اهتم
العديد من الفنانين العراقيين اهتماما كبيرا بالعذاب
الانساني، وعبروا من خلال هذه الظاهرة عن مشاعرهم ورؤاهم
بتعبيرية نفسانية ورمزية تجلت باشكال مختلفة داخل مخيلات
متفجرة ، قادرة على تمثيل بشاعات التعذيب والحرب ومآسيها
وما رافقها من آلام وشقاء.
ولعل الفنان حسين الهلالي وهو يجسد بلوحته المعروضة هذا
الاسبوع خصائص حالة الترقب والانتظار بتقنيته المعهودة
التي تنطوي على الضربات اللونية السريعة وهي تحمل تضاد
الظل والنور، وعلى منوال استخدامه سابقاً خطوطاً قوية
ملونة بقساوة وحدة، وإبدائه اجساد النساء والرجال، تحمل
اضاءة ضمن سطوح ناتئة ومجوفة، كأنه يحصي من خلالها حالة
الترقب الحزينة التي غادرتها طرافة الحياة اليومية والامل
الذي ما زال مرتسما بجرأة في عيون نساء الجنوب . انه يربط
بين مساحتين مختلفتين في اتساعهما وفي مميزاتهما، ويجمع
بينهما، من خلال تناقضهما، في تأليف واحد، النساء الثلاثة
والسماء التي تشكل خلفية اللوحة وتمتد نحو الاسفل لتكون
جزءاً من فضاء اللوحة، مستعينا في المنظور الخطي الهندسي
بقيم لونية متضادة يعلو عليها اللون الاصفر الطاغي، يتميز
بمفهوم حدسي اكثر عفوية، فاللوحة لا تصف الواقع، بل انها
تعبر عن الامل الذي يراه الفنان نفسه لهذا الواقع، بل انها
الطريقة التي يريد ان ينقلنا اليها في تحديد رؤيته. لوحة
تحاسبنا جميعا، يتخلى الفنان القدير حسين الهلالي عن
التسجيل المطابق لمظاهر الواقع البصرية، والانتقال، من ثم،
الى الحلم الذي اصبح لا واقعا في زمن الموت المنتشر، وكأنه
سحابة سوداء تحجب النور وتسد نافذة الرجاء، سحابة نحو مزيد
من الظلمة والاختناق يقابله الامل وحالة الترقب التي تشير
اليها هذه العيون الممتلئة بالحذر والطيب. انه ينقل صورة
هذه الدوامة للامل المرتقب ، بواسطة تلاعب الضوء على
اللوحة، بالايحاء الى هذا الشيء وتسجيل الاثر الذي يتركه
لدينا جميعا، وهكذا فإن اللون اكتسب بقوته ونظافته واناقته
قيمة مادية مستقلة تمثلت في السعي لاستنباط الاشياء التي
لا نراها في اللوحة وليس في الواقع وانما في حالات من
الترقب للامل القادم الذي سيأتي لا محال.