه إن كان صادقا، ممثلا، نظيفا، أو طيب القلب.. طبع اكتسبته منذ الصغر؛ طلاء وتلميع أحذية أفراد العائلة الذكور واجب منزلي إلزامي، يومي، كبرت، تعلمت، ومازال نظري لا يرتفع..!! 

حرارة ورطوبة الجو لا تحتمل مع نوافذ مشرعة وأبواب لا تغلق، تنتظر نسمة هواء لا تتحرك، تزيد من وتيرة حرارة تتقد فجأة في جسدي الجاف وفمي المتشقق وعرقي المتصبب، فيحملني

شوق وحنين إلى قبلة تنعش شفاها جفت من سنين، سهوت ثواني مع تلك الأمنية التي لا تجيء،

شارب يتحرك على شفتي، لزج ، ليس كثا ولكنه طويل.. أبعده بكفي، أهب مذعورة، أبحث عنه، لأجده بين طيات السرير، أحمل مبيد الحشرات، أركض خلف صرصار تسلل في يوم صيف حار إلى فراشي، وشاء أن يداعب أحلامي..!

رأيت مذيعا في المنام يُجري معك لقاءً، أخفى وجهكِ.. قلت : عسى خيرا. في اليوم التالي، تسلقت شجرة زيتونة مباركة تتعرض للكسر والإحراق، رفعت عنقود عنب من كرمة مثمرة تُنفرط حباتها على أرض تداس بنعال نجسة. 

أجبرت على النزول تحت تهديد سلاح عصابة محتلة، حملت حجرا، ورجمت المعتدي

قضيت شهورا أسيرة، أعصر الزيت في منامي، وأشرب عصيرا حلو المذاق من خلف القضبان. حين غادرت الزنزانة، استوقفني مذيع والتقط صورة جسد منحن ويد قوية تلملم الحصى ، تجمع الحجارة ، تصيح :هيا إلى الانتفاضة. 

مرآة وشاشة ملونة ما يسمح به في بيت يدعى الممنوع ، أرغمت على الوحدة، الصمت، الابتعاد عن الصديقات، مقاعد الدراسة..! وأرغمت على مرافقة الأهل إلى حفلة قد تكون

لعرضي على مشترٍ ثقيل الظل مملوء الجيب ، أو لنبدو في صورة عائلة مثالية ، مترابطة ،

ديمقراطية منفتحة ومتفتحة..! وجدتني في منتصف القاعة ، مغمضة العينين ، أرفع يدي اليمنى محتجة ، أحرك يدي اليسرى محذرة ، أشيح بوجهي معترضة، يتطاير شعري المنسدل، أهتز متحدية ، حتى أردافي أصابها مس كهربائي ، صدري يصعد ويهبط بثورة متأججة ، خطواتي تبطيء وتسرع ، شفتي لا تبسم ، تهم بأن تصدر صرخة مدوية تملأ المكان.. فجأة، يتعالى صفير وأكف تصفق بإعجاب.. كلمات تطاير بين الحضور، وتصب في مسامع العائلة : هنئيا لكم النجمة الراقصة.. في غفلة من الجميع، أتسلل وأغيب في العتمة..

 9

 جاءتني الثروة على طبق من ذهب، حملها رجل مسن، أمضيت أيامي أحسب أرقاما يجمعها،

أستبشر في الرصيد، وأنتظر الفرج ..! ذرفت الدموع عند رحيله، لبست السواد، أجريت

ترميما وتجميلا، حملت لقب الأرملة المتصابية، أدخلت ذراعي في ذراع وسيم، ألمحه

اليوم يراقب التقويم، يزيد الأصفار، يعد الأرقام، ويسألني بصمت : متى ترحلين؟..

 10 

 تثائب، تمتطى، مد ساقيه، وبلسان رخوِ كسول، قذف الكلمات : القراءة، الكتابة.. هواية وغواية لم تعد تغريني، سئمت السياسة، مللت نوافذك التي تفتح للمواعظ والنصائح، أنت امرأة رجعية

تصعدين على سلم الحرام والعيب، تتحلين بمكارم الأخلاق والقلب الأبيض الحنون. تصلحين أما، أختا، وزوجة. تأبين التطور والدخول في هذا العالم المجنون، الذي بات بيتي ومسكني وإدماني،

انسحب- ياسيدتي- فانسي وجهي، فأنا نسيت كل الوجوه.. وأبقيت على وجه واحد يشدني، يؤنس وحدتي يسليني يدعى : الفيس بوك..!! 

11

يسحب روحي مع أصابع داعبت خصلة من شعري القصير، ألتفت فتلتقي نظراتنا

تحمل الف رجاء، والوقت اللعين يداهمنا فلا أملك العودة، ولا هو يملك لحظة انتظار.

أداعب كل مساء شعرا أصبح ضفيرة. تسخر مني صديقاتي : "لم لا تتبعين الموضة

وأنت رمز (الشياكة) والأناقة؟".

 كيف أجرؤ على قص خصلة شعر لامستها يد الإبداع، وأنتظر أن تأتي وقد تعود...

 12

 جبهة حرب وقتال فتحت بوجهي لا تخمد ولا تنطفيء نيرانها، نظرات استهجان واتهام، قصص وإشاعات تتبعني.. أتحب آخر وتتخلى عن زوج مهم ؟

هل أصدر بيانا أم أنشر حكايتي عبر وسائل الاعلام؟

 أعلم أن زوجي مسؤول كبير، حلو اللسان، كريم، يسكنني في قصر يحيط بي الحرس والخدم، كلمتي العليا. لم يهني أو يخني.. لكن زوجي الثري الحنون، لا يكتفي بشركات وأموال. لديه الوقت الإضافي، ليعمل منشارا، يقاصم الفقير رغيفه في النزول، يأكل الحرام في الصعود، أعلم أن أبغض الحلال عند الله الطلاق،وانا أريد ابتلاع لقمة مغموسة في الحلال.

 13

 قال: سقطت في الجب..!

قلت : مابين الجب والحب نقطة..!

 سارعت أفل ضفائر الذهب، أرخي خيوطا من حرير، أمد يدي ليصعد.

سار في ضوء القمر، جلس يحتسي قهوته وبنات أفكاره تتساقط أوراقا يلونها كلما

هز جذع الشجرة، وعلى غصن تتأرجح طفلة مشاكسة، تحوم، تنتظر بشغف لتهبط نقطة مضيئة في وسط الدائرة. 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com