|
دراسات نقدية
زليخات يوسف/ لعلــي السباعــي واستخدام الموروث الشعبي والأسطوري/حسين الهلالي حسين الهلالي أن ما يغريك في قراءة قصص علي السباعي هو استخدامه للموروث بشكل متجدد يسير باتجاه أنساني خالي من التعقيد والصراع غير المجدي والذي يجر القصة الى متاهات لا يستطيع الكاتب أن يخرج منها وتنعكس سلبا عليه . انه على دراية وحذر من هذه السلوكية التي توقع بعض كتابنا في حبائلها .وفي بحثه المضني المتواصل عن الحالة الجديدة لثقافة الإنسان الجديد نجده يقترب من المجتمع بحذر ويبقى مراقبا ذكيا من داخله دون أن يشرك نفسه في متاهات غامضة غير محسوبة لذلك نراه يقتص ويمتزج معها بروحه ووجدانه ويثير صراعا جدليا في داخله ليضع حسابات جديدة لهذه الظواهر لتصبح تجديدا مستقبليا في هيكلية قصصه . هنا يبحث عن مفهوم حضاري تقدمي يمكن أن يحل محل سلبيات الماضي وتعنت الأسلاف بما يغيض الأنباء ففي مجموعته الأولى التي صدرت في دمشق (إيقاعات الزمن الراقص ) والتي عن اتحاد كتاب العرب في دمشق (2003) نجد في قصة (بندقية الحاج مفتي) عكس قول الأمام علي (أولادكم خلقوا الزمان غير زمانكم )حيث يشرع الأب بإعادة زوجته المخطوفة والسيئة السمعة ويتناسى العرف الاجتماعي في مجتمع القرية الذي يرفض المرأة (الخطيئة) بل يحكم عليها بالموت فنجد الأبناء متمسكين بهذا العرف لأنهم ضمن دائرة التكوين الاجتماعي الذي يرتكز عليه مجتمع القرية القبلي ويصل الاحتدام إلى مسك البندقية ومواجهة الأولاد لأبيهم لإنقاذ سمعة العائلة في وسط مجتمع الريف المتخلف .لكن لم تطلق رصاصة واحدة من البنادق ليعلن انتصار العقل والحكمة واستحضار الموروث والتمسك به ، سواء كان موروثا اجتماعيا أو دينينا ،وهذا وعي من الكاتب علي السباعي يحسب باتجاه الإيجابي في كتابة القصة القصيرة ،هذا الإيجاب الذي ابعد لغة الرصاص وحل محلها لغة الحوار وانتصاره بين العائلة له مجد للقصة القصيرة .... أن الكاتب لم يكن بعيدا عن هذه الأجواء فقد عاش بعضها وسمع البعض الآخرين وسبر غورا سيكولوجيا في نفسية الفرد ولم يتركه سائبا إذ لابد له أن يدخل ضمن أدواته التي يصرفها عنه كفرد من الريف. هذه الروح الإنسانية التي يحملها السباعي انعكست على قصصه وجعلها في مصاف قصص المجددين في القصة العراقية ، أن تواضعه وسيرته ، أن تلتزم معه في كل شيء وتعطيه ما تعطي لنفسك ،وهذه السيرة المتواضعة تكبح جماح الغرور ، وتفتح بابا واسعا للإبداع والتجديد وقصة (مومياء البهلول) تحكي مرور المحرومين بمتاهات الحصار الذي سحقهم حد العظم ،والكاتب واحد منهم ،ووصل بهم اليأس بان يستخدموا التعويذة لفك نافذة من هذا الحصار ومن وجهة نظر الآخرين وهذا لا اصل له في الواقع وكلهم ذهبوا إلى التخمين والشعوذة وهذه الحالة وجدوها للطمأنان وزيادة الصبر لكنها حالة لا خلاص منها الا بالتغير الشامل والكبير . استخدم علي السباعي في هذه القصة الموروث بشكل جيد . شخصية بهلول وشخصية بائع التعويذة في عربتها السومرية والهروب من ضغوط الحصار إلى مدينة (لارسا) طريق الموت والرمال والجفاف والحرب الذي يبرز فيه اله الحرية (امارجي) حيث طعم الأفواه هناك من الرمال والرياح الصفراء التي تهب من آذار إلى تموز على الناصرية ، لاشيء غير ذلك ، وهذا تجسيد حي لهذه الحالة التي سحقت الجميع بينما الحاكم بنعم ويتلذذ بالنعم والخيرات في العراق دون الآخرين . وفي زليخات يوسف يعرض لنا الصورة المتحركة للمجاميع التي تكدح حول ساحة الحبوبي،من صباغ الأحذية وكناس الشوارع والبناءين وبائعي الكتب القديمة ومضاربي الدولار وسيارات جمع النفايات التي تجمع هذه الأصوات غير المتجانسة زعيق،وصراخ ،طنين ، هدير ،وذلك بارتفاع صوت منبهها ، ولكن صوت معلم التاريخ بزعيقه العالي غطى على كل هذه الأصوات وأصبح مسموع من الجميع أباد: (أفيقوا ......رحى طاحونة الحصار تطحنكم ،أفيقوا أن الحصار يعنيكم ) لا يتردد احد من انه كان يتكلم بضمير هؤلاء المسحوقين الذين سحقت أجسادهم وبحت أصواتهم من اجل لقمة العيش ، انه يتحدث وحبل المشنقة في عنقه ،لا سكوت على هذه الحالة ، لقد بلغة الحياة عنده حد الحلقوم ،لاشيء يخافه مادام جسده خاويا مثل جسدهم انه يتضور جوعا وأطفاله اشد ، انه يربط الحبل بيد تمثال السيد الحبوبي الثائر عسى ان يستمد منه القوة ولذلك يدفع الكرسي ليصل الى ساعة الخلاص .ولكن يجد نفسه هاوي على الارض بين هلع الناس الذين يشاهدون السقوط مبتعدين بضعة خطوات مرتبكة ،وتحول الصورة الى صورة سريالية عندما ينظر الناس إلى رؤوسهم ليجد أجسادهم بلا رؤوس ،ثم يربط القاص هذه الأجساد التي بلا رؤوس بالكون ، فيبقون أشباحا تحلم بالضياع والتمني برؤية النهاية للحصار ،وبين هذه الصراعات يبرز المعلم بصراخه المعتاد (سأشنق نفسي ولا أرى محاصرين لا يستحقون الحياة ) ويبقى هذا الصوت الذي يمثل المثقف وهو يكابد الحياة عسى ان يجد نورا يضيء هذه الظلمة التي احاطة بكل شيء ،وهذا ما يطلق عليه المعلم في المساحات وبصوته المتعالي (( لا شبيك ولا لبيك فقط الحصار بين يديك )) ويؤكد القاص علي السباعي هذه الحالة المأساوية عندما يقول :في جزء من قصة زليخة يوسف ((ملت طرقات المدينة خطوات أبنائها ،صبية المدارس يطوفون في دروب لفها الغبار ،يضربون بأكفهم الدبقة على كتبهم هاتفين من انتزع الرؤوس ، زليخة تبحث في آثار الدماء الذي تركه الانفجار عن الأيادي التي قطفت التفاحة ،وبعد أن التقطت كفها المقطوعة بيدها اليسرى الذي يزين إصبعها خاتم من الذهب وفيه نص كبير من حجر ازرق وانتزعت الخاتم من يدها المقطوعة بعد حصولها على خاتمها ترنمت بمواويل)) (يتصاعد شدوها الطروب خارقا عتمة الكسوف شقي من لصمت به الأوهام) ويلتفت السباعي إلى ألتماعة ذكية عندما يبدأ الكناسون بكنس القمامة والرؤوس المقطوعة التي نزع أصحابها هذا التفكير العقيم المضلل وإبداله برؤوس ينبغي ان يرتفع تفكيرها الى مستوى ألحدث ان النقلات الراقصة والمشاهدة التي اقتنصها السباعي من واقعها وشفرها واتجه بها نحو الرمزية التي تؤجج الحدث وكلما تخف حرارة المشهد تظهر زليخه لتدير حوارا ساخنا مع المعلم تارة معترضة وتارة مع نحات الرؤوس الشمعية الذي صفع جامع القمامة . وأخيرا توحمت زليخات الحصار بالتفاحة المحرمة مع صهيل الخيول الجيدة التي تبحث عن انطلاقة تفك أسرها واسر المدينة المحاصرة . لقد اشتغل المبدع الكبير علي السباعي على الموروث الشعبي واستخدمه استخداما لا يتسرب في أنه لم يقحم قصصه في هذا الموروث بصورة فجة أو تزينه أو غير مبرر لقد جمع ما بين التراث والمعاصرة واستخدم الأساليب الحديثة ، اللامعقول والمشاهدة السريالية والتعبيرية في زليخات يوسف ((انظروا الرؤوس بعضهم بلا رؤوس يكابدون عناء أجسادهم وانتزع الكسوف رؤوسها، ويبقى في أسلوبه المتكئ متسارعة نحو بلوغ القصة مسارها الحديث السامي، ان هذه المجموعة التي صدرت من دار الشؤون الثقافية والتي تضم هذه القصة في أعلاه(مومياء البهلول ، وزليخات يوسف ، هي نتاج أبداعي رصين يلج في الأفق الجديد للقصة العراقية )
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |