|
دراسات نقدية
سيرة لونية للوحة رجل من بلدي
عبد الحكيم نديم الداوودي
إن تأثير المدرسة الواقعية في اللوحة المنجزة بمادة الزيت واضح،وبعد دراسة لاتجاهات المدرسة المذكورة وتأثيرها على عمل الفنان. لذا ليس الأمرُ شيئا ً غريبا بأن ينقل الفنان بعضا من أسلوب رواد تلك المدرسة وانطباعاتهم الفنية للعمل الفني.ولوحة »رجل من بلدي« وهي من اللوحات التي تتسم بالواقعية المفرطة، ويبدو ذلك من الزمن المتبقى ومن المساحة المشغولة في اللوحة للتعبير عن معاناة الطبقات المسحوقة في المجتمع. ولذا لا يحتاج هذا العمل إيضاحا ً كثيرا ً بقدر حاجته لفهم المعاناة وإيجاد الحلول المناسبة لها. اللون الطاغي على أجواء اللوحة هو اللون الرصاصي والقريب من الرمادي الفاتح مع استخدام ألوان أخرى مثل اللون الأحمر والأبيض والقهوائي. فالخلفية التي تواجه المشاهد وهي عبارة عن جدار لبيت سكني قديم حيث تمثل تلك الخلفية حالة بؤس وحرمان الأحياء الشعبية من الخدمات والعناية. ومن خلال واجهة الجدار باستطاعة أي فرد في الحي الذي يتواجد فيه أن يقرأ بعض الأخبار والتعليقات والمواضيع الأخرى مجانا، ويتوقف أمام بعض العبارات التي تثير الشجن والذكريات في النفوس الجدار في كل زقاق شعبي يحكي حالة التردي وقسوة الظروف المعيشية والبيئة الملوثة من جراء سوء تخطيط بعض الأفكار السياسية في بلدان العالم.فنقرأ أحيانا ونحن نمشي بقرب الجدار إعلانات مجانية لمذكرات الطفولة، وتعبيرنا العاطفي عن حالة الحب البريء برسم شكل تفاحة تخرقها من الوسط سهم كيوبيد الحب، أو عندما لا نستوعب في البداية لغز الطرح والجمع في دراسة عالم الرياضيات وفهمها جيدا ً من خلال طرق التدريس القديمة وكيف نجمع الرقم اللغز 7 + 7 .أو عندما نشتهي في أيام البرد القارص طعم الباجة في صباحيات مطاعم كركوك الشعبية، ونكتب اسم صاحب الباجة الشهير في المنطقة ، أو من كثرة ترديد الآباء وبعفوية ثورة 14 تموز وخلاص الإنسان من نير تلك العبودية المزمنة. نقرأ على الجدار لمحة سريعة للا فتة تندد بالاستعمار ونقرأ في جدارية اللوحة دوندرمة غازي، والتي كانت تكسر حرارة الصيف اللاهب في روحنا الظامئة، والمحور الأساسي التي بنيت عليها لوحة» رجل من بلدي« والتي تمثل الصرخة المدوية بوجه حماة الشيخوخة والمتشدقين بالمبادئ الإنسانية. فهذا الرجل من بلدي وهو رجل فاقد لنعمة البصر من جراء عمله تحت ظروف عمل غير طبيعية وصحية وحرمانه من كل الضمان الاجتماعي والرفاهية الاقتصادية ، انه ضرير شهم يكسب قوته اليومي رغم عاهته المستديمة يعيل عائلة كبيرة ببيع الباقلاء وثراء أرضه بآبار النفط ، فاللوحة لا تحتاج إلى تعليق آخر واللون الرمادي الطاغي على فضاء اللوحة يحكي هو الآخر عن ضبابية العيش في بؤس الفقر.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |