|
دراسات نقدية
رحيم الغالبي، شهادة مختصرة لتاريخ صعب عبدالكريم هداد / السويد حينما حملنا أفئدتنا في رحلة لا ندري بتفاصيل عذاباتها ومحطاتها، حيث تركنا أرواحنا وحيرتها فوق سماء بلادنا وبين أفياء أزقتها القديمة، حين كنا نحلم بوطن حر وشعب وسعيد، آنذاك كان لحلمنا تهمة عظمى في الدستور المؤقت، ومخلة بأمن الدولة ونشاز عن حفل الذبح الوطني على البوابة الشرقية. لقد كانت رحلتنا فيها من العذاب القاسي بقدر الإصرار والتمعن في الإفتراءات الكبيرة لدولة حزب العفالقة بما سرق من وطن، حيث رهن شعبنا نحو حرائق لمسنا مقدماتها ولم نرَ لها نهايات. وقد صدقت الرؤية تلك، حين تعالت ظواهر صخب عبادة الشخصية والقتل والدم والتعسف وفيالق رجال الأمن والأغتيالات والتلفيق الوطني والقومي، وجوقات الشعراء في إحتفالات التزوير اليومي، والتي كانت منسقة ومبرمجة وواسعة في حرائقها لما بقي من الذاكرة العراقية الحية. وقد تطوع للرقص في هذا عشرات الكراديس المهلهلة بالنجومية الإعلامية والمصالح النفعية، وقد نجحوا في ترويض كل ما لديهم من أدوات وأساليب فنية شعرية في بناء وتكوين قصيدة مخلصة في مشاعرها من حيث الشكل والمضمون، وقد وقفوا في حلبة المشاهدات اليومية للتغطية على صور الدمار والخراب والقتل، وما خلقه من متغيرات اجتماعية وأخلاقية في تركيبة المجتمع العراقي.انها قصائد لها فعل إجرامي مسبق الإصرار في فعله الإعلامي. وهنا شهد أكثر من كاتب وأديب عراقي مبدع، على أن جميع من تغنوا بالسلطة الدكتاتورية، هم بأنفسهم، كانوا يتهافتون على السقوط. *** ومما يثلج القلب حين تأتي إلينا بكل بهي قاماتها أصوات ممن اختاروا بإرادتهم وضميرهم الحي، ان لا يتغنوا لسلطة جائرة وان يعتزلوا حياتها الثقافية ومهرجاناتها الصاخبة، ويعتكفوا على دفء وطنيتهم المشرفة، حيث بدأوا الآن يعيدوا وهج القصيدة الشعبية العراقية الحقيقية الى منبرها الصحيح، وهم أحق بهذا الدور الثقافي والأعلامي، لا تلك المنابر التي يمارس عبرها بشكل آخر أوجه ثقافة بعث العفالقة تحت يافطات وأسماء حزبية و شعارات طائفية ممزقة لنسيج الحياة الأجتماعية العراقية، ومن دون إفساح المجال أمام مبدعين حقيقيين في تناول وطرح حقيقة عايشوها عن قرب في كل تفاصيلها اليومية بآلامها وآمالها. ومن هؤلاء الشعراء، الشاعر العراقي المبدع رحيم الغالبي، وهو الشاعر الذي لم يتلوث بمشاهد الحروب والمديح والتطبيل، وبقيّ نائياً عن موائد دولة حزب العفالقة والخراب، حيث الكثير من مرتزقة ثقافة دولة البعث العفلقي، بدأوا في التنويه على إنهم خدموا الدولة العراقية لا السلطة الحاكمة، التي كانوا هم عمادها في إنتاج ثقافتها وممارسة حياتها الفكرية. لكن الشاعر رحيم الغالبي، ابن مدينة الشطرة، بقيّ وفيّاً لمدينته الوادعة المحتضنة لنهر الغراف السلس بهدوئه الناحل الى حد سمرة وجوه المغتسله بماءه، النهر الحامل لحلاوة دجلة نحو أرض مشبعة بملح الفرات، ذاك المرتمي بنفسه في وادي القصب السومري ومشاحيف مواكب سفرالآلهة الأولى، في رحلتها من أور، حيث رائحة الطين الحري.. رحيم الغالبي الذي ليس فيه الرغبة أن نساويه بمن كان راكداً في مواقفه الأنسانية خلال سنين الخراب والدمار.. تساوي الحار... والبارد تساوي الميه... و الواحد تساوي النزل... والصاعد..!!!! بس... گلي ؟ اشيساوي الماي.. بين الجاري والراكد..!!!؟ ومما يلفت النظر لدينا في قصيدة رحيم الغالبي، هو تميزها العالي الجودة عن ما ينشر ويذاع خلال فترة ما بعد سقوط نظام صدام حسين، خاصة بعد وضوح الأحتلال الأمريكي للعراق وتبيان أجندتها الطائفية وما نهب من ثروات وطنية تحت شعارات المحاصصة وديمقراطية خراب ما تبقى تحت سماء العراق. إنَّ القصيدة الشعبية ما زالت لدى عموم الشعراء الشعبيين أسيرة منحنيات الأيقاع الحماسي ( الى حد الصراخ الحاد ) والنبرة العالية بما ترويه من صور شعرية متكررة ومستهلكة في أسماءها وتفاصيلها. إنهم مازالوا رواة لتلك القصص، وليس مستلهمين لطاقة الرموزالتاريخية والأسطورية كدلالات شعرية، قادرة على شحن القصيدة بما تمليه الضرورة الإبداعية، لا ضرورة اللافتة السياسية ومتغيراتها اليومية. فها هي واقعة كربلاء العظيمة قد تم تكرارها بشكل يومي الى حد الملل، وبأصوات من إعتلت منابر مهرجانات جمعية الشعراء الشعبيين، من دون تناسي مفردات وتوصيفات قصائد الحرب العراقية - الأيرانية، التي مابرح مطبلوها في ألوان أثوابهم ذاتها، ومن دون أن ينزعوا بارودها من خيالهم، مروراً بقصائد تسعينات الحصار بما تنطوي عليه من صفات روحية الأنكسار والتذلل والتمسكن والخنوع الواضح غير المحببة عند الفرد العراقي. وما أوردناه لم نجده في قصيدة الغالبي الشعبية، كما في نصه المعنون بـ وردة النرجس... مثل ما يثلم.. الخبزه، ثلم گلبي... صلاة الصبح، حسبالك وأگابل بيها بس ربي!! مسح بعيونه، من يخزر نبض گلبي عذاب العمر.. گضيته وعتاب الگاه، بنص كتبي رسم عالحايط من ابعيد.. هواجس روحي نور وضي... مشه الحايط.. وظل الفي..!! عبرت اشكد سواجي وياك.. عافتني الجروف.. وثبت بس المي!! مشت ليش الشوارع ؟ ظلت الخطوات.. تتخبط بغربه وهم گمت اتطشر وألتم فتحت الگلب طلعت الأسرار البيه... شفناها چذب مديوره دايرنه.. واحد چنه.. صرنه اثنين، واحد عكس الثاني.. سافرنه!! إنَّ شاعرنا – رحيم الغالبي - نجد لديه ما يمكن تميزه وبقوة ملفتة في البيان الشعري والثبات العالي في شاعريته القوية ورؤياه، الممتدة والمستمده لخواص تجربة سبعينيات القرن الماضي بكل تفاصيلها الثقافية والفكرية النيرة، حيث نجد لديه معيار فني هادئ في إلتقاط مشهده، وما يتأمله في أبعاد فلسفية ثرية توهج أشياءه المكونة لبيئته الجنوبية، وبكل أسماءها وأشكالها وعطرها وألوانها. إن قصيدة الشاعر رحيم الغالبي ما هي الا مشاهدة سريعة الوقع كما وميض البرق الحارق، لكنها تبقى تمتلك مكونات الفن البصري في إلتقاط صور نابضة بحيويتها داخل الذاكرة، ومشبعة بسلاسة الماء، وخاصية مستفزة لرونق النكهة المعلقة على علامة الإستفهام، ضمن إطار مشهد شعري تمزق فيه المفردات الموروثة والمتداولة بحميمية الوجد، وتنثر بنفس الوقت على خيط ايقاع غناء جنوبي له تفاصيل جديدة في تشكيل مغاير لما هو متداول، وبعيد عن الصخب اليومي الممل على الساحة الشعرية. إنَّ القصيدة هنا كتابة مهتمة بدواخلها الأبداعية وغير معنية بما هو غير شاعري، بقدر ما تحمله من جديد النحت والترتيل والمذاق والدهشة والتساؤل...!؟ يغزل بالهوه.. يسوي طيارات يريد، فوگ اسطوح اهلي شكل شرير.. شبح.. يمنع حلم شفاف وايگصر الجناح البعصافير طير.. تغزل بالهوه، واتدگ عله اشفاف الطفوله الناي.. وترسمه بسامير!! ما لدى القصائد هنا، هو خاصية الأيقاع الهادئ مع رؤية تختصر جودتها العالية، لتسلب مخيلة القارئ والمستمع معاً، في صورها التشكيلية المختزلة والمختصرة على مساحة تكوينها الثابت. انها قصائد جديدة في جدية شاعرها الملتهب في إنسانية تجربته الواثقة الرؤية والموقف، وهو يؤطرها في ترتيل صدى معبدها السومري، وحيناً يضعها ضمن مناشير الروح المتسلقة لإمتدادات قصب أهوار الجنوب العراقي، تحت ظلال فسحات زمن يخبأ لنا قصاصات العشق بين صباحات ورد الجوري القادمة... امرايه.. انته : اليمين.. الگي يسار!! .. واليسار، الگي يمين وضاع كل تعب .... السنين!! العود.. مايدگ العود.. بصابع، نست وين اظفرها چان العود بصابع خرسه!! چان العود كل البحر چان اوياك، هسه بلا سفينه اتعود..!!
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |